بالنسبة للشابة كارولين جيمس، فإنه إذا كان أحدهم قد قال لها قبل بضع سنوات فقط، إنها ستصبح من المرشحين لدرجة الماجستير في إدارة الأعمال (MBA) مستقبلاً، فإنها كما تقول: "كنت سأقول: لا بكل تأكيد".
ففي عام 2014. عندما كانت جيمس طالبة جامعية تدرس العلوم السياسية والحكومية، اعتُقلت في العاصمة واشنطن أثناء مشاركتها في احتجاجات ضد خط أنابيب النفط "كيستون إكس إل"، حيث كان تركيزها ينصب على حماية البيئة، أكثر من كونه ينصب على الأعمال الرأسمالية.
ارتفاع قياسيّ لأعداد الطالبات في أعرق كلِّيات إدارة الأعمال
لكن بعد قضائها لفترة من الاستشارات، تقدمت جيمس، ذات الـ28 عاماً، بطلب للالتحاق بـ"كلية ييل" للإدارة. حيث أرادت معرفة المزيد عن كيفية عمل عالم الشركات، لتتمكن من تطويره. بالإضافة إلى أن نادي الاستدامة الموجود بالكلية شكَّل عامل جذب كبير بالنسبة لها، خاصة أنه مرتبط مع كلية البيئة في الجامعة.
قادة بمنظور بيئي
أصبحت برامج ماجستير إدارة الأعمال تُعلم الاستدامة بشكل متزايد، حيث تسعى كبرى الشركات لاستقطاب قادة بوسعهم مساعدتها في الحفاظ على البيئة. وتضاعف ذكر كلمة البيئة في تقارير أرباح الشركات خلال الأعوام الخمسة الماضية، إذ استعملت 600 ألف شركة المصطلح في عام 2021، بحسب شركة التحليلات "غلوبال داتا" (GlobalData).
وهذا التركيز الأخير على الاستدامة يعني أيضاً أن كليات إدارة الأعمال باتت تواجه الآثار المناخية لبرامجها - بل وللرأسمالية أيضاً - بشكل يزيد توقعات الطلاب الذين يقومون بالمزيد لمناصرة البيئة.
تغيير جوهري
تختلف طرق تعليم الدراسات البيئية باختلاف البرامج التعليمية، إلا أن معظمها لا يزال أمامه الكثير ليقطعه، بحسب جيزيل ويبرخت، وهي مستشارة في مجال الاستدامة تعمل مع كليات إدارة الأعمال. تقول ويبرخت إن مناهج الاستدامة لا تزال اختيارية بشكل كبير، كما أن التركيز في تدريس الطلاب لا يزال ينصب على كيفية السعي لتحقيق الأرباح قبل أي شيء آخر. وتوضح: "بينما تتحدث كليات إدارة الأعمال عن الاستدامة، ويجري الكثير منها تغييرات في المباني الجامعية والمرافق. إلا أن الطريقة التي تعمل بها ككليات لم تتغير من الناحية الجوهرية".
مديرو شركات عالمية: الجائحة أفرزت توجهات جديدة في طريقة إدارة الأعمال
مع ذلك، فإن جيمس، التي تريد استخدام تعليمها للعمل على تطوير حلول في الاقتصاد الدائري لمعالجة الهدر، تشعر بالامتنان لأن نصف دراستها لماجستير إدارة الأعمال يتم خارج كلية الإدارة، حيث تتمكن من دراسة المشاكل البيئية. لكنها لا تزال تجد صعوبة في ملاءمة محتوى الاستدامة بشكل كافٍ بجانب المبادئ الأساسية للإدارة.
تجارب عالمية
في المملكة المتحدة، فإن برنامج ماجستير إدارة الأعمال المستدامة الذي تقدمه "كلية لينكولن الدولية لإدارة الأعمال"، ويستمر لمدة عامين، يوفر آليات واضحة لخيارات كيفية إدارة مشروع تجاري مراعي للبيئة، ويتم إدراج ذلك أيضاً ضمن المسارات التعليمية الأساسية لجميع طلاب ماجستير إدارة الأعمال.
دعك من الدراسات المالية.. إدارة سلاسل التوريد هي الماجستير الجديد في زمن الوباء
وفي عام 2019، قدمت "كلية إيسيك الفرنسية" لإدارة الأعمال استراتيجيتها "رايس" (Rise Strategy) التي تضع الاستدامة في مركز عمليات الكلية، وهذا يعني خفض بصمتها الكربونية بشكل كبير.
وكشف بحث أجرته كلية "إيسيك" أن 80% من البصمة الكربونية لها تنتج عن طلابها الذين يجوبون العالم. وتقول آن-كلير باتش، عميدة الاستراتيجية والاستدامة في الجامعة، إن هذا الأمر كان يمثل معضلة. وتوضح: "الكثير من القيمة التعليمية للكلية تظهر خلال الوقت الذي يقضيه الطلاب في الخارج".
ومن هذا المنطلق، تقدم "إيسيك" الآن إعانات للطلاب الذين يسافرون بالقطار بدلاً من الطائرة، فضلاً عن أنها أوقفت كافة الرحلات الطويلة للدورات الدراسية في ظل استهدافها خفض بصمتها الكربونية بشكل مبدئي بنسبة 25%.
جامعات خضراء
من جهة أخرى، فإن كلية "تشاينا يوروب إنترناشيونال" لإدارة الأعمال في شنغهاي، تقول إنها محايدة للكربون منذ عام 2011، وقد حققت ذلك من خلال خفض الانبعاثات الكربونية، وزراعة الأشجار، وشراء أرصدة الكربون لتعويض انبعاثاتها.
وفي أواخر عام 2018، حققت "كلية داردن للأعمال" في "جامعة فيرجينيا" بالولايات المتحدة هدفاً مماثلاً بعد استعمال مولدات طاقة شمسية تمتد على مساحة 160 فداناً، وتقع على بعد 90 ميلاً (1 ميل = 1,6 كم) شرقي الحرم الجامعي.
برامج ماجستير إدارة الأعمال تستهدف التنوع في دراسات الحالة الواقعية
بينما خفضت "كلية هارفارد للأعمال" انبعاثاتها من الغازات الدفيئة بنسبة 47% في الفترة بين عامي 2006 و2019 من خلال الحفاظ على الطاقة، وتنظيم أنظمة التدفئة والتبريد في المرافق، وزيادة وعي الموظفين والطلاب بسلوكهم.
التعليم بالممارسة
عن ذلك، تقول ليا ريتشي، المديرة المساعد للاستدامة وإدارة الطاقة: "نأمل أنهم عندما يكونون محاطين بمعايير الاستدامة في الحرم الجامعي، فإنها ستصبح بالنسبة للطلاب الأمر الطبيعي، ويصبحون يتوقعونها أو حتى يخلقونها إذا لم تكن موجودة في المؤسسات التي يعملون بها مستقبلاً". وتعمل "هارفارد" على تطوير خطة استدامة منقحة، وتخطط لإصدارها في نهاية هذا العام.
ومن المحتمل أن تكون الضغوط التي يمارسها الطلاب تؤثر بشكل أكبر على جهود الكليات في هذا الموضوع. وتمتلك "كلية هارفارد للأعمال" نادِياً للاستدامة يضم نحو 200 عضو، بينما ارتفع عدد الطلاب الذين يبدون اهتماماتهم ببرامج الأعمال والبيئة من 20% إلى نحو 45% في الأعوام الأخيرة.
تضيف جيمس، من "جامعة ييل"، أن إحدى الطرق التي يمكن لكليات إدارة الأعمال اتباعها لتكون أفضل هي أن يتحدث الأساتذة بشكل صريح عن الجزء المتعلق بالرأسمالية، والذي لا يتم قوله بشكل واضح. تتابع: "سيكون من المفيد، في هذه الدراسات، الاعتراف بأن الاستراتيجية التنافسية للشركات تتمثل في تحقيق أكبر قدر من الأرباح"، وأننا "نعلم أن هذا لا يعود بالنفع على كوكبنا".