اعتادت سيمون كولينز تلقّي مكالمات من "مين لاين فيرتيليتي" (Main Line Fertility)، لكنها علمت هذه المرة أن اتصالهم كان لإبلاغها بأنها حامل. كانت هذه المحاولة السادسة للتلقيح الصناعي لدرجة أن العاملين هناك ألِفوا الحديث إليها، لكن كانت مكالماتهم تعمّها نبرة هادئة تحمل كثيراً من التعاطف.
كانت المكالمة الأخيرة في عيد الحب وانطلق فيها صوت المرأة على الجانب الآخر بالابتهاج حين قالت: "مرحباً سيمون"، وذلك لأن الجنين 3، وهو بويضة مخصبة اختارتها كولينز وزوجها مالكوم، قد يصبح ابنتهما المنتظرة التي ستحظى بأفضلية غير عادية في تجنب أمراض القلب والسرطان والسكري والفصام، حسب الاختبارات.
هذه ليست قصة عن أطفال مصممين كما في فيلم "غاتاكا"، فجنين كولينز طبيعي ولم تتعرض مورثاته الأساسية لأي تعديل.
تَعِد عشرات عيادات الخصوبة حول العالم بتقييم اختبارات الحمض النووي الجديدة بتفصيل غير مسبوق لتحديد ما إذا كان أحد الأجنّة عرضة للإصابة أكثر من غيره بمجموعة أمراض كان يُعتقد طويلاً أنها خارج التوقعات المستندة إلى الحمض النووي. إنه تطور جديد في الاختبار المعياري الصناعي المعروف باسم اختبار المورثات السابق للانغراس، الذي أسهم لعقود في فحص الأجنة بحثاً عن أمراض نادرة مثل التليف الكيسي الناتج عن أحد المورثات.
يتمثل أحد تحديات الأمراض القاتلة مثل السرطان وأمراض القلب في أنها عادةً ما تكون وراثية، إذ ترتبط بمورثات مختلفة عديدة ذات تفاعلات معقدة. يمكن لأشخاص مثل كولينز الآن الخضوع لاختبارات لتقييم آلاف نقاط بيانات الحمض النووي لفك شفرة هذه التعقيدات وحساب مخاطر الإصابة بالأمراض.
قليل من الشك
تقدم "جينوميك بريديكشن" (Genomic Prediction)، وهي شركة في نيوجيرسي أُنشئت قبل خمسة أعوام وتُجري اختبارات في عيادة الخصوبة التي تولت حالة كولينز، تقييماً لمخاطر الإصابة بالأمراض الوراثية وتتنبأ بالنسبة المئوية لفرص إصابة كل جنين بكل مرض مُدرَج في القائمة، إضافة إلى تقييم للصحة العامة. يمكن للآباء ذوي الأجنّة المتعددة دراسة النتائج حين يقرروا أيها يمكن زرعه، لكن قد يحتاجون إلى قدر ضئيل من الشك حيال المعيار.
تُعَدّ الفروق المئوية من جنين إلى آخر طفيفة عموماً، وقد تفوقها تأثيرات العوامل البيئية. لكن "جينوميك بريديكشن" تضيف جميع البيانات الوراثية إلى نتائج الصحة العامة، التي تبدأ من خط أساس صفري لمتوسط المخاطر بحيث تنخفض المخاطر كلما ارتفعت أرقام النتائج. حصل الجنين الذي اختارته كولينز وزوجها على 1.9 درجة، مقارنة بجنينهم الذي أتى معدله عند -0.96 درجة. قالت كولينز إنها لا ترى ذلك فارقاً بسيطاً، مبينة أن التقنية "تستخدم العلوم الحديثة لمنح أطفالك في المستقبل كل ميزة ممكنة، أي إنها تعزز حظوظ الأطفال".
يبدو أن هذا الشكل الجديد من الفحص في مورثات الأجنة يدفع البشرية خطوة أخرى نحو التحكم في تطورها. تسهم صناعة التلقيح الصناعي التي يقدر حجمها بنحو 14 مليار دولار بولادة أكثر من نصف مليون طفل سنوياً في العالم، ويتوقع ارتفاع حجم هذه السوق بأكثر من الضعف هذا العقد وسط ارتفاع نِسَب العقم.
راهنت شركات، مثل "جينوميك بريديكشن"، على أن كثيرين ممن شاركوا بهذه العملية رأوا ما يكفي من أحبابهم يعانون أمراضاً وراثية، ويريدون تقييماً للمخاطر. قال الرئيس التنفيذي للشركة لوران تيلير، الذي عانت والدته من أنواع سرطان عديدة: "الجميع لديه فرد في عائلته يعاني... بلا استثناء".
لم يكن واضحاً أن هذا النوع من تحليل المخاطر سيكون ممكناً قبل عشرة أعوام، ناهيك بالتحليل العملي. لقد أسهم التقدم في فحص المورثات بتحسين كفاءة التقنية خلال العقد الماضي بوتيرة أسرع تقدم برقائق الكمبيوتر. يكلف بعض تسلسل الحمض النووي منخفض المستوى أقل من 40 دولاراً الآن، ويمكن قريباً تحديد خريطة المورثات بأكملها مقابل 100 دولار، وهو جزء بسيط من التكلفة الحالية. تتيح مستودعات الحمض النووي العالمية الضخمة للباحثين الربط بين مورثات معينة وكل أنواع نتائج الحياة، كما أن بعض الدراسات يربط المورثات بالطول، وغيرها يربطها بمدى احتمال التحاق حاملها بالجامعة.
جنين جامعي!
لا تقدم شركة "جينوميك بريديكشن" تقييماً لسمات ليست مرتبطة بالصحة، وكذلك منافستها "أوركيد" (Orchid) التي تدعمها آن وجسيكي، رئيسة شركة "23 أند مي" (23andMe). لكن ثمة طرق يمكن للآباء المتحمسين اتباعها للحصول على هذه الأنواع من التنبؤات، وهذا ما فعلته كولينز وزوجها. رغم أن اختيار الجنين استناداً إلى احتمالية حصوله مستقبلاً على درجة جامعية أمر لم يبلغه علم تحسين النسل أو حتى أداة تعديل المورثات "كريسبر" (Crispr)، لكن المآخذ التي تحيط به بالتأكيد تفوق ما يتعلق بجهود خفض مخاطر الإصابة بالسرطان.
يوجد فارق كبير بين علم راسخ حول تقييم مخاطر الإصابة بأمراض وراثية ورغبة الآباء في اختيار "طفل مثالي". لذلك، بينما يشق العلم طريقه إلى النشرات الطبية الرائدة بعد مراجعة علماء آخرين، فإنه يسفر عن نقاشات حماسية أكثر ترد عادةً في صحف مثل "فيرتيليتي أند سترتيليتي" (Fertility and Sterility).
يرى من يؤمنون به أن تقييم مخاطر الأمراض الوراثية يجب أن يكون متاحاً ومطروحاً بوضوح للجميع، فيما قال نقاده إنه منحدر زلق نحو الأجنّة المعدلة وراثياً. كما أوضح المشككون أن كلا المعسكرين يبالغ حيال مدى معرفتنا حقاً بما يمكن أن يظهره الاختبار، ويؤكدون أن الإعداد الوراثي لا يؤدي إلى نتائج محققة. يمكن أن يخبرك اختيار جنينك الأصح بكثير من الأمور عن تأثير المورثات في حياة الطفل.
حذرت مجلة "نيتشر" المرموقة هذا الربيع من أن "الارتفاع المقلق" لفحص مورثات الأجنّة جاء "قبل الفهم الكامل للفوائد أو المخاطر المحتملة". كما خلصت دراسة نشرها شاي كارمي، عالِم الوراثة الإحصائية بالجامعة العبرية في القدس، الخريف الماضي في المجلة الطبية الحيوية "إي لايف" (eLife) أن اختيار جنين لديه أدنى درجة لمرض الفصام الوراثي قد يقلل من مخاطر إصابة الطفل بالمرض مستقبلاً بنحو 50%، لكنه أبدى عديداً من التحفظات المهمة.
قال كارمي: "ثمة أدلة متراكمة على إمكانية خفض المخاطر، وهي تستند إلى النمذجة والمحاكاة وبعض البيانات الحقيقية المستمدة من العائلات، لكنّ هناك قيوداً خطيرة ومشكلات عملية". قد لا يكون التقييم دقيقاً كما يُعتقد لأسباب عديدة، فالأمراض المعقدة معقدة، وقد يكون انخفاض المخاطر في الواقع أقل مما توحي به النمذجة، خصوصاً إذا كان لدى الآباء بضعة أجنة ليختاروا بينها.
تأثير ضئيل
أوضح كارمي أن هذه النتيجة المتعلقة بمخاطر المرض لم تفعل شيئاً لتحدي دراسته المنشورة في مجلة "سيل" (Cell)، إذ توصل بحثه إلى أن الاختبار متعدد الجينات قد يكون تأثيره ضئيلاً على الطول (ربما 2.5 سنتميتر) أو معدل الذكاء (بضع نقاط)، لكنه يقول إن الارتباطات مع مخاطر المرض قوية. يجادل النقاد الأكثر تحفظاً بأنه يجب عدم ربط البيانات بأي وعود جدية لحين إجراء دراسات أكثر حسماً على مدى عقود.
أوضحت شركة "جينوميك بريديكشن" أن فحوصها الجينية تعتمد ببساطة على طرق ثابتة. بينما تتبع الشركة نتائج المرضى لإجراء دراسة رسمية، فإن التقنية الأساسية مقبولة على نطاق واسع ولا جدال في بيانات المورثات الجماعية.
قال ناثان تريف، كبير المسؤولين العلميين بالشركة: "إنه مجرد حمض نووي... ليس علينا انتظار تحول الأجنة إلى أشخاص بالغين، لأننا نملك معلومات عن البالغين كتلك التي نحصل عليها من الجنين".
إن لم يتمكن المجتمع العلمي من الإجماع حول هذه الأمور، فهل يستطيع الآباء الذين لا يريدون سوى الأفضل لأطفالهم التمييز بين حدود تقييمات مخاطر الإصابة بالأمراض الوراثية عن الوعود الوردية؟ لنأمل ذلك لأن الشيء الأهم بخصوص النتائج، والذي لا جدال فيه، هو أن مخاطر الأمراض الوراثية موجودة بالفعل.
تبدو العملية الأولية لفحص المورثات للأجنة قابلة للمقارنة بشكل كبير مع اختبارات الجين الواحد التي وُجدت منذ فترة أطول. تُسحب الخلايا في المقام الأول من جنين يبلغ بضعة أيام ثم يُعالَج الحمض النووي، وبعدها يحلل البرنامج الحصري العينة اعتماداً على بيانات مئات آلاف الأشخاص من مشاريع الحمض النووي، مثل "بيوبنك" (Biobank) في بريطانيا، لترجمة تباين المورثات وصولاً إلى احتمالات الإصابة بأمراض.
رياضيات وفيزياء
استخدمت "جينوميك بريديكشن" منذ تأسيسها في 2017 طرقاً رياضية متأصلة في الفيزياء لاستخلاص المعلومات حتى من كميات ضئيلة من الحمض النووي للجنين.
قال رئيسها التنفيذي تيلير: "ثبت أن هذه الطرق البارعة ناجعة فعلاً عبر النظر إلى عشرات آلاف الأشقاء والشقيقات التوائم في العالم الحقيقي، كما أنها أثبتت قدرتها على التنبؤ بدقة بأي جنين مصاب بالفصام أو السرطان رغم نشأتهم في نفس البيئة الأسرية". إحدى النتائج المذهلة التي توصلت إليها الشركة حتى الآن هي أن المورثات المرغوبة المتعلقة بالصحة غالباً ما تبدو وكأنها تتجمع في جنين واحد، فيما تتجمع مخاطر الإصابة بالمرض في جنين آخر.
قال تيلير، وهو رئيس سابق لقسم المعلوماتية الحيوية لدى شركة المورثات الرائدة بالصين "بي جي آي" (BGI): "إنه أمر قاسٍ جداً... البعض يولد للتو وحظوظهم توضح أن فرصهم في النجاة ضعيفة بعدة طرق، وآخرون يولدون ولديهم كثيراً من الحظ. كل ما يمكننا فعله هو المساعدة بخلق تلك الاحتمالات".
كانت مشرفة المختبر هيذر غارنسي في يوم قريب تستكمل التفاصيل الأخيرة لـ"وصفة" علمية استغرقت أربعة أيام لاستخراج المعلومات الجينية القابلة للاستخدام من خلايا الأجنة في مقر الشركة الرئيسي الباهر بشمال برونزويك في نيوجيرسي. قالت إنّ عملياتها تكبّر الحمض النووي لآلاف أضعاف حجمه ثم تفتته لقِطَع أصغر لتتمكن من تهجينه على شريحة زجاجية كي يقرأ الليزر البقع المشعة على الشرائح ويحولها إلى رموز وراثية محددة تظهرها العينة في وضعياتها.
تتقاضى شركة "جينوميك بريديكشن" 1000 دولار مقدماً، إضافة إلى 400 دولار لكل جنين تحلّل مورثاته. عندما يحصل الآباء على نتائج أجنتهم، يتحدث إليهم أحد مستشاري المورثات في الشركة عمّا تعنيه. تبدأ المستشارة الرئيسية جينيفر إكليس وفريقها بالتحدث تفصيلاً عن نتائج الصحة العامة، وقد يتناولون أيضاً مخاطر محددة مرتبطة بتاريخ العائلة المرضي.
قالت إنّ المتبنّين الأوائل الذين يقصدونهم غالباً ما يكونون أقل قلقاً بشأن مرض معيَّن، وأكثر اهتماماً بشأن جمع الحد الأقصى من البيانات. تسمي هذا الإطار الذهني اسم "الانجراف مع المورثات".
ينطبق هذا بالتأكيد على كولينز وزوجها، فهما مؤلفان تروّج منظمتهما التعليمية غير الربحية "معهد كولينز للشباب الموهوبين" (Collins Institute for Gifted Youth) لبرامج تعليمية فردية لأطفال المدارس المنزلية والمدارس الداخلية، ويعيشان خارج فالي فورج ببنسلفانيا مع ولديهما ويريدان عائلة كبيرة.
كانا قد أنفقا 20 ألف دولار على خمس جولات من التلقيح الصناعي حين علما بوجود تقييم للأمراض الوراثية. قال كولينز: "لقد أجرينا جولة تلقيح صناعي جديدة بعد خمس جولات فقط بغرض هذه الاختبارات... هذا يبين رغبتنا الشديدة في هذه البيانات". لقد ادخرا لأشهر من أجل تلك العلاجات وزراعة أجنة عديدة، وطلبا من "جينوميك بريديكشن" تحليل عشرات منها.
إضافة إلى تصنيف الصحة العامة، حصل كل جنين على درجة محددة لتقييم مخاطر الإصابة بكلا نوعي مرض السكري والسرطانات المختلفة، وأربع حالات مرتبطة بالقلب والفصام. أخبرتهما "جينوميك بريديكشن" أن أحد أجنتهما تزداد فرص إصابته بالفصام بنسبة 1.61%، مقارنة بخطر 1% بين عامة الناس، بينما تبلغ مخاطر إصابة جنين آخر 0.29% فقط.
رعاية أبوية
قالت كولينز إن هذه البيانات مفيدة، ليس لعملية الاختيار فقط، بل إنها تُعَدّ أيضاً نهجاً غير مألوف في الرعاية الأبوية. بيّنت ذلك بقولها: "حين تقول لابنك لا تدخن يكون الأمر أكثر فاعلية حين تبلغه بأنه شخصياً أكثر عرضة للإصابة بالفصام من عامة الناس... يتعلق الأمر بمساعدة الأطفال على فهم ما ينبغي الحذر حياله".
مع ذلك، لم تكن هذه النقطة التي تريد كولينز وزوجها التوقف عندها، فهي تقول: "الأمر الأهم بالنسبة إلينا هو الصحة العقلية والأداء، فنحن لدينا ثقة أكبر بأمور مثل التشخيص المبكر للسرطان وعلاجه حتى بشكل أكثر من القدرة على معالجة أمور مثل ضباب الدماغ والاكتئاب".
لا توفر شركة "جينوميك بريديكشن" نتائج حول الوظائف الإدراكية أو الطول، فقد تخلت عن تلك الفكرة بعد تطلعها الأساسي إلى توفير نتائج حول ما إذا كان يحتمل أن يكون الجنين من ذوي الإعاقة الذهنية أو ضمن أدنى 1% من الناس طولاً. لذلك أخذت عائلة كولينز البيانات الأولية للأجنة من "جينوميك بريديكشن" ونقلتها إلى موقع "سيلف ديكود" (SelfDecode)، وهي شركة مقرها فلوريدا تحلل الحمض النووي للبالغين، ودفعا 199 دولار للاستفادة من خدماتها لمدة شهر. لقد منحهما تحليل "سيلف ديكود" لكل أجنتهما تقييمات للصفات الأقل واقعية، مثل القدرة المفترضة للسيطرة على الإجهاد، فقد أنشأت الشركة جدول بيانات يضم تقييمات كل جنين وترجيحاً وفقاً لسمات الصحة العقلية المرغوبة.
كان عديد من الاختلافات بسيطاً لكن ثمة استثناءات. حسب تحليل "سيلف ديكود"، الذي صنف أحد الأجنة على أنه معرض بنسبة 91% لخطر الإصابة بتراجع الحالة المزاجية المزمن، مقارنة مع 21% لجنين آخر.
قالت كولينز إن الفحوصات جعلت القرار أسهل بكثير لأن اختيارهما الأفضل في تقييم الصحة العقلية من "سيلف ديكود" كان أيضاً جنيناً حصل على أفضل نتائج الصحة العامة من "جينوميك بريديكشن". أوضحت أنها وزوجها لم يسعيا للاختيار بين اضطراب نقص الانتباه أو فرط النشاط أو التوحد، لأن الحالات قد ترتبط ببعض المزايا مثل الذكاء الأولي.
أضافت كولينز، التي شُخصت إصابتها بالتوحد مثل أحد أبنائها: "نحن أسرة غير نمطية من حيث الأعصاب... نشعر أن العالم كما هو موجود الآن أكثر تكيفاً مع المصابين بالتوحد في بعض الحالات".
قال الرئيس التنفيذي تيلير إن "جينوميك بريديكشن" لا تشجع الآباء على التطلع إلى توقعات بشأن السمات غير الطبية، لكن يحق لكل عميل الوصول إلى بيانات مورثات أجنتهم الأولية، كما أنه لن يقلل القيمة المحتملة للارتباطات الأخرى. بيّن قائلاً: "المورثات هي المورثات... أي إنه يمكن إجراء أي تحليل تقريباً،" وهذا يتضمن تحليلات تثير معضلات أكثر تعقيداً. تشير الدراسات مثلاً إلى أن احتمالات الإبداع الأعلى ترتبط بارتفاع احتمالات الإصابة بالاضطراب ثنائي القطب.
صندوق باندورا
قالت كبيرة المستشارين إكليس إن "خفض مخاطر شيء واحد قد يقلل أيضاً من مخاطر الأشياء الجيدة التي تأتي معه... ثمة صندوق باندورا كامل لم نفتحه بعد".
لن يواجه نظام تقييم مخاطر الإصابة بالأمراض الوراثية على الأرجح رد فعل قانونياً كبيراً في الولايات المتحدة، إذ يمكن وصف هيئة تنظيم علاجات الخصوبة بالتساهل.
قالت ميشيل ماير، الباحثة القانونية وخبيرة الأخلاقيات الحيوية لدى "غيسينغر هيلث سيستم" (Geisinger Health System) في بنسلفانيا، إن هذا يترك الآباء عرضة لشركات تبالغ بالوعود. مضت إلى القول: "على الأقل، تريد أن يدرك الناس ما هم مقدمون عليه".
يجادل منتقدو فحص المورثات المتعددة لدى الأجنة بأن الأمر قد يزيد الضغط والارتباك غير الضروريين مع صعوبة التلقيح الصناعي، ما يدفع الآباء إلى التخلص من الأجنة دون داعٍ.
وصفت الجمعية الأوروبية لعلم الوراثة البشرية غير الربحية هذا الربيع تقييم مخاطر الإصابة بالأمراض الوراثية بأنه "سابق لأوانه في أحسن الأحوال"، مشيرة إلى أن البيئة قد تؤثر بشكل كبير في المورثات. قالت إن هناك حاجة إلى مزيد من البحث لفهم كيف يمكن أن تكون تقييمات مخاطر الأمراض الوراثية مفيدة علاجياً بما يشمل البالغين.
كتبت المجموعة: "سيكون ضرورياً إجراء نقاش مجتمعي قبل أي تطبيق محتمل لهذه التقنية، ويجب أن تركز على ما يمكن اعتباره مقبولاً عند اختيار السمات الفردية بشكل خاص". أي إن أيّاً من الكُتاب لم يكن متأكداً من دقة النتائج لكنهم كانوا قلقين بشأن اختيار نمط تحسين النسل، وهو أحد الشواغل التي أشارت إليها مجلة "نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين" أيضاً في دعوتها الصيف الماضي لإجراء "نقاش عاجل على مستوى المجتمع" حول هذا الأمر.
نقاش أوسع
قال تريف، كبير المسؤولين العلميين في "جينوميك بريديكشن"، إنه يتفق مع خوض نقاش أوسع نطاقاً، فالأمر "يتطلب هذه النقاشات الكبيرة لأن هناك كثيراً من العمل الذي ينبغي إكماله".
قال تريف وعالِم الأخلاقيات بجامعة أكسفورد جوليان سافوليسكو في عدد مايو من مجلة "فيرتيليتي أند سترتيليتي" إن عدم توفير تلك التقييمات للجميع سيكون جريمة حقيقية، لأن انخفاض فرص الإصابة بالمرض يعني حياة أفضل لطفل في المستقبل. كتب الثنائي: "الدرس المستفاد من برنامج تحسين النسل النازي هو أن الأزواج، لا الدولة، هم من يجب أن يتخذوا قراراتهم حول الإنجاب".
لقد ضاعفت "جينوميك بريديكشن" تمويل مشروعها لنحو 25 مليون دولار في ديسمبر، إذ تعتزم استخدام تلك الأموال لتوسع نطاقها وزيادة فريقها القائم على الاختبارات.
بدأت عيادة "بوسطن آي في إف" (Boston IVF)، وهي إحدى كبرى شبكات الخصوبة بالولايات المتحدة، أخيراً بطرح اختبارات "جينوميك بريديكشن" للأمراض الوراثية لمرضاها، حسب رئيسها التنفيذي ديفيد ستيرن، الذي قال: "مثل أي شيء آخر، لديك متبنّون أوائل... لدينا مرضى عملوا في مجال التقنية الحيوية أو من أوساط هارفرد، وقد جاءوا ليطلبوا ذلك". يُتوقع أن فحص الأجنة متعددة الجينات سيأتي على غرار تجميد البويضات، فسينمو ببطء لكن بثبات في البداية، وسيعكس الطلب في النهاية الرغبة القوية في خفض احتمالات إصابة الطفل بالأمراض.
لا غرابة في أن الإمكانات التقنية فاقمت عدم المساواة، إذ يرى ستيرن فجوات بين ولاية مثل ماساتشوستس حيث غالباً ما يغطي التأمين علاجات الخصوبة، وولاية كاليفورنيا حيث لا ينطبق ذلك في كثير من الأحيان. قال: "هذا ليس عدلاً، والشيء نفسه ينطبق على أمر مثل مساهمة الإمكانات التقنية بإتاحة الفرصة للأشخاص القادرين على تحمّل تكاليفها إنجاب أطفال خالين من هذا المرض، لكن غير القادرين مادياً لا يمكنهم ذلك". كما قد يكون التحليل غير موثوق لغير البيض لأن بيانات المورثات المجمعة حتى الآن تمثل بشكل كبير الأشخاص المتحدرين من أصول أوروبية.
يؤيد المؤمنون بالأمر مثل كولينز وزوجها الإعانات الحكومية لعمليات التخصيب والأبوة، لكنهم لا يعيرون النقاش حول التأني بالاً. قالت كولينز: "الأمر يتعلق بأشخاص مهتمّين بمنح أطفالهم جميع الفرص... لا أعتقد أن القانون أو الأعراف الاجتماعية ستمنع الآباء من منح أطفالهم أي مزايا".