يتبنّى الحزب الشيوعي الصيني مدرسة فكرية ترتبط عادة مع المحافظين، وهي: نظرية اقتصاديات جانب العرض.
في مارس الماضي، أعلنت بكين عن تخفيضات ضريبية بقيمة 2.5 تريليون يوان (393.3 مليار دولار). ويعد العام الحالي هو العام الخامس على التوالي الذي تقر فيه البلاد مثل هذه التخفيضات، التي وصلت قيمتها الإجمالية إلى أكثر من 9.7 تريليون يوان. وعند قياسها بحسب سعر الصرف الحالي، فإن هذه التخفيضات تتجاوز حاجز تلك التي أقرتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب في عام 2017 والتي تبلغ 1.5 تريليون دولار.
الإعفاءات الضريبية
في مؤتمر صحفي عُقد في ختام المؤتمر الشعبي الوطني السنوي في 11 مارس، وصف رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ التخفيضات الضريبية بأنها أفضل سُبل تعزيز النمو، مشبهاً إياها بـ"الأسمدة التي توضع بشكل مباشر على الجذور" بالنسبة الاقتصاد. حيث قال لي: "الإعفاءات الضريبية تبدو وكأنها تخفيضات لكنها في الواقع إضافات. فأنت اليوم تقدم مساعدة مالية، وغداً تحصل على المزيد في المقابل"، مشيراً إلى أن المفهوم الأساسي لنظرية جانب العرض يوضح أن التخفيضات الضريبية تولد زيادة في إجمالي الإيرادات الضريبية.
ومثلما حدث مع التخفيضات الضريبية التي أقرّها الرئيس السابق ترمب، تثير التخفيضات الضريبية في الصين الجدل أيضاً. إذ يفترض أنصار مدرسة اقتصاديات جانب العرض أن السماح للشركات بالاحتفاظ بحصة أكبر من أرباحها يتيح لها تعزيز الاستثمار وزيادة الإنتاج. كذلك، تعود بالنفع على العمال والمستهلكين من خلال زيادة التوظيف وانخفاض الأسعار.
غير أن العديد من خبراء الاقتصاد يجادلون بأن التخفيضات الضريبية تتسبب في زيادة الديون غير المستدامة، وغالباً ما تؤدي إلى إهدار الاستثمارات، مشيرين إلى أن الدعم المالي الموجّه للعائلات سيكون أفضل وأكثر فائدة من ذلك الموجّه للشركات.
تحديد أي وجهتي النظر هي الصحيحة، سيساعد على رسم مستقبل ثاني أكبر اقتصادات العالم.
في عام 2021، بلغت الإيرادات الضريبية في الصين 21% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أقل بكثير من متوسط الإيرادات البالغة 34% في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وتستأثر الضرائب الاستهلاكية والرسوم المفروضة على أرباح الشركات بنصيب الأسد من الحصيلة التي تجنيها الحكومة، بينما لا تشكل الضريبة على الدخل الشخصي سوى حصة ضئيلة منها.
بايدن يطرح ميزانية للعام المقبل بـ5.8 تريليون دولار تتضمن ضرائب قياسية
ضرائب انتقائية
لطالما اعتمد صُناع السياسات في الصين على الإعفاءات الانتقائية للضرائب على الشركات لتحقيق أهداف استراتيجية طويلة الأمد، مثل تعزيز الإنفاق على البحث والتطوير والاستثمار في المجالات ذات الأولوية، بما فيها المُعالجات الدقيقة والطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية.
يقول جياو رويجين، عضو معهد الضرائب الصيني الذي تديره الدولة: "تشتد الحاجة إلى سياسات الضرائب التفضيلية لتوجيه الإصلاحات المرتبطة باقتصاديات جانب العرض، ومن ثم تعزيز التنمية عالية الجودة وتخفيف العبء الاستثماري للمؤسسات، وهو ما سيحقق بلا شك النمو الاقتصادي".
وكانت بكين تُقر أيضاً تخفيضات ضريبية بطريقة أكثر تقنية في الأعوام الأخيرة لدعم النمو، مثل خفض الضرائب المفروضة على صغار المصنعين الذين يعانون من تداعيات الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين. وسجلت التخفيضات الضريبية مستوى قياسي في عام 2020، عندما تأثر الإنفاق الاستهلاكي على المطاعم والسفر بتفشي وباء كوفيد-19.
النمو وخفض البطالة
كانت الجهود المبذولة التي أسهمت في خفض نسبة الدخل الضريبي إلى الناتج المحلي الإجمالي بنحو 2% منذ عام 2018، أسهمت بشكل كبير بخفض ضريبة القيمة المضافة وتقليل مساهمات أرباب العمل في الرعاية الطبية للعمال والتأمين ضد البطالة والمعاشات التقاعدية.
إلى ذلك، يقول ينلي ليانغ، رئيس سلاسل الإمداد في "كيه بي إم جي تشاينا": "ساعد خفض الضرائب والرسوم، بل وأنقذ، عدداً من الشركات الصغيرة ومتناهية الصغر بالفعل". وانخفاض عدد الشركات التي ستعلن إفلاسها، من شأنه الحد من البطالة كذلك.
في الوقت نفسه، أكد مايكل بيتيس، أستاذ التمويل في "جامعة بكين" في بكين، أن التدابير المتعلقة بجانب العرض هي وسيلة فعّالة لتعزيز النمو الاقتصادي في حالات تقيد الشركات بالمدخرات الشحيحة والتكاليف المرتفعة.
وكتب في مذكرة: "في رأيي أن المشكلة تكمن في أن القيود المفروضة على الشركات الخاصة في الصين تأتي في الغالب من جانب الطلب"، داعياً إلى تبني سياسات "تركز على طرق تعزيز الطلب بشكل مباشر أو غير مباشر، بوسائل منها زيادة كل من الأجور والتحويلات الاجتماعية".
160 مليار دولار إضافة للاقتصاد الأمريكي حال خفض الجمارك على الصين
العجز المالي
قال رئيس الوزراء لي، وهو أبرز مسؤول صيني في جانب العرض، إنه سيتنحى عن منصبه هذا العام، ما يثير شكوكاً بشأن استمرار رغبة بكين في خفض الضرائب. كذلك، يقول بعض خبراء الاقتصاد إن العجز المتزايد في ميزانية الحكومة يشير إلى أن الصين ليس لديها مجال لإجراء مزيد من التخفيضات.
تتوقع مجموعة "غولدمان ساكس" أن يصل العجز المالي المتزايد، وهو أكبر مقياس للفجوة بين الإنفاق الحكومي والدخل، إلى 13.1% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، بعد أن كان 10% في عام 2018.
يقول تشاو فوشانغ، الباحث في الأكاديمية الصينية للعلوم المالية التابعة الدولة، إن "التخفيضات الكبيرة في الضرائب والرسوم غير مستدامة". لكن كما هو الحال في الولايات المتحدة، لا يتفق الجميع في الصين على أن العجز يشكل خطراً.
ونظراً لأن ديون القطاع العام مقومة في الغالب بعملة تصدرها بكين ولأن التضخم منخفض "على مستوى الحكومة المركزية، فلن تكون هناك إجراءات تشدد مالي" حسبما يقول يان ليانغ، أستاذ الاقتصاد في "جامعة ويلاميت".
الرخاء المشترك
ثمة تساؤلات مثارة أيضاً حول ما إذا كانت التخفيضات الضريبية تتوافق مع أجندة بكين لتحقيق "الرخاء المشترك" التي تستهدف الحد من عدم المساواة.
كيف تحوّل مسؤولو الصين الشيوعيون إلى مستثمرين مجازفين؟
عن ذلك، يقول بيرت هوفمان، مدير صيني سابق في البنك الدولي، إن خفض معدل ضريبة القيمة المضافة القياسي في الصين منذ عام 2018 من 17% إلى 13% يعد خطوة نحو تحقيق هذا الهدف. مع ذلك، تحتاج بكين إلى الحد من اعتمادها على الضرائب الاستهلاكية، المندرجة ضمن الضرائب التنازلية، وذلك للحد من عدم المساواة بالفعل.
ولتوسيع القاعدة الضريبية، يجب أن يفكر صُناع السياسة في فرض ضرائب على الدخل غير المرتبط بالأجور، مثل المكاسب الرأسمالية ذات المعدلات المرتفعة، وربما حتى فرض ضرائب على الثروة والميراث، على حد قول هوفمان.
يذكر أن بعض التخفيضات الضريبية الأخيرة في الصين كانت تعود بالفائدة على ميسوري الحال، إذ أعلنت بكين في ديسمبر عن تمديد الإعفاء من ضرائب الدخل للمهنيين المولودين في الخارج الذين يحصلون عادةً على دخل مرتفع نسبياً.
تعليقاً على الأمر، يقول آلان بيب، رئيس غرفة التجارة الأمريكية بالصين، إن هذه الخطوة "كانت مصدر ارتياح للعديد من شركاتنا، فهي لديها تأثير كبير بالنسبة للقدرة على توظيف الوافدين والاحتفاظ بهم".