عطّل سبب بسيط صادرات ويليام كاو لدى إغلاق شنغهاي، فلم يكن الختم الرسمي، الذي تمهر به الشركات الصينية مستنداتها القانونية، بمتناول يده.
كان كاو يحتفظ بالختم في مقر الشركة التي يرأسها "غراسيل بيوتكنولوجيز" (Gracell Biotechnologies) في شنغهاي، وهي منتجة صينية للأدوية ومدرجة في بورصة ناسداك ويدعمها مستثمرون أجانب منهم "إيلي ليلي آند كو" (Eli Lilly & Co) وشركة الاستثمار الحكومية السنغافورية "تيماسيك هولدينغز" (Temasek Holdings). لكن عندما دخلت عاصمة المال الصينية التي يقطنها 25 مليون إنسان في سبات عميق لدرء تفشي متحول "أوميكرون"، أُلزم الناس بالبقاء في منازلهم ولم يُسمح لمديري "غراسيل" التنفيذيين الذهاب إلى مكاتبها.
لم تكن منشأة "غراسيل" في مدينة سوجو قرب شنغهاي خاضعة لأمر الإغلاق وكان بإمكانها الاستمرار بالعمل. لكن الشركة لن تتمكن من تصدير مكونات معقدة مخصصة لعلاجات السرطان تصنعها جهة تصنيع متعاقدة في الولايات المتحدة بغياب هذا الختم.
قال كاو: "هذا ختمي لكنه كان في المكتب الذي أُغلق... أردنا أن ندخل المبنى لكننا مُنعنا لأسباب واضحة".
إحصاء الأضرار
أدى الإغلاق أيضاً لتعقيد التجربة السريرية لعقار الورم النقوي لمرضى السرطان في المراحل المتأخرة، فأعاق الطاقم الطبي عن مراقبة بعض المشاركين في هذه التجارب. قال كاو، إن ذلك قد يخاطر بجودة حزمة البيانات.
بيّن في مكالمة مع أحد المحللين في 16 مايو أن الإغلاق "قد يؤثر مؤقتاً على أعمالنا... أهداف التطوير الطبي للشركة وجداولها الزمنية لبقية العام لم تتغير".
بدأت شنغهاي برفع قيود الإغلاق في نهاية مايو، لتؤذن ببدء ساعة الحساب لدى آلاف الشركات الصغيرة والمتوسطة مثل "غراسيل". فهي تستطيع الآن احتساب حجم الأضرار الناجمة عن تقييد حركة عملياتها وتطلعاتها على مدى تسعة أسابيع، فيما يلوح في الأفق خطر مزيد من الإغلاقات حتى بعد أن يتاح لها الحصول على الختم.
يُلقي التزام الصين الثابت باستراتيجية "صفر كوفيد" بثقله على توقعات النمو الاقتصادي وسلاسل التوريد العالمية، وتعاني شركات بدءاً من "تسلا" وحتى "سوني غروب" التي تُصنِّع في شنغهاي في ظل تداعيات الإغلاق المشدد، الذي يهدف إلى القضاء على انتشار فيروس كورونا.
قالت أليسيا غارسيا هيريرو، كبيرة خبراء الاقتصاد لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في شركة "ناتيكسيز" (Natixis): "رُفعت قيود الإغلاق جزئياً فقط لزيادة الاستهلاك وإنقاذ مراكز التسوق". أضافت أنه يمكن لمعظم سكان شنغهاي الآن الخروج من المنزل، لكن الحكومة ما تزال تُقيد التنقل إلى أماكن عمل عديد من الشركات، وتُقيد السفر، وتُجبر الناس على إجراء فحوصات "PCR" تكراراً. صرحت غارسيا هيريرو، التي تتوقع نمو الناتج المحلي الإجمالي 3.5% فقط انخفاضاً من 8.1% العام الماضي: "لا بد أن يظل النمو بطيئاً إلى حدّ ما لبقية العام".
شركات حيوية
تقع شركات التقنية الحيوية مثل شركة "غراسيل" على رأس جهود الصين لتحقيق حضور أكبر في صناعة الأدوية العالمية التي تخلفت عنها البلاد في العقود السابقة. قال بروس بانغ، رئيس قسم أبحاث الاقتصاد الكلي والاستراتيجية في شركة "تشاينا رينيسانس سيكيوريتيز هونغ كونغ" (China Renaissance Securities Hong Kong)، إن هذه الشركات الصغيرة والمتوسطة في مجموعة متنوعة من الصناعات مُعرضة بشكل خاص للإغلاق المتكرر وغير المتكرر في جميع أنحاء البلاد. أضاف أن الشركات الصغيرة "تشبه شعيرات دموية تغذي اقتصاد الصين، لكن أصواتها لا تُسمع في كثير من الأحيان".
حاولت شركة "غراسيل"، مثل عديد من الشركات الأخرى في شنغهاي، الحفاظ على استمرار بعض عملياتها عبر إنشاء "حلقات مغلقة"، حيث يعيش بعض الموظفين في مكان العمل ويُفحصون بانتظام مع قليل من الاتصال الخارجي. كان لدى الشركة حوالي 10 علماء ضمن "حلقة مغلقة" في مختبرها في شنغهاي، حيث يمكنهم على الأقل الاستمرار برعاية مشاريع الخلايا الخاصة بالشركة، وهي أساس العلاجات المنقذة للحياة. كانوا ينامون في أكياس نوم فوق مراتب على الأرض. لحسن الحظ كان هناك مكان للاستحمام في المبنى، حتى أن الشركة أرسلت مدبرة منزل لخدمتهم، فيما يهتمون بأبحاثهم على الخلايا. قال كاو: "الأمر يشبه تربية طفل صغير. إن توقفت حتى ليومين، ستموت هذه الخلايا الثمينة، أو ستغير خصائصها، ولن تكون البيانات دقيقة".
استعداد مسبق
عانت عديد من الشركات في شنغهاي والمناطق حولها من اختناق في الإمداد ونقص المواد، وهي مشكلات ما تزال تعاني منها بعض الشركات حتى مع تخفيف قيود الإغلاق. استعدت "غراسيل" مسبقاً عبر بناء مخزون من الإمدادات لضمان استمرار التصنيع في مصنعها القريب من مدينة سوجو.
لكن بقيت مشكلة التصدير بلا حل. فكّر كاو وفريقه بتزويد حارس أمن كان قد سُمح له بالتواجد في مكتب "غراسيل" أثناء الإغلاق بالرقم السري للخزنة التي يوجد فيها الختم. رغم أن هذا قد يعني أن الحارس ستتاح له مواد حساسة أخرى، إلا أن المديرين التنفيذيين للشركة اعتقدوا أنهم يستطيعون تخفيف المخاطر عبر متابعة الأمر عبر بث فيديو مباشر. لكن شابت خطتهم عقبة واحدة لا حل لها، وهي أن القيود على التنقل تمنع أي مسؤول تنفيذي من بلوغ المكتب لاستلام الختم من الحارس.
لقد انتهى أسوأ إغلاق في شنغهاي، وكان كاو يتطلع لتطبيع عمليات شركته، حيث يمكن للموظفين مغادرة منازلهم بعد إعادة تشغيل النقل العام. سمح ذلك أيضاً للشركة باستعادة ختمها وباحثيها وكذلك مدبرة المنزل الذين بقوا في"الحلقة المغلقة" في المختبر بعد أداء وصفه كاو بجهد "بطولي" لتقليل تأثير الإغلاق على علوم شركة "غراسيل". قال كاو: "يجب أن تستمر حركة البحث".