بلا شك سياسة "صفر كوفيد" تُصعّب الأمر أكثر في الصين إذ إنها تُبقي ملايين السكان حبيسي منازلهم

عدم نشر لقاح كوفيد فشل كبير لجهود الصين في التصدي للوباء

تطور"كوفيد" لن يتوقف عند "أوميكرون" - المصدر: بلومبرغ
تطور"كوفيد" لن يتوقف عند "أوميكرون" - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

أبدت حكومة الرئيس، شي جين بينغ استعدادها للخروج عن مألوفات سعيها لاحتواء فيروس كوفيد-19 بعد أسابيع من تفشيه في شنغهاي، متسبباً بإغلاق المركز المالي الصيني. فيما تُعدّ اللقاحات القائمة على تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA) أداة فعالة ضد سلالة "أوميكرون" شديدة العدوى، لم يرغب شي باعتمادها حتى الآن رغم أن من شأنها تقليل تعرض كبار السن وغيرهم من الضعفاء لأعراض حادة أو الموت، وأن تساعد البلاد على الخروج من مرحلة "صفر كوفيد".

شنغهاي تسجل وفيات يومية قياسية في موجة فيروس كورونا الأخيرة

لا يصعب تجهيز الإمدادات اللازمة لأن شركة "شنغهاي فوسون فارماسوتيكال" (Shanghai Fosun Pharmaceutical) اتفقت في مارس 2020 على شراء حصة قدرها 0.7% من "بيونتيك" وعلى تسويق لقاح الحمض النووي الريبوزي المرسال الذي طورته الشركة الألمانية شراكةً مع "فايزر" في الصين. توصلت الشركتان الى خطة لتوزيع 100 مليون جرعة في الصين قبل نهاية ذاك العام بمجرد حصولهما على موافقة الحكومة، لكن لم تمنحهما هيئة تنظيم الأدوية الموافقة بعد.

قال يورغ ووتكي، رئيس غرفة التجارة الأوروبية بالصين، الذي حثّ الحكومة الصينية في أبريل على توفير اللقاحات، إن "البيانات العالمية توضح أن الحمض النووي الريبوزي المرسال هو المعيار الذهبي.. لماذا نضيع الوقت وننتظر، لماذا؟".

ذاتية الاعتماد

يعتقد كثير من المحللين أن الانتظار يتعلق بتوصل شركة محلية للقاح خاص قائم على تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال. تبنت حكومة شي منذ بداية الوباء فكرة الاعتماد على قدراتها في مكافحة كوفيد، حيث روجت للقاحات محلية قائمة على النسخ المعطلة من الفيروس ومنعت كافة اللقاحات الأجنبية من دخول السوق. تلقى 88% تقريباً من سكان الصين البالغ عددهم 1.4 مليار جرعتين من ذاك اللقاح.

قال أليسون هيلز، كبير المستشارين في لندن لدى شركة "إراديم كونسلتنغ" (Eradigm Consulting)، التي تقدم المشورة لعملاء التقنية الحيوية والعقاقير، إن الانفتاح على اللقاحات القائمة على الحمض النووي الريبوزي المرسال المصنعة بالخارج يُربك شي وغيره من المسؤولين. بيّنت أنه "بالنسبة لهم إقرار لقاحات بيونتيك يعادل القول بأن لقاحاتنا ليست جيدة".

الصين تنتفض مجدداً لمواجهة تصاعد تفشي "كورونا"

أظهرت التجارب السريرية أن اللقاحات المعطلة، التابعة لشركتي "سينوفارم" و"سينوفاك بيوتيك" الصينيتين، أقل فعالية بوقف انتشار العدوى، رغم أن الفجوة بين الحماية من الأعراض الشديدة والوفاة أقل.

كان المتفائلون يأملون خلال العام الماضي بأن تؤدي استراتيجية العمل الفردي للصين لموافقة سريعة على لقاح الحمض النووي الريبوزي المرسال محلي الصنع، المطور بالاشتراك مع "والفاكس بيوتكنولوجي" (Walvax Biotechnology) و"سوتشو أبوجين بايوساينس" (Suzhou Abogen Bioscience) وأكاديمية العلوم الطبية العسكرية.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

خيبة أمل

كان الشركاء متفائلين، لذا استثمروا في منشأة جديدة لزيادة الإنتاج بمجرد أن أذنت بكين بذلك، وأعلنت وسائل الإعلام الحكومية أن الإنتاج سيكون بحلول أغسطس 2021. كانت نتائج التجارب المبكرة مخيبة للآمال، ولن يصل اللقاح على الأرجح إلى السوق قبل نهاية 2022، حسب "بلومبرغ إنتليجنس".

يمكن أن يكون أحد أسباب التأخير هو النهج المختلف لمجموعة "والفاكس"، فعلى عكس جرعات لقاحات "فايزر – بيونتيك" و"موديرنا"، يستهدف اللقاح الصيني جزءاً من البروتين الشوكي لفيروس كورونا يرتبط بخلايا الجسم، بحسب سام فاضلي، كبير محللي صناعة الأدوية في "بلومبرغ إنتليجنس" في لندن. بالنسبة لمطوري اللقاحات، التركيز على هذه الجزء المحدود المعروف بمجال ربط المستقبلات قد يقلل التكاليف ويسهل التصنيع، كما قد يعزز عدم اليقين بما أن هذا الجزء بالتحديد يعد نقطة محورية للطفرات في السلالات الأحدث.

تعامل الصين المتشدد مع كورونا يحوّلها إلى منطقة حظر جوي

قال فاضلي: "مشكلة (والفاكس) هي أن غالبية الطفرات التي تحتوي على سلالة أوميكرون موجودة في مجال ربط المستقبلات، لكن الخطر يكمن في أن فعالية لقاحهم قد تكون أكثر عرضة للخطر من اللقاحات الأخرى".

أقامت "والفاكس"، التي لم تستجب لطلب التعليق بشأن تصميم اللقاح القائم على الحمض النووي الريبوزي المرسال المطور بالشراكة مع "أبوجين"، شراكة مع "أر إن إيه كيور بيوفارما" (RNACure Biopharma) الناشئة للتقنية الحيوية ومقرها شنغهاي، لتطوير لقاح حمض نووي ريبوزي مرسال آخر يستهدف المتحولات الوبائية، بما فيها "أوميكرون"، يعمل على تشفير بروتين شوكي كامل يغطي الطفرات الرئيسية من السلالات الوبائية. تسعى الشركات للحصول على الموافقات اللازمة لبدء الاختبارات البشرية.

جهود الشركات

تسببت الصعوبات التي واجهتها "والفاكس" بزيادة المخاطر التي تواجهها الشركات الصينية الأخرى العاملة على إنتاج لقاحات قائمة على التقنية ذاتها. لقد أصدرت الصين تصريحاً لشركتي "كانسينو بيولوجيكس" (CanSino Biologics) و"سي إس بي سي فارماسيوتيكال" (CSPC Pharmaceutical) في أوائل أبريل لبدء تجارب المرحلة الأولى لجرعاتهما القائمة على تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال.

فيما قطعت شركات أدوية أخرى شوطاً كبيراً، فقد اختبرت "ستيميرنا ثيرابيوتيكس" (Stemirna Therapeutics) ومقرها شنغهاي لقاحاً قائماً على تقنية الحمض النووي الريبوزي المرسال في لاوس، وتخطط لإجراء اختبارات أخرى في البرازيل، وتأمل بالحصول على موافقة للاستخدام الطارئ في جنوب شرق آسيا وأمريكا الجنوبية.

مزيد من المدن الصينية تفرض قيوداً لمكافحة كورونا وارتفاع الحالات في شنغهاي

تتوقع شركة "أيه أي إم فاكسين" (AIM Vaccine) ومقرها بكين، التي تجري مرحلة ثانية من التجارب للقاح الحمض النووي الريبوزي المرسال بالصين، أن تتقدم بطلب للحصول على موافقة مشروطة بحلول نهاية العام، حسب قول المتحدث باسم الشركة لينغنا دينغ.

تُظهر البيانات المبكرة لموجة "أوميكرون" الشتوية في هونغ كونغ سبب أهمية لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال بالصين. استنتجت دراسة أولية أجراها باحثون بجامعة هونغ كونغ أواخر مارس أن جرعتين من لقاح "سينوفاك" كانتا أضعف من أداء جرعات "بيونتيك"، خاصة بين كبار السن. كانت فعالية لقاح "بيونتيك" في الوقاية من الأعراض الشديدة لدى البالغ عمرهم 80 عاماً أو أكثر 84.5% مقارنة مع 60.2% فقط لـ"سينوفاك"، فيما بلغت الفجوة بين اللقاحين في الوقاية من الوفاة 20% تقريباً، حيث بلغت فعالية "بيونتيك" 88.2% و"سينوفاك" 66.8%.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

نتاج الدراسات

لم تجد الدراسة التي مولتها حكومة الصين فجوة كبيرة بالنسبة لمن تلقوا ثلاث جرعات. لكن كانت تلك هذه المجموعة صغيرة، حيث تلقى 10% تقريباً من كبار السن جرعات معززة، كما لم تقدم فرق التلقيح الحكومية المرسلة إلى دور رعاية المسنين، وهي مواقع أسوأ حالات تفشي الوباء، إلا جرعات "سينوفاك".

توصلت دراسة أخرى أجراها باحثو هونغ كونغ، ونُشرت بمجلة " نيتشر" في يناير، إلى أن الحكومات التي تستخدم لقاحات "سينوفاك" بشكل أساسي لابد أن تفكر بالجرعات المعززة للقاح الحمض النووي الريبوزي المرسال للتصدي لتفشي سلالة "أوميكرون".

لم تُصب بعدوى كوفيد حتى الآن؟ ربما تحمل سرّ القضاء على الفيروس

نظراً للأداء القوي للقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال، فإن توفيرها كجرعات معززة من شأنه أن يساعد من تلقوا جرعتين من اللقاحات الصينية، وفقاً لرأي جيوتي سوماني، كبير مستشاري قسم الأمراض المعدية بالمستشفى الجامعي الوطني في سنغافورة، حيث وافقت الحكومة كذلك على لقاحات الفيروسات غير المفعلة من الصين إضافة لجرعات الحمض النووي الريبوزي المرسال المطورة في أماكن أخرى. كما قالت سوماني: "يبدو أنك تحصل على استجابة مناعية أكبر بكثير عندما تمزج وتوائم بينهما.. واضح أننا بحاجة إلى كليهما".

تحظى هذه الحجة بتأييد داخل الصين. شارك تشونغ نانشان، أخصائي أمراض الرئة والمستشار الحكومي المؤثر في كوفيد، في مارس برسم خارطة طريق لإعادة فتح الصين حددت تغطية أفضل للجرعات المعززة، وكذلك استعمال أنواع مختلفة من اللقاحات، باعتبارها أمراً ضرورياً.

تشجيع الشركات

قال دينغ شنغ، عميد كلية العلوم الصيدلانية بجامعة تسينغوا في مارس، إن اللقاحات الصينية الحالية لم تقِ بما يكفي ضد سلالة "أوميكرون"، وإن الحكومة بحاجة لتشجيع الشركات على تقديم لقاحات أكثر فعالية.

ووييفانغ، الرئيس التنفيذي لشركة "شنغهاي فوسون"، أبلغ الصحفيين في 23 مارس أن هيئة تنظيم الأدوية الصينية ما تزال تدرس ما إذا كانت ستوافق على لقاح "بيونتيك". سمحت سلطات البلاد في فبراير باستخدام عقار "فايزر" المضاد للفيروسات "باكسلوفيد" لتلبية الاحتياجات، لأن صُنّاع العقاقير الصينيين ليس لديهم أي مضادات فيروسات من إنتاجهم. بالمثل، قد تفقد الجهات التنظيمية الصبر في النهاية مع صُنّاع اللقاحات الصينيين فتتيح المجال أمام لقاح "بيونتيك".

عمليات الإغلاق الصينية تُعرقل نمو الطلب على النفط

قد يضطر مسؤولو الصحة الصينيون جرّاء الافتقار لأي نوع من لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال للتركيز على توزيع الجرعات المتاحة الآن بشكل أفضل واستهداف الفئات المعارضة للّقاح، خاصة كبار السن، وتحسين معدلات الجرعات المعززة. تلقى نصف السكان تقريباً جرعات المعززة، مقارنة مع نحو 30% في الولايات المتحدة.

قال كولين بوتون، الأستاذ بمعهد موناش للعلوم الصيدلانية في ملبورن: "أخذُ أي نوع من اللقاحات سيكون أمراً جيداً".

لا شك أن سياسة "صفر كوفيد" تُصعب الأمر أكثر، إذ تبقي ملايين السكان حبيسي منازلهم بشنغهاي ومدن أخرى. قال ووتكي، رئيس غرفة التجارة الأوروبية بالصين: "نعاني أضراراً اقتصادية وتوترات اجتماعية فيما نواجه إحباطات متكررة لجهودنا.. مر عامان وما تزال الصين تفتقر للقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك