الطلب الجامح على المساكن وشح المعروض من المنازل يشكّلان ضغطاً تصاعدياً على الأسعار

حمّى سوق الإسكان تصعب على الاحتياطي الفيدرالي لجم التضخم

عمال يتفحصون منزلاً تحت البناء في ألبرتا الكندية - المصدر: بلومبرغ
عمال يتفحصون منزلاً تحت البناء في ألبرتا الكندية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يجتهد مسؤولو مجلس الاحتياطي الفيدرالي لكبح جماح أعلى معدل تضخم تشهده البلاد في عقود، حيث يعولون على رفع الفائدة على قروض التمويل العقاري لتهدئة سوق الإسكان المحمومة ولكنها قد لا تفتر بالسرعة الكافية.

فيما دفع ارتفاع الفائدة وأسعار المنازل بعض المشترين للخروج من السوق وأضعف المبيعات، إلا أن عوامل مثل الطلب الجامح على المساكن إضافة لشح المعروض من المنازل، ما تزال تشكل ضغطاً تصاعدياً على الأسعار. كما يعني ضعف إمداد السوق بوحدات إسكانية جديدة أن ارتفاع فائدة القروض العقارية قد لا يبطئ نشاط قطاع تشييد المنازل بقدر ما فعل في الماضي.

يعتمد الاحتياطي الفيدرالي، الذي يرفع أسعار الفائدة لضبط التضخم، على ارتفاع تكاليف الاقتراض على المنازل والسيارات وغيرها من الأغراض مرتفعة الأثمان لتثبيط الطلب. كما أن من شأن ارتفاع أسعار المنازل إعطاء دفعة لقطاع البناء وزيادة الإنفاق الاستهلاكي عبر زيادة شعور أصحاب المنازل بالثراء.

لقد ارتفع أوسط أسعار المنازل القائمة 15% في مارس مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق، وفقاً للرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين.

خطر الركود

قد يضطر صانعو السياسة النقدية لرفع تكاليف الاقتراض أكثر إن واصلت أسعار سوق الإسكان جموحها، ما قد يعقّد جهودهم لتخفيف وتيرة نمو السوق وتهدئة زيادات الأسعار دون دفع الاقتصاد نحو الركود.

قال مارك زاندي، كبير الاقتصاديين في مؤسسة "موديز أناليتكس": "لن يحقق مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي انخفاض النشاط الاقتصادي الذي اعتادوا تحقيقه في قطاع الإسكان، على الأقل ليس بالسرعة التي اعتادوها... قد يضطرون لاستخدام أدوات السياسة بشكل أكبر".

يُتوقّع أن يرفع رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول وزملاؤه أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس الأربعاء، وأن يشيروا إلى أنهم بصدد رفعها إلى 2.5% تقريباً بحلول نهاية العام. لكن لا يتضح ما إذا كانت تلك الإجراءات ستكفي لترويض التضخم، الذي يتجاوز ثلاثة أضعاف هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%.

قد يجعل ذلك سوق الإسكان بمثابة مؤشر لتحديد ما إذا كان البنك المركزي قد فعل ما يكفي لكبح جماح التضخم أم أنه بحاجة إلى فعل المزيد.

مؤشر نجاح؟

أشار عديد من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي إلى الزيادة في أسعار الفائدة على القروض العقارية كدليل على أن إرشاداتهم الاستشرافية بشأن توجهات أسعار الفائدة كان لها تأثير على سوق الإسكان بالفعل.

قال جون ويليامز، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، خلال مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ" في 14 أبريل: "لقد ارتفعت الفائدة على الرهن العقاري. سيساعد ذلك في خفض الطلب الزائد في هذا القطاع نسبة إلى العرض".

بلغ متوسط معدلات فائدة قروض التمويل العقاري لمدة 30 عاماً 5.1% في الأسبوع المنتهي في 28 أبريل، بزيادة بلغت نقطتين مئويتين عن بداية العام، وفقاً لمؤسسة "فريدي ماك". قدرت حاسبة الرهن العقاري الاتحادي لدى المؤسسة الزيادة في متوسط معدلات الفائدة على شخص يشتري منزلاً بقيمة 350 ألف دولار مع دفعة أولى بمقدار الخمس بنحو 325 دولار شهرياً.

تراجعت مبيعات المنازل القائمة التي تشكل نحو 90% من سوق الإسكان في الولايات المتحدة بنسبة 2.7% في مارس، محققةً بذلك أدنى مستوى لها منذ يونيو 2020، وذلك حسب الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين. يُتوقّع أن تتراجع مبيعات المنازل القائمة أكثر بينما تشق تكاليف الاقتراض المرتفعة طريقها إلى السوق.

دور الوباء

قالت إليزا وينغر، الخبيرة الاقتصادية لدى بلومبرغ، أن الطلب كان لينخفض أكثر، على نحو نموذجي، استجابةً لمثل هذا الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة لولا بعض العوامل المرتبطة بالوباء التي تُعزِّز الطلب، بما في ذلك إقبال الأشخاص الذين يعملون عن بُعد. لكن هذه المبيعات الضعيفة لا تعني بالضرورة ظروفاً أفضل بالنسبة للمشترين.

بيّن جيف تاكر، كبير الاقتصاديين لدى شركة "زيلو" (Zillow) للتسويق العقاري عبر الإنترنت: "ربما بدأت السوق تتراجع باتجاه تحقيق مزيد من التوازن، بدلاً من كونها الأكثر ميلاً لتكون سوقاً مواتية للبائعين تاريخياً... لكننا لم نخط سوى خطوتين صغيرتين في هذا الاتجاه".

تتوقف أمور مثل تحديد ما إذا كانت المنافسة بين المشترين ستهدأ، وكيفية تفاعل أسعار المساكن، على ما سيحل بالمعروض في سوق الإسكان، وهو يحوم قرب أدنى مستوياته القياسية نظراً لتحديات سلاسل التوريد وارتفاع تكاليف المواد ومحدودية العمال. كما ترددت شركات الإنشاءات في فتح آفاق جديدة بعد انفجار فقاعة الإسكان إبان الركود الأخير، ما أسهم جزئياً في بنقص المعروض الحالي.

قالت وينغر إن إغراء مزيد من الملاك لإدراج عقاراتهم للبيع عبر رفع أسعار المنازل قد يساعد بتهدئة ارتفاع الأسعار.

تعتقد داريل فيروذر، كبيرة الاقتصاديين في شركة "ريدفن" (Redfin) للوساطة العقارية، أن عديداً من أصحاب المنازل الذين تعاقدوا على معدلات منخفضة للفائدة على الرهون عقارية خلال العامين الماضيين، قد يترددون ببيع منازلهم والقبول بمعدلات أعلى لفوائد تمويل شراء منازل جديدة. أضافت فيروذر، أنه قد لا يكون هناك تأثير ملحوظ على المنافسة أو الأسعار إذا انسحب كل من البائعين والمشترين من السوق بمعدلات متشابهة.

توازن بعد عام

بدأ مخزون قطاع الإسكان بالارتفاع، حيث إن بعض المنازل تستغرق وقتاً أطول قليلاً لبيعها، فضلاً عن بناء منازل جديدة. غير أن العجز الذي يشهده القطاع كبير بحيث قد يستغرق التغلب عليه وإمالة السوق لصالح المشترين عاماً كاملاً تقريباً، وذلك بافتراض عدم وجود زيادة في الطلب، حسب تقديرات زاندي. لفت كبير الاقتصاديين في مؤسسة "موديز أناليتكس"، أن ذلك يشير إلى أن أسعار المنازل قد لا تنخفض كثيراً.

قالت ماري دالي، رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو، خلال مؤتمر اقتصادي في لاس فيجاس في 20 أبريل: "لقد تخلفنا في البناء ولم يكن الوباء عوناً في ذلك، لذا تكالبت كل العوامل على أسواق الإسكان رافعة الأسعار أكثر... سيكون دور رفع سعر الفائدة جزئياً، هو إبطاء هذا المسار".

لكن رأت فيروذر أن مجرد تخفيف الضغط الذي يرزح تحته سوق الإسكان بأي قدر من شأنه أن يشكّل انتصاراً لمجلس الاحتياطي الفيدرالي إن كان ذلك يعني تجنب فقاعة إسكان تغذيها زيادات تفوق 9% في الأسعار، وقالت: "أعتقد أنه حتى لو لم تنخفض الأسعار، فإن استقرارها سيكون انتصاراً لمجلس الاحتياطي الفيدرالي".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك