استفادت جيوفانا أنتونيزي، وهي طالبة شؤون دولية وعامة في جامعة كولومبيا، من طفرة تطبيقات توصيل البقالة في نيويورك، فقد أدركت هي وزميلات غرفتها أن تكلفة طعامهم قد تصبح صفراً نتيجة عروض ترويجية مثل منح 25 دولاراً كرصيد مجاني وخصم 30 دولاراً حين ترشيح الخدمة لأصدقاء. قالت: "أنا طالبة جامعية مُفلسة لن أرفض البقالة المجانية".
عثرت الشركات التي تقدم هذه الصفقات وتتسابق لتقديم الطلبات على العديد من العملاء المُتجاوبين مثل أنتونيزي. حققت شركة "فريدج نو مور" (Fridge No More)، وهي شركة ناشئة مقرها بروكلين سبق لأنتونيزي الطلب عبرها، إيرادات قياسية بلغت 3.2 مليون دولار في فبراير وتوقعت زيادة سنوية بنسبة 1600% عن العام السابق، وفقاً لعرض تقديمي للمُستثمرين خلال الشهر نفسه اطلعت عليه "بلومبرغ بيزنس ويك".
لكن "فريدج نو مور" توقفت عن العمل في الشهر التالي، تاركة 61 عاملاً بلا وظيفة. جاء الفشل بعد أقل من أربعة أشهر من انهيار شركة توصيل أخرى هي "1520" وقبل أسبوع من انهيار "بايك" (Buyk)، وهي شركة ذات علاقات روسية تقدمت بطلب إفلاس بعدما استحال عليها جمع الأموال بعد غزو روسيا لأوكرانيا. كما ضخ أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية نحو 9.7 مليار دولار في شركات التوصيل السريع على مستوى العالم في 2021، وذلك وفقاً لبيانات "بيتش بوك". لكن يبدو هذا التفاؤل وكأنه ذكرى بعيدة بعد أشهر قليلة من بداية 2022.
مغريات أكبر
تنافست شركات التوصيل بشكل أساسي على العملاء بطريقتين، أولها أن تكون أسرع وأن تقدم أكبر الخصومات. أظهرت بيانات من وكالة تحليل المعلومات "يبيتداتا" (YipitData) في فبراير أن ثلاثة من أكبر الشركات الناشئة كانت تقدم خصومات للعملاء الفرنسيين أكثر من نصف الوقت.
قدمت شركة "غيتر" (Getir) ومقرها إسطنبول خصومات على 86% من طلباتها في فرنسا. أما شركة "غوباف" (Gopuff)، ومقرها فيلادلفيا، فقد خفضت أسعارها على 70% من طلباتها في السوق نفسه، في حين خصصت شركة "غوريلاز تكنولوجيز" (Gorillas Technologies)، ومقرها برلين، خصومات تصل 51% على طلباتها لمعظم الوقت هناك. نفذت "غوباف: 31% من الطلبات في الولايات المتحدة بسعر منخفض، وفقاً لبيانات "يبيتداتا".
لم يكن التنافس يقتصر على الأسعار؛ فقد حاولت الشركات أن تتميز من حيث السرعة وغالباً ما تعلن عن قدرتها على التوصيل خلال 15 دقيقة. قالت شركة "جوكر" (Jokr) التي تعمل في الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية وأوروبا ومقرها نيويورك، إن العملاء يطلبون مزيداً ويواصلون الطلب لدى ضمان زمن توصيل لا يزيد عن 15 دقيقة. قالت شركة "غيتر" في عرض تقديمي نهاية 2021 للمستثمرين اطلعت عليه "بلومبرغ بيزنس ويك": "السرعة هي عملتنا".
ارتفاع التكاليف
كان الإيفاء بهذه الوعود مكلفاً، حيث يتطلب نموذج التوصيل السريع من الشركات استئجار وصيانة مراكز توزيع صغيرة للحفاظ على المخزون بالقرب من العملاء. على عكس العديد من شركات توصيل الطلبات وتوصيل المطاعم، فإن شركات التوصيل الناشئة تُوظف العمال بشكل مباشر، وهي استراتيجية لزيادة السرعة التي تؤدي أيضاً لزيادة تكاليف العمالة.
بدأ وعد التوصيل خلال 15 دقيقة يجذب انتباه المُشرعين. يُفكر مجلس مدينة نيويورك بمنع الشركات من الإعلان عن مواعيد توصيل مدتها 15 دقيقة، حيث يُجادل مؤيدو الإجراء بأن ضمان مدد توصيل كهذه يُحفز على سلوك غير آمن بين الأشخاص الذين يقومون بعملية التوصيل.
أصبح الوصول إلى رأس المال عاملاً مميزاً حاسماً في صناعة تنزف مالاً. تضاءل حماس المستثمرين جزئياً بسبب الأداء السيئ في سوق الأسهم لشركات توصيل مثل "ديلفرو" (Deliveroo) و"جست ايت تيكاواي دوت كوم" (Just Eat Takeaway.com) و"دليفري هيرو" (Delivery Hero) و"دور داش" (DoorDash). كانت "غيتر" قد جمعت نحو 800 مليون دولار في مارس بعد محاولتها جمع مليار دولار. تحاول "غوباف"، التي سرّحت مؤخراً مئات العمال، جمع مليار دولار من الديون القابلة للتحويل لأسهم. تباحثت "غوباف"، واسمها الرسمي "غو براندز" (GoBrands)، مع بنوك استثمارية حول طرح عام أولي مُحتمل أواخر هذا العام، لكن ليس لدى الشركة الآن أي خطط للطرح العام، وفقاً لشخص مطلع على شؤونها المالية طلب عدم الكشف عن اسمه لدى الإشارة لمعلومات خاصة.
تعديلات ضرورية
يُرجح أن تعاني الشركات الصغيرة في بحثها عمّن يستحوذ عليها، فيما تبحث شركات التوصيل السريع من جميع الأحجام تعديل نماذج أعمالها، ويفكر البعض بالتحول نحو الطلبات الأكبر والأقل تكراراً، حيث لا تمثل السرعة مشكلة كبيرة. كما تتطلع المزيد من المنصات الراسخة لبيع مزيد من الإعلانات داخل تطبيقاتها. تحاول "إنستاكارت" (Instacart) بيع برامج التجارة الإلكترونية وتقنية الدفع الذاتي للبقالة على أساس الاشتراك. "غوريلاز" هي إحدى الشركات الراغبة بالتوسع في تقديم وجبات خاصة ووجبات جاهزة، وكلاهما يتيح هوامش أفضل من بيع الأفوكادو أو زجاجة كوكاكولا.
"ديلفرو" لتوصيل الطعام تتكبد أول خسارة سنوية بعد الطرح
يتعرض شيء واحد لتهديد متزايد فيما تبحث الشركات عن أرضية أكثر ثباتاً، وهو ضمان التوصيل خلال 15 دقيقة. تعمل كل من شركتي "غوريلاز" و"جوكر" على تقليص ضمان خدمة فائقة السرعة تشمل كل شيء، أصبحت تعطي تقديرات للمدة التي تستغرقها الطلبات. تُجرب شركة "دور داش" خدمتها الخاصة التي تصل مدتها 15 دقيقة في مدينة نيويورك، لكن رئيس العمليات كريستوفر باين قال في مؤتمر في مارس إن تقديم خدمة توصيل خلال 30 دقيقة يتيح فرصة أفضل للربحية، مضيفاً قوله: "أعتقد أن العملاء سيظلون سعداء بذلك".