كانت كيري ميلين تقطع نحو 65 كيلومتر في أيام العمل طيلة 14 عاماً لتصل إلى استوديوهات "نيكلوديون" (Nickelodeon) بمدينة بوربانك في كاليفورنيا حيث عملت مصممة صور متحركة. كانت رحلتها تبدأ من منزلها في وادي سيمي شرقاً عبر طريق داخلي ثم تتجه إلى الطريق السريع جنوباً وبعدها بثلاثة إنعطافات تبلغ وجهتها. كانت تقود سياراتها لمدة 75 دقيقة في أفضل الأيام. قالت ميلين: "تبلغ مدة رحلتي ساعتين في أيام الازدحام... كان حنق السواقة حقيقياً وشعرت بأنني حبيسة مسار من مسارات الطريق فيما تعذبني آلام عرق النسا".
لن تجدوا مبدعاً يوصي باستهلال اليوم بالتوتر وآلام الظهر. لكن لا يُفهم أثر معاناة هذه الكيلومترات على يوم عمل ميلين كما يجب. ساعد بحث جديد من كلية "دارتموث" بالتعرف على انعكاس التنقل على الأداء. قال أندرو كامبل، الباحث الرئيسي في الدراسة وأستاذ علوم الكمبيوتر: "تنقلك يشي بحال بقية يومك".
من لندن إلي لوس أنجلوس..خطة لإنشاء مراكز للتاكسي الطائر في 65 مدينة
كان هناك 275 موظفاً في مجال المعلومات يعمل 45% منهم لدى شركات تقنية في أنحاء الولايات المتحدة يحملون أجهزة لتتبع اللياقة البدنية قبل الوباء، وقد رُصدوا على مدار الساعة لمدة عام. تنقل معظمهم، 94% منهم، بالسيارة بمتوسط رحلات تراوحت بين 40 و60 دقيقة وكانت الأجهزة تجمع بيانات تشمل دقات القلب والنوم والطقس.
أظهرت البيانات أن صباحاً صعباً من حيث التنقل كان كسقوط أول قطعة دومينو يلحق بها تتابع مزعج لبقية اليوم. قال بينو أوديا وهو باحث شارك في الدراسة وأستاذ إدارة ومنظمات في مدرسة توك للأعمال في "دارتموث": "يزيد التنقل من مستويات التوتر، خاصة إن لم يكن جيد التخطيط ومتوقع التفاصيل." كما أن للتوتر تداعيات على المزاج وعلى ميل المرء لتحية زميل التقاه في البهو أربع مرات في ذات اليوم.
أثر على الأداء
وجد الباحثون أن التنقلات التي تنطوي على نشاط بدني أكبر كالمشي أو ركوب الدراجات لا يصاحبها نفس التوتر وتُعين على أداء أفضل في العمل. قِيس الأداء من خلال تتبع عشرات السلوكيات الإنتاجية مثل مد يد العون للزملاء والتطوع للمهام والتخلي عن فترات الراحة بغية إكمال العمل، وكذلك السلوكيات المعاكسة، مثل التبكير بمغادرة العمل وإطالة فترات الراحة والبطء في العمل.
دراسة: النقل الجماعي الملتزم بيئياً يجب أن يكون أكثر إنصافاً اجتماعياً
أبلغ المشاركون بأنفسهم عن النتائج وظهر تدني مستوى أداء 110 من 275 موظفاً. لم يكن هناك استنتاج حول سبب وجود الارتباط، فقد انصب تركيز الباحثين ببساطة على قياس الأداء. كانت النتيجة الأخرى أنه بغض النظر عن كيفية تنقل العامل أن أداء من يغادرون منازلهم أو مكاتبهم في نفس الوقت كل صباح ومساء ويسلكون طريقاً لا يغيرونها أفضل ممن نوّعوا توقيت مغادرتهم والطرق التي سلكوها. يتوافق هذا مع النتائج السابقة التي وجدها فريق "دارتموث" بأن أصحاب الأداء الأعلى يلتزمون أنماطاً يومية متكررة.
شجع الباحثون على التفكير بالسكنى قرب المكتب إن أمكن ذلك مالياً أو العمل عن بعد أو من مكتب فرعي أقرب تقليلاً للتنقل.
قال كريس هيلر، كبير مسؤولي العقارات في "أو جيه أو لابس"، وهي منصة عبر الإنترنت لبيع وشراء المساكن في أوستن، أن العيش قرب المكتب "يمكن أن يكون ممتعاً ومثيراً في للعشرينيين والثلاثينيين، لكن حين تصبح أربعينياً أو خمسينياً ستعتقد أن ذلك لم يعد نوعاً مرغوباً من المتعة أوالبيئة... عادة ما يكون للشركات مكاتب في المناطق التجارية أو في وسط المدينة حيث يكون العيش فيها مُكلفاً". قال هيلر إن كان مسكن قريب من مكان العمل باهظاً فحاول البحث عن مسكن قرب خط نقل عام يقلّك مباشرة إلى مكتبك وليس منزلاً يجبرك أن تقود سيارتك الى محطة قطار لتبدل وسيلة النقل، وهو أمر يعرف ركاب قطار الأنفاق أنه سبب إزعاج رئيسي.
لا الطيران ولا السيارات.. القطارات وسيلة التنقل التي تسعى أوروبا لترويجها
شجع أوديا المتنقلين على تحليل أنماطهم والتفكير بكيفية التزام أحدها، وهذا بالطبع أمر قوله أسهل من فعله بالنسبة للموظفين المشغولين الذين يوازنون بين أدوار الرعاية وبين اضطرارهم لفعل ما يتقاضون عليه أجورهم. قال أوديا: "قابلية الاستشراف قد تؤثر على مفهومك حيال السيطرة على مجريات يومك وشعورك حياله". يُظهر كثير من الأبحاث أنه كلما زادت سيطرة العامل على ذلك كان أسعد.".
وجدت جد ميلين نفسها منزعجة ومضطربة وقالت إنها اضطرت في النهاية لاستبدال عملها لتجنب مغامرة التنقل لمسافة 65 كيلومتر، فانتقلت لتطلع علامة "إيزي هولد" (EazyHold) التجارية وتنتج عبرها مقابض متعددة الاستخدامات للأطفال وذوي الإعاقات وهي تمنع إنفلات الأدوات والأوعية. تخلت عن رحلتها اليومية وقالت: "لقد حولت حنق السواقة إلى حافزٍ قويٍّ".