تتأهب شركة "فوريفر أوشنز" (Forever Oceans) في موقع قرب بويرتو أرمويليس على ساحل بنما الغربي، حيث كان لشركة "تشيكيتا بانانا" (Chiquita Banana) تواجد كبير فيما مضى، لحصاد وتسويق نحو 1500 طن من سمك التونة أصفر الذيل، لبيعه شرحات، أو قطعاً للسوشي.
اختصت الشركة الناشئة بإنتاج المأكولات البحرية منذ ثماني سنوات، لكن مديريها التنفيذيين يمضون وقتاً كثيراً في مناقشة ابتكارات في مجال الأحواض العائمة، حيث تقضي أسماك الشركة الناشئة حياتها. يعتقد تنفيذيو "فوريفر أوشنز" أنها مساعيها للتطوير ستنجح لأنها حسّنت التقنيات الأساسية من الأحواض إلى أجهزة الاستشعار والروبوتات اللازمة لاستزراع كميات كبيرة من السمك في مياه تبعد عن الشاطئ بأكثر من مزارع الأسماك التقليدية.
كما يتزايد تعطش المستثمرين للشركات الناشئة التي لديها خطط كبرى لإنتاج الغذاء، حيث استثمر أصحاب رؤوس الأموال المغامرة أكثر من 39 مليار دولار في شركات التقنية المتعلقة بإنتاج الغذاء في 2021، أي ضعف المبالغ التي خصصوها للاستثمار في هذا القطاع خلال 2020. أعلنت شركة "بيتشبوك داتا" للأبحاث أن أكثر من نصف هذا التمويل ذهب إلى متاجر البقالة الرقمية والأسواق الإلكترونية، وهي أهداف طبيعية للمستثمرين الذين اعتادوا تقييم شركات البرمجة التي تبني تطبيقات للمستهلكين. لكن هناك أيضاً اهتمام متزايد بالإنتاج المستدام للغذاء، إذ يتوقع أن يشكل قطاع الاستزراع السمكي الذي نمى 527% بين 1990 و2018، حسب بيانات الأمم المتحدة، جزءاً أكبر من سلسلة التوريد. كانت المنظمة الدولية قد قالت في تقرير أصدرته في 2020 أن نحو 34% من الثروة السمكية تعرضت لصيد جائر، لكن البنك الدولي قال إن المعدلات تتخطى ذاك الرقم بكثير، حيث يرى أنها بلغت 90%.
مكاسب محتملة
يبدو ذلك للمستثمرين المغامرين كاستراتيجية للمشاريع المبتكرة التي يمكن أن تكون مربحة ومفيدة بيئياً على حد سواء. قال بروس ليك المؤسس المشارك وأحد الشركاء الرئيسيين في شركة "بليغراوند غلوبال" (Playground Global) لرأس المال المخاطر، والذي يرى أن تربية الأحياء المائية في أعماق المحيطات تشكل استثماراً ينطوي على مكاسب محتملة برغم عدم استثماره في "فوريفر أوشنز": "تغطي المحيطات ثلثي مساحة العالم، وذلك حيث تربي الطبيعة الأم الأسماك التي نتناولها، والتي لم يعد بإمكاننا صيدها بشكل مستدام".
لكن ثمة تساؤلات جدية مثارة حول ما إذا كانت تربية الأسماك تعتبر صناعة مستدامة بحد ذاتها، إذ يمكن أن تؤدي تربية الأحياء المائية لتفريغ النفايات والمبيدات في المياه التي تعتمد عليها الأنظمة البيئية. كما ينطوي الاستزراع السمكي على خطر إصابة السكان المحليين بقمل البحر أو الفيروسات، وإلحاق الضرر بالنظم البيئية المحلية في حال هروب الأسماك المستزرعة. لكن تربية الأحياء المائية على اليابسة تزيل بعض هذه المخاوف، لأنها معزولة أكثر عن النظم البيئية الطبيعية. قالت "فوريفر أوشنز" إن خطتها لإنشاء مرافق للاستزراع السمكي في المياه العميقة البعيدة عن الشاطئ تشكل أيضاً بديلاً أكثر استدامة لإقامة مزارع في المياه الساحلية.
تدفق التمويل
جمعت الشركة، التي تتخذ من مدينة غاينسفيل بولاية فيرجينيا مقراً لها، نحو 120 مليون دولار- وهو أحد أكبر المبالغ الإجمالية التي جمعتها شركات الاستزراع السمكي المدعومة من شركات رأس المال المخاطر- من "بيسيمر فينتشر بارتنرز" ومستثمرين آخرين. بالإضافة إلى عملياتها في بنما، حصلت "فوريفر أوشنز" على موافقة حكومية لبدء العمل قبالة سواحل البرازيل، فضلاً عن إدارتها لمنشأة أبحاث في هاواي.
أنتجت الشركة الناشئة حتى الآن نحو 110 ألف سمكة فقط، ويبدو أنها تخفف بالفعل توقعاتها لموسم الحصاد. قال رئيسها التنفيذي بيل بيين في مقابلة في أبريل إن الشركة ستجنى حصيلة لا تقل عن مليون سمكة في حصاد هذا الخريف. ثم تراجع متحدث باسم الشركة عن هذا الرقم في وقت لاحق مخفضاً توقعاتها إلى 450 ألف سمكة، وأوضح أن توقعت بيين ربما شملت تقديرات حصاد العام المقبل أيضاً.
تربي شركات استزراع الأسماك مثل "فوريفر أوشنز" صغار أسماكها في أحواض ضخمة على اليابسة ثم تنقلها إلى مزارع المياه المفتوحة لتنمو، وذلك عندما يصل وزن السمكة الواحدة إلى 2.7 كيلوغرام تقريباً في منظور هذه الشركة الناشئة. تستخدم "فوريفر أوشنز" أحواض أسطوانية يبلغ قطرها 50 متراً تقريباً مصنوعة من الشباك حتى تتدفق مياه المحيطات إلى الأحواض دون أن تسمح بهروب الأسماك. كما تُثبت أحواضها بكابل إلى قاع المحيط، فيما تضخ البوارج المتواجدة على السطح الطعام إلى الأسماك عبر الأنابيب. تبلغ تكلفة أحواض "فوريفر أوشنز"حالياً نحو 300 ألف دولار، وذلك رغم أن الشركة تقول إنها حسنت تقنيتها واتجهت إلى استخدام مواد أرخص لخفض التكاليف بأكثر من النصف مقارنةً بالطرازات السابقة من الأحواض ذاتها.
تشكيك واعتراف
يشكك المنافسون بمزاعم "فوريفر أوشنز" أن تقنيتها تمنحها ميزة تنافسية كبيرة. قال ديك جونز، الرئيس التنفيذي لشركة "بلو أوشن ماريكالتشر" (Blue Ocean Mariculture)، وهي شركة ناشئة أخرى لاستزراع الأسماك تدعمها كريستي والتون، وهي من العائلة التي أسست "ولمارت": "لا يوجد شيء ثوري بشأن ما يصنعونه".
تسمح التقنية التي طورتها "فوريفر أوشنز" لها بالعمل بعيداً عن الشاطئ أكثر من معظم المزارع السمكية الأخرى، حسب قول بيين، الذي تولى منصب الرئيس التنفيذي في الخريف الماضي بعدما أدار قسم الإضاءة الزراعية لدى شركة "سيغنيفاي" (Signify). غير أن قرار الابتعاد عن اليابسة يفرض مجموعة تحديات خاصة، حيث يستغرق فحص المشاكل لدى ظهورها المحتوم وقتاً أطول وينطوي على تكلفة أكبر.. قال بيين إن شركته كان لديها حوض ينفلت من مرساه في موقع الاختبار التابع لها قبالة هاواي، لكنها تمكنت من سحب الأسماك منه، وجمدتها لتجعلها عينات لمنتجها.
قالت "فوريفر أوشنز" إنها تعرضت لحوادث تسرب الأسماك، وهي تشكل مخاطر مالية وبيئية في آن معاً، لكنها تقول أيضاً إنها تفقد عدداً أقل من الأسماك مقارنةً بمتوسطات الصناعة، وتراقب أحواضها بالكاميرات باستمرار، كما لا تستزرع إلا الأنواع المستوطنة في المياه التي تعمل فيه. اعترف رئيسها التنفيذي بالمخاطر التي تواجهها وقال: "إننا نعمل بعيداً عن الشاطئ والساحل. إن هذا من حيث التعريف عمل خطير وليس لضعاف القلوب".