هل تدفع "أمازون" ثمن انشغال بيزوس بحياته الخاصة؟

بيزوس بعد عودته من الفضاء في 20 يوليو 2021، في بلدة فان هورن بولاية تكساس  - المصدر: بلومبرغ
بيزوس بعد عودته من الفضاء في 20 يوليو 2021، في بلدة فان هورن بولاية تكساس - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

وفقاً لتقليد يعود إلى بدايات برنامج الفضاء الأمريكي، يقوم رواد الفضاء بكتابة رسائل شخصية لأحبائهم، ليتم تسليمها فقط إذا لم يعودوا من رحلتهم المحفوفة بالمخاطر. لذلك، كتب جيف بيزوس، مؤسس "أمازون" الذي يقدس مثل هذه الطقوس، وداعاً صادقاً لصديقته لورين سانشيز، عشية رحلته التاريخية على متن صاروخ "بلو أوريجن" (Blue Origin) في الصيف الماضي. لكن بيزوس لم يستطع مقاومة الفكرة. ووفقاً لشخص سمع بالقصة، فقد سلم بيزوس سانشيز رسالته إليها في صباح يوم الإطلاق، في لفتة رومانسية، بينما يحيط بهم زملاؤه ورفاقه من طاقم الرحلة.

اقرأ أيضاً: "أمازون" تحصل على موافقة الاتحاد الأوروبي لشراء "MGM"

تشير مثل هذه اللحظات إلى الحالة المزاجية الراهنة لثاني أغنى شخص في العالم، إذ يبدو الآن أن بيزوس يقضي معظم وقته في التركيز على حياة الرفاهية مع سانشيز، وشركة الفضاء الخاصة به، وصندوقه الخيري المعني بقضايا المناخ البالغة قيمته 10 مليارات دولار. والمثير للاستغراب، أنه يخصص القليل من وقته لعملاقة التجارة الإلكترونية والحوسبة السحابية، التي تولى إدارتها لمدة 27 عاماً، والبالغة قيمتها السوقية 1.4 تريليون دولار.

اقرأ المزيد: في دفعة لـ"صندوق الأرض".. بيزوس يتبرع بـ 443 مليون دولار لمجموعات المناخ

قال بيزوس في المؤتمر الصحفي الذي أعقب عودته سالماً إلى الأرض في ذلك اليوم: "سأقسم وقتي بين (بلو أوريجن) وصندوق (بيزوس إيرث). ستكون هناك أمور أخرى لأقوم بها، لكنني لا أعرف ما هي بعد. فأنا لا أجيد القيام بالقليل من الأمور وحسب"، متجاهلاً "أمازون" بشكل واضح، حيث لا يزال رئيس مجلس إدارة عملاق التجزئة الأشهر في العالم.

اقرأ أيضاً: إيلون ماسك وجيف بيزوس وبيل غيتس وعودة "البيتلز"

المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: غيتي إيمجز

تحولات على مر السنين

مرّ بيزوس بتحوّل مذهل في حياته الشخصية والمهنية على حد سواء. قبل عقدين من الزمان، كان مغترباً في "وول ستريت"، يرتدي بنطاله الكاكي وتميزه ضحكته العالية. كان هوسه بالتفاصيل الدقيقة لمتجره على الإنترنت قد أبقاه بعيداً عن الأنظار إلى حد كبير، باستثناء الإعلان عن منتجه في بعض الأحيان. أما الآن، فيشكل مؤسس "أمازون" الدعامة الأساسية لوسائل الإعلام، ويسعده عرض مغامراته على "إنستغرام" -سواء كان يتجول في منزله الجديد البالغة قيمته 78 مليون دولار في جزيرة ماوي مع ليوناردو دي كابريو، أو يرسل ويليام شاتنر ومايكل ستراهان إلى الفضاء على متن صواريخه.

تسارع التطور الدرامي في حياة بيزوس بعدما عززت "أمازون" هيمنتها على قطاع البيع بالتجزئة عبر الإنترنت. فقد ابتكرت الشركة بعض المنتجات التي غيرت وجه الصناعة مثل "كيندل" (Kindle) و"أليكسا" (Alexa)، وحافظت على نمو بعض قطاعاتها مثل "أمازون ماركت بليس" (Amazon Marketplace) و"أمازون لوجيستكس" (Amazon Logistics). عادة ما يشرف بيزوس على التخطيط لهذه المبادرات، إذ غالباً ما يدير بنفسه كل صغيرة وكبيرة تتعلق بها. لكن على الرغم من دفعها نمو الشركة، إلا أن مثل تلك المبادرات خلقت مشكلات غير متوقعة للجميع، بمن فيهم العملاء، والموظفون، والبائعون المستقلون عبر الإنترنت، وتجار التجزئة التقليديون الذين ارتبط مصيرهم بـ"أمازون".

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

المبادئ.. بين الأمس واليوم

أدى النجاح الهائل الذي حققه بيزوس، إلى ارتقائه لمنزلة رفيعة في عالم الأعمال، وتعاظم ثروته الشخصية التي تقدر حالياً بنحو 160 مليار دولار، وفقاً لـ"مؤشر بلومبرغ للمليارديرات". في بداية "أمازون"، ركز بيزوس على قيم مثل التواضع والاعتدال في الإنفاق، وقام بترسيخ تلك القيم في مبادئ القيادة التي تعليها الشركة، والتي كان مطلوباً من الموظفين اتباعها إلى حد التقديس تقريباً. لكن، في الآونة الأخيرة، كان مؤسس عملاق التجزئة الأمريكي أكثر انشغالاً ببناء يخت بقيمة 500 مليون دولار، والذي قد يتطلب تفكيك جسر هولندي تاريخي حتى يصل إلى عرض البحر، الأمر الذي يعد إفراطاً في تدليل الذات، بما يتناقض بصورة غير مواتية مع الحملة الخيرية التي أطلقتها زوجته السابقة. من جانبها، تواصل ماكينزي سكوت التبرع بثروتها البالغة 46 مليار دولار بوتيرة متسارعة عقب طلاقها من بيزوس، بينما تجادل بحماس خلال سلسلة مقالات نشرت عبر مواقع إلكترونية، بأن المال ليس نتاجاً ثانوياً للعبقرية، بل لنظام معطّل.

اقرأ أيضاً: يخت الملياردير بيزوس الجديد يكلف هولندا تفكيك أحد جسورها

بعد تبجيله عملياً لسنوات، أصبح بيزوس مثار سخرية بصورة معتادة. فلم يسخر مقدمو البرامج الحوارية التي تذاع في وقت متأخر من الليل من تصميم صاروخ "نيو شيبرد" (New Shepard ) المثير للجدل وحسب، بل سخروا أيضاً من أمور مثل تنسيق ملابسه أثناء الاحتفال بليلة رأس السنة الجديدة، حيث ظهر الملياردير الأمريكي وهو يرتدي قميصاً حريرياً وسروالاً أبيض ونظارة شمسية على شكل قلب (وهذا مثبت في صورة نشرتها سانشيز على "إنستغرام"). ثم كانت البدلة الزرقاء التي نسقها مع قبعة رعاة البقر قبل انطلاق رحلته إلى الفضاء. وفقاً لأحد الأشخاص، والذي كان حاضراً بينما يقيس بيزوس البدلة قبل الخضوع لجلسة تصوير مبدئية، فقد كان بيزوس منزعجاً بشكل واضح من كونها ضيقة بعض الشيء، وقام بنقل خياطه الخاص جواً إلى مزرعته في تكساس، لإجراء التعديلات اللازمة عليها.

كل هذه أمور سخيفة بالطبع، وربما يدرك بيزوس ذلك. وبحسب اعتقاد بعض زملائه السابقين، فإن هذا ما جعله ينأى بنفسه علناً عن إدارة "أمازون". يقول كريغ بيرمان، نائب مدير "أمازون" السابق لقطاع الاتصالات العالمية: "يتمتع بيزوس بمستوى جيد من الوعي الذاتي. أعتقد بأن هذا ربما يكون قد أسهم في نهاية المطاف في ابتعاده عن منصب الرئيس التنفيذي".

تحديات جديدة

هذا الأمر، ترك مصير "أمازون" بين أيدي نائب بيزوس السابق الذي يحظى باحترام واسع، آندي جاسي. كان المتعصب الرياضي من سكارسديل، نيويورك، قد تدرب مع بيزوس في بداية تأسيس الشركة كمستشار تقني له. على مدى 15 عاماً، قام جاسي بتطوير "خدمة أمازون ويب" (Amazon Web Services) لتصبح بمثابة مفاعل نووي لتوليد المبيعات المتزايدة التي تدعم الكثير من أرباح "أمازون". بصفته الرئيس التنفيذي للشركة بأكملها، يواجه جاسي حالياً مجموعة من التحديات الهائلة، من بينها سوق العمل المحدود والذي يتطلب من عملاق التجزئة إنفاق المزيد لتوظيف عمال المستودعات. وكذلك، تزايد استياء الموظفين ومساعيهم لتأسيس النقابات العمالية، فضلاً عن تزايد عمليات التدقيق الحكومي والإجراءات التنظيمية المحتملة، بالإضافة إلى تباطؤ نمو التجارة الإلكترونية مع انحسار تفشي الوباء وعودة المواطنين إلى التسوق في المتاجر.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

الأسهم وقلق الموظفين

لكن ربما يكون التحدي الأكبر الذي يواجه جاسي هو سعر سهم "أمازون" الذي انخفض بنحو 8% خلال الاثني عشر شهراً الماضية، بينما ارتفع مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنسبة 9%. يمكن لموظفي "أمازون"، الذين يتلقون تعويضاتهم الضخمة في صورة أسهم، التخارج بأعداد كبيرة إذا لم يرتد سعر السهم صعوداً. في 9 مارس، أجاز مجلس الإدارة تجزئة الأسهم بواقع 20 مقابل 1، لجعل الأسهم في متناول المستثمري الأفراد والموظفين. قالت عملاقة التجزئة الأمريكية، أيضاً، إنها بصدد مضاعفة الحد الأقصى للراتب الأساسي إلى 350 ألف دولار، لكن العديد من الموظفين يقولون إنهم يشعرون بالقلق مع اقتراب تقييماتهم السنوية في أبريل. قال أحد الموظفين، الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأنه غير مصرح له بالتحدث علناً: "الموظفون يشعرون بالقلق ويتساءلون: هل يجب أن أهرب الآن قبل أن يتلقى الجميع أخباراً سيئة ويبدأوا في البحث عن وظائف أخرى؟".

لكن بيزوس لم يترك جاسي مفلساً تماماً، حيث تُظهر "خدمة أمازون ويب" (AWS) القليل من علامات التباطؤ. فقد كشفت "أمازون"، للمرة الأولى، عن التفاصيل المالية لنشاطها الإعلاني المزدهر بشكل مدهش، حيث جمعت "خدمة أمازون ويب" 9.8 مليار دولار خلال الربع الذي تخللته الأعياد، بزيادة 33% مقارنة بالعام السابق. أيضاً، يخطط الرئيس التنفيذي الحالي لإغلاق المتاجر الفعلية ذات الأداء الضعيف، وفتح المزيد من محلات السوبر ماركت التي لا تحتاج إلى خدمة أمين صندوق لإتمام عملية الدفع. كما يخطط لافتتاح متجر ملابس هو الأول من نوعه في مدينة غلينديل، في ولاية كاليفورنيا، تحت علامة "أمازون ستايل" (Amazon Style)، والذي يتيح للمتسوقين تصفح المنتجات عبر تطبيق الهاتف الذكي، وتسلمها مباشرة عن غرفة قياس الملابس.

الرعاية الصحية

كما تحدث جاسي علناً عن آفاق "أمازون" في سوق الرعاية الصحية الضخم، وعن روبوتها المنزلي الجديد "أسترو" (Astro) المزود بخدمة "أليكسا"، والذي كشفت عنه الشركة في سبتمبر الماضي، وتم طرحه منذ ذلك الحين بشكل منهجي لمختبري الإصدارات التجريبية، والي هم في العادة مستخدمون "حقيقيون" يقومون بإجراء اختباراتهم في بيئة إنتاج تعمل على نفس الأجهزة والشبكات وما إلى ذلك، مثل الإصدار النهائي.

في غضون ذلك، يبدو أن "وول ستريت" أصبحت قلقة بشأن نمو "أمازون" أيضاً. وفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال"، فقد أخبر المستثمر الناشط، دانيال لوب، عملاء صندوق التحوط الخاص به، في الشهر الماضي، بأنه يعتقد بأن "أمازون" يمكنها تحرير تريليون دولار من خلال فصل قطاع التجارة الإلكترونية عن خدمة الحوسبة السحابية. على الرغم من عدم وجود دليل على أن لوب سيشنّ حملة ناشطة كاملة للضغط على الشركة لتفكيك نفسها، إلا أن هذا النوع من الشك لم يكن من الممكن تصوره خلال الخمسة عشر عاماً الماضية التي تولى فيها بيزوس منصب الرئيس التنفيذي، عندما كان محاطاً بهالة المجد الذي لا يقهر بفضل سنوات من القرارات الحكيمة والاختراعات الرائعة.

ليس معلوماً ما إذا كان بيزوس قد نصح خليفته بشأن كيفية التعامل مع تعليقات لوب المقلقة، أم لا. ربما كان يرتاح بعد عطلة نهاية أسبوع حافلة، كما ورد في بعض الصحف وعلى "إنستغرام". فقد كان مؤسس "أمازون" يحتفل مع صديقته سانشيز في لوس أنجلوس حتى وقت متأخر من الليل برفقة مشاهير، مثل جاستن بيبر وكلوي كارداشيان، ثم شاهد نادي "لوس أنجلوس رامس" (Rams) يفوز بمباراة الـ"سوبر بول" من داخل مقصورة خاصة، من فوق خط الوسط فؤي الملعب.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك