كانت شركة "إس 7 إيرلاينز" (S7 Airlines) قصة نجاح روسية منذ أقل من شهرين، بعدما تمكنت من ربط البلاد بأوروبا الغربية وآسيا الوسطى عبر أسطول حديث من طائرات "إيرباص" و"بوينغ".
تباهي "إس 7"، وهي عضو في تحالف "وان ورلد" (OneWorld) الذي يضم "بريتيش إيرويز" و"أمريكان إيرلاينز"، بسجل سلامة قوي، كما كانت تدفع فواتيرها في مواعيدها، يعبر رئيسها فلاديسلاف فيليف، وهو طيار هاوٍ ذو شخصية جذابة أنشأ أكبر شركة طيران خاصة في البلاد، عن طموحها في النمو.
بعدما هاجمت روسيا جارتها أوكرانيا في 24 فبراير، بقي فيليف وشركة الطيران التي أنشأها عالقين بين العقوبات الدولية التي دفعت شركات التأجير لاستعادة طائراتها، وبين حكومة روسية حريصة على الحفاظ على صناعة الطيران لديها. أصبحت شركة الطيران، التي كانت تتفاخر سابقاً بتقديم خدماتها إلى 35 دولة، معزولة عن وجهاتها الخارجية وعن العناصر الأساسية اللازمة لصيانة الطائرات والحفاظ على تشغيل شركة طيران حديثة، بدءاً من تحديثات برمجيات قمرة القيادة وحتى قطع الغيار.
واصلت "إس 7" تشغيل معظم طائراتها البالغ عددها 105 طائرات، وغالبيتها يملكها مؤجرون أجانب طالبوا بإعادتها، لكنها اضطرت لخفض عدد المسارات التي كانت تخطط لخدمتها هذا الصيف إلى النصف، لتصل إلى 125 مساراً، حسب مؤسسة "روتس أونلاين" المتخصصة بمتابعة بيانات الطيران.
محصورة في الداخل
كما اقتصر طيران "إس 7" على الوجهات المحلية فقط، في ظل حظر دول الاتحاد الأوروبي لمجالها الجوي على شركات الطيران الروسية، والمخاطرة باستعادة طائرات الناقل الجوي إن هبطت خارج حدود روسيا.
قال جيمس هيلي-برات، وهو محامٍ في مجال الطيران وشريك في شركة الخدمات القانونية "كيستون لو" (Keystone Law) في لندن: "تواجه (إس 7) مشكلة كبيرة فهي ستعاني من تدهور سريع في عملياتها وتراجع استخدام أسطولها الجوي دون إمكانية الوصول إلى مرافق الصيانة والخدمات".
قال أيضاً إن "إس 7" تجازف بالوقوع في مأزق مع شركات التأمين، التي تتطلع إلى الإيفاء بمطالب المؤجرين بشأن مصادرة الطائرات وفقدانها لقيمتها لأنها لم تعد قادرة على إجراء عمليات الصيانة.
قالت شركة الطيران إن فيليف لم يكن متاحاً للتعليق على الأمر.
لقد عُزل قطاع الطيران الروسي، حاله كحال بقية اقتصاد البلاد، عن المشاركة العالمية نظراً للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلفاؤهما في أواخر فبراير. كما أنهت شركات التأجير العقود المبرمة مع شركات الطيران الروسية، بينما علقت شركات صناعة الطائرات وخدمات الصيانة وتوريد قطع الغيار أعمالها.
خطوات حكومية
اتخذت روسيا خطوات لمنع تلاشي أسطولها التجاري، حيث منعت شركات الطيران لديها من إعادة الطائرات المؤجرة لمالكيها دون إذن حكومي، وسمحت بإعادة تسجيل شركات الطيران لعقود الطائرات داخل البلاد، لكن هذه التحركات تنتهك قواعد الطيران الدولي، بما فيها تلك التي تحظر الإدراج المزدوج.
برغم أن الحكومة الروسية عرضت تقديم تعويضات للطائرات المستولى عليها، بما في ذلك شرائها بشكل مباشر، إلا أن المؤجرين الأجانب لا يمكنهم قبول مثل هذه الصفقة لأنها ستكون انتهاكاً واضحاً للعقوبات.
تبحث روسيا عن وسائل بديلة للحفاظ على تشغيل الطائرات وإبقاء ارتباطها بالكتلة الأرضية الشاسعة الممتدة عبر 11 منطقة زمنية. قالت إنها ستحذو حذو إيران، التي حافظت على أسطولها المتقادم لعقود زمنية عبر الاعتماد على سوق ثانوية مبهمة للطائرات المستعملة وقطع الغيار التي لا تستطيع الحصول عليها بشكل قانوني.
كما تعهد الرئيس فلاديمير بوتين بتقديم مساعدات مالية لشركات الطيران المحلية لتعويضها عن التداعيات المترتبة على العقوبات، مع دعم الرحلات الجوية الداخلية.
يواجه فيليف، خريج أكاديمية موجايسكي الفضائية العسكرية الذي بلغ عمره 58 عاماً ويسميه البعض "إيلون ماسك روسيا" لانخراطه في مجال الفضاء، احتمال أن يدمر الصدام المفاجئ مع شركائه التجاريين الدوليين السابقين إرث شركته. تولى فيليف إدارة الناقل الجوي في التسعينيات إلى جانب زوجته الراحلة ناتاليا، التي توفيت في حادث تحطم طائرة ذات محرك واحد في ألمانيا في 2019.
قصة نجاح
لقد حقق الزوجان نجاحاً بعد التخلص من الأسطول السوفيتي العتيق وتبني طائرات غربية مطلية باللون الأخضر الفاتح. كما تقدمت "إس 7" مع تقدم الطبقة الوسطى في روسيا فجعلت من فيليف وزوجته من أغنى الأزواج في روسيا.
كان لدى الشركة خطط كبيرة في 2022 بعد الخروج من حال الركود الناجم عن تفشي فيروس كورونا، مثل إطلاق شركة طيران جديدة منخفضة التكلفة هذا الصيف، وإعادة الخدمات لأسواق العطلات مثل إيطاليا وإسبانيا، فضلاً عن أنها كانت توشك على التوجه بقوة نحو ألمانيا. لكن بدلاً من تنفيذ كل هذه الخطط، علقت الشركة كافة عملياتها الدولية وركزت بالكامل على سوقها المحلية وابتعدت عن الأراضي الأجنبية لتجنب مصادرة الطائرات.
لا شك أن السقوط المفاجئ صعبٌ بشكل خاص على شركة كانت حتى وقت قريب شريكاً مفضلاً. بقيت أعمال الشركة منتعشة حتى حين لاح شبح الحرب في الأفق، فقد أعلنت مجموعة "أفييشن كابيتال جروب" (ACG) التابعة لشركة "طوكيو سنتشري" (Tokyo Century) في فبراير الماضي، عن تسليم طائرة جديدة من طراز "إيرباص إيه 321 نيو" (Airbus A321neo) إلى "إس 7". قالت "أفييشن كابيتال جروب" حينئذ إنها "مسرورة بتسليم إس 7 طائرة أخرى، فهي شريك موثوق وأحد أكبر عملاء أفييشن كابيتال".
أعلنت شركة "إير ليس" (Air Lease)، وهي واحدة من أكبر شركات التأجير في العالم ومقرها لوس أنجلوس، في مارس إن جهودها لاستعادة الطائرات شهدت "قدراً كبيراً من التعاون" من جانب شركات الطيران الروسية الخاصة. واصلت في الواقع (إس 7) تشغيل 8 من أصل 10 طائرات تابعة لشركة التأجير رغم العقوبات.
تشغل "إس 7" 43 طائرة من طائرات شركة "إيركاب" (AerCap)، أكبر مؤجر للطائرات في العالم. كما زودت ثاني وثالث أكبر شركات تأجير الطائرات وهي "أفولون" (Avolon) و "إس إم بي سي أفييشن كابيتال" (SMBC Aviation Capital) أسطول الشركة الروسية بالطائرات، حسب بيانات موقع "فلايت رادار 24" (FlightRadar24) المتخصص بتتبع الطائرات.
كانت الحرب في أوكرانيا والعقوبات التي أعقبتها سبباً في وضع مؤجري الطائرات في مأزق، حيث أُجبروا على إلغاء العقود بموجب توجيهات الاتحاد الأوروبي، لكنهم ليس لديهم أي وسيلة لاستعادة الطائرات بعد تحرك روسيا لإبقائها داخل حدودها. سيتحمل بالتالي ممولو الطائرات خسارة تصل إلى 10 مليارات دولار مع انخفاض قيمة أسطولهم لدى مختلف شركات الطيران الروسية.
قال فولوديمير بيلوتكاتش، أستاذ مساعد في إدارة النقل الجوي بمعهد سنغافورة للتقنية: "إن قررت روسيا إنهاء الحرب وتحسن الوضع، فسيظل الأمر يتطلب كثيراً من الجهد لحل هذه الفوضى... لا أعتقد أن شركات التأجير والتأمين والممولين الغربيين سيعودون إلى السوق الروسية قبل عشرات السنين".