المشرّعون الديمقراطيون يبذلون جهدهم لترويج "بلوكتشين" بوصفها قوة ستغير العالم

العملات المشفرة تبحث عن هيئة ناظمة لينة العريكة

سام بانكمان فريد المؤسس والرئيس التنفيذي لبورصة العملات المشفرة "إف تي إكس" - المصدر: بلومبرغ
سام بانكمان فريد المؤسس والرئيس التنفيذي لبورصة العملات المشفرة "إف تي إكس" - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

بقلم: Max Chafkin

جذب سام بانكمان-فرايد، الرئيس التنفيذي لبورصة العملات المشفرة "إف تي إكس"، الأنظار مؤخراً لضخامة ثروته ولأفكاره العظيمة حول إنقاذنا بواسطة أمواله، ولرثاثة ملبسه ومظهره، فهو يقود سيارة "كورولا" ويشارك آخرين السكن، ولو أن ذلك في منتجع بأحد الملاذات الضريبية بسعر 3000 دولار في الليلة.

ينتمي بانكمان-فرايد إلى فئة تسمى "الغيريين الفعّالين"، أي الأشخاص الذين يجمعون أكبر قدر ممكن من الثروة ثمّ يتخلّون عن مكتسباتهم بطريقة علمية. هو أيضاً أحد كبار المتبرعين السياسيين، إذ يصعب أن تكون فاحش الثراء دون أن يكون لك ثقل سياسي. أشار بانكمان-فرايد، في مقابلة عبر مدونة صوتية قُدمت في سياق حديث عن الأعمال الخيرية، إلى احتمال أن يتبرع بما يتراوح بين 100 مليون دولار ومليار دولار في الانتخابات الرئاسية المقبلة. إذا تبرّع بمليار دولار فسيصبح أكبر متبرع في تاريخ الانتخابات الأميركية متخطياً سابقه بنحو خمسة أضعاف، وسيقدم بذلك دعماً هائلاً للديمقراطيين ليحتفظوا بالرئاسة ومقاعدهم في الكونغرس. كان بانكمان-فرايد قد تبرع بشكل أساسي للسياسيين ولجان العمل السياسي المنتمين إلى اليسار. كما يساعد ذلك في ضمان عدم خوض الهيئات الناظمة الأميركية لمواجهة مع قطاعٍ يقول حُماة حقوق المستهلكين إنه يروّج لِطيفٍ من منتجات خطرة ومضللة.

لدى بانكمان-فرايد، وفق سمعته، عديد من الأفكار طيبة الأصداء حول إنقاذ البشرية، وقد أنفق ببذخ على مبادرات لا علاقة لها بالأعمال الخيرية، مثل تغيير اسم ملعب فريق "ميامي هيت". لكن لديه أيضاً مجموعة أهداف سياسية غامضة، قد يستحق أحدها تدقيقاً إضافياً، فهو يرى أهمية بالغة في أن تكون لجنة تداول السلع الآجلة هي الهيئة الناظمة لقطاع نشاط شركته، التي تقدم منصة يتداول عليها المستثمرون والمضاربون في "بتكوين" والسلع المستقبلية ذات الرافعة المالية وغيرها من الرموز الرقمية الغامضة. يشاركه هذا الرأي عدد كبير من الفاعلين في عالم العملات المشفرة، الذين باتوا يرون أن لجنة تداول السلع الآجلة هي القناة المفضلة التي ستتيح للقطاع تقديم طيف أوسع (وأكثر مخاطرة) من المنتجات في الولايات المتحدة، بينها مشتقات العملات المشفرة.

يسعون للتنظيم

قد يبدو غريباً أن يطالب أحد أنجح رواد العملات المشفرة، وهو قطاع معروف بمداناته حدود القانون، بالخضوع لتنظيم حكوميّ. قد يعزى ذلك إلى أمرين: أولهما أن بانكمان-فرايد وغيره من ناشطي القطاع لا يخشون الخضوع للتنظيم بقدر ما تقلقهم هوية الهيئة الناظمة، ويرغبون في ألّا يقعوا في مرمى نيران رئيس لجنة الأوراق المالية والبورصة غاري غنسلير. ثانيهما أن بانكمان-فرايد ونظراءه يتجهون نحو الخيار الأليَن بين وكالتَين بتفضيلهم للجنة تداول السلع الآجلة على لجنة الأوراق المالية والبورصة.

لفهم الأسباب الكامنة وراء ذلك، تجدر الإشارة إلى موضوع تناولته "بلومبرغ بزنيسويك" حول مستثمرَين ماليَّين عازمَين، تمكّنا بفضل مساعدة بعض المحامين البارعين والرأسماليين المغامرين ذوي التمويل الجيد، من التغلب على مخاوف المسؤولين في لجنة تداول السلع الآجلة.

ملخّص القصة أن شركتهما "كالشي" (Kalshi) تطرح "عقود أحداث" تتيح للمستثمرين المراهنة على نتائج أحداث وفعاليات متنوعة، مثل جوائز الأوسكار أو احتمال هطول أمطار في سياتل أو توقيت الموجة التالية من وباء كورونا على سبيل المثال. بينما تُعَدّ مثل هذه الأسواق شائعة في بريطانيا ودول أخرى، فإنها لم تكُن شرعية عموماً في الولايات المتحدة، إذ تعتبرها الهيئات الناظمة خطرة.

تُسيِّر نفسها

قال ليام فون وبنجيمين باين في مقالهما إنّ تطبيق "كالشي" خضع لتدقيق مكتب تابع للجنة تداول السلع الآجلة، يُعرف باسم "قسم الإشراف على السوق". راودت المسؤولين في اللجنة شكوك حيال التطبيق، لكن في نهاية المطاف لم يتخذوا خطوات ضده. قال فون وباين: "لم يكن دور قسم الإشراف على السوق أن ينظر إلى الصورة الأشمل... كان ينبغي أن تقتصر المراجعة على التحقق من استيفاء (كالشي) للشروط الواردة في قائمة من 23 مبدأً أساسياً لسوق عقود محدد، بما يشمل الحفاظ على سجلات جيدة وامتلاك الموارد المالية اللازمة وبعض أمور أخرى". لقد عُهد إلى خمسة مفوضين معينين سياسياً ويميلون إلى فكر ترك الأسواق تُسيِّر نفسها اتخاذ قرار نهائي بالموافقة أو الرفض.

حين بدأت "كالشي" تبلغ الهيئات الناظمة بالعقود التي تنوي طرحها، حاول مسؤولون في لجنة تداول السلع الآجلة الاعتراض، لكنهم لا يملكون صلاحية رفض عقد، إلا إذا أيّدتهم غالبية المفوضين المعينين سياسياً. كما أن الوكالة، التي تضمّ 700 موظف فقط مقارنة مع 4500 موظف لدى لجنة الأوراق المالية والبورصة، لم تعتَد مراجعة الكمّ الكبير من العقود التي تقدمها "كالشي"، ما اضطر المسؤولين إلى الاستسلام للواقع في نهاية المطاف. قالت مصادر فون وباين إنهم "تقبلوا الهزيمة وتوقفوا عن المقاومة في ظلّ الانقسام وإحباط الروح المعنوية وتخطي قراراتهم"، فتغلّب الابتكار أو شيء من هذا القبيل على حذر الهيئات الناظمة.

دعم سياسي

قد تجد تلك القصة إما ملهمة وإما جدّ محبطة، وذلك حسب وجهة نظرك أو اعتباراتك السياسية، لكن يسهل إدراك ما يدفع "إف تي إكس" وغيرها من اللاعبين للبحث عن هيئات ناظمة، وكيف ستنجح على الأرجح بفضل تمويل بانكمان-فرايد بجعل التنظيم يتماشى مع مصالح المؤثرين من القطاع. حتى مع انهيار بعض أسواق العملات المشفرة في الأسابيع الماضية، وانتشار حكايات عن مستثمرين سذج انقادوا إلى مشاريع يفترض أنها آمنة لكنها ما لبث أن تدهورت، فإنّ المشرّعين الديمقراطيين يبذلون جهدهم لترويج بلوكتشين بوصفها قوة ستغير العالم، وللانضمام إلى الجمهوريين في دعم القطاع. في غضون ذلك، عمد بانكمان-فرايد إلى تعيين موظفين سابقين في لجنة تداول السلع الآجلة في شركته، بينهم رئيس اللجنة السابق بالوكالة.

شاركت عضوة مجلس الشيوخ عن نيويورك، التي سبق أن ترشحت للرئاسة عن الديمقراطيين، كريستين غيليبراند، إلى جانب عضوة مجلس الشيوخ الجمهورية سينثيا لوميس من وايومينغ، التي تدعم العملات المشفرة، في قمة "دي سي بلوكتشين" في 24 مايو للحديث عن مشروع قانونهما الجديد الذي سيوسع صلاحيات لجنة تداول السلع الآجلة في مجال العملات المشفرة، إذ وعدت غيليبراند بأن "هذا القطاع سيمكّن من النمو والازدهار". كما قدم النائب الديمقراطي عن كاليفورنيا رو كانّا، ممثل وادي السليكون، مشروع قانون آخر يهدف إلى تعزيز دور لجنة تداول السلع الآجلة على حساب لجنة الأوراق المالية والبورصة. يؤيد كانّا الليبرالي النقابات والضمان الصحي الشامل وإلغاء ديون الطلاب، ويُعَدّ أحد أشد حلفاء قطاع العملات المشفرة التزاماً. كان قد قال في مقابلة مع قناة "سي إن بي سي" في 13 مايو إن القطاع "وُجد ليستمر".

رغم أنه كان قد أدان انهيار عملة "تيرا"، التي كانت تسمى العملة المستقرة بعد أن وعدت بربط قيمتها بالدولار، فإنه شدد على أنه يجب على الجهات الناظمة عدم السعي للإفراط بلجم القطاع، وقال: "هذه التقنية قادرة على تحقيق لامركزية وتوفير التكاليف التي تؤول إلى الوسطاء".

لا يعني أي من ذلك أن "إف تي إكس" أو غيرها من اللاعبين في مجال العملات المشفرة قادرون على الاستقواء على الهيئات الناظمة، إذ أكّد مسؤولون في لجنة تداول السلع الآجلة أنهم لن يدعوا القطاع ينزلق. قال رئيس اللجنة روستين بيهمان في مقابلة مع "بلومبرغ" في بداية مايو: "أنا أضاهي الآخرين في المدينة صلابة". من جهة أخرى، يسهل أن نرى كيف يمكن للتبرعات المحتملة من إحدى لجان العمل السياسي التي يدعمها بانكمان-فرايد، مصحوبة بالرغبة الصادقة لدى المشرّعين بعدم الوقوف في طريق الابتكار، أن يصعّب عمل المسؤولين ذوي النيات الحسنة في الهيئات الناظمة.

أعاد المطوّرون الذي يقفون خلف "تيرا" إطلاق العملة بدعم من "إف تي إكس" وغيرها من منصات التداول الكبرى، فلا يبدو أن أحداً يرى حاجة إلى كبح جماح هذه الموجة.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك