بيتر ثيل يأخذ مواهبه من "ميتا" إلى مارالاغو في فلوريدا

رجل من فلوريدا.. في برلين  - المصدر: بلومبرغ
رجل من فلوريدا.. في برلين - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

كما هو الحال مع حالات فك الارتباط الواعي، كان الأمر متحضّراً إلى حد كبير جداً: فعند إعلانه عن مغادرته مجلس إدارة الشركة المعروفة سابقاً باسم "فيسبوك" (Facebook)، أشاد بيتر ثيل بصديقه والمتدرب لديه منذ فترة طويلة، مارك زوكربيرغ، باعتباره "أحد رواد الأعمال العظماء في عصرنا". بدوره قال زوكربيرغ عن ثيل، وهو أول مستثمر خارجي في شركة "ميتا بلاتفورمز" (Meta Platforms) وعضو مجلس إدارة منذ 2005، إنَّه "حقاً، مُفكّر أصيل".

اقرأ أيضاً: "ميتا" تخرج من قائمة أغلى 10 شركات في العالم

بالطبع، هذا الجزء الأخير لا جدال فيه. على الرغم من تقارب ثيل وزوكربيرغ؛ إلا أنَّ ثيل بالكاد يخفي سر ازدرائه لشبكة "زوكربيرغ" الاجتماعية. لقد باع أول مستثمر خارجي في الشركة غالبية أسهمه بمجرد أن تمكّن من ذلك. وكما ذكرتُ في كتابي: "ذا كونتراريان" (The Contrarian)، عمل ثيل أيضاً على تضخيم بعض أكبر منتقدي الشركة، إذ قال ثيل لتجمّع من موظفي "فيسبوك" بعد فترة وجيزة من إعلان الشركة عن طرحها للاكتتاب العام: "وُعِد الجيل الذي أنتمي إليه بمستعمرات على سطح القمر؛ إلا أنَّنا حصلنا على (فيسبوك) بدلاً من ذلك". كما موّل المرشحين السياسيين الذين هاجموا زوكربيرغ، واستثمر في "كليرفيو" (Clearview) التي استخدمت بيانات "فيسبوك" لإنشاء قاعدة بيانات التعرف على الوجه، في انتهاك لشروط الخدمة.

اقرأ المزيد: زوكربيرغ ما يزال يتحكّم في الكثير من "فيسبوك"

قبل أيام فقط من مغادرته مجلس الإدارة؛ ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أنَّ شركة الأمن السيبراني المدعومة من ثيل، "بولدند" (Boldend)، زعمت في عرض تقديمي للعملاء أنَّها تمتلك منذ بعض الوقت القدرة على اختراق تطبيق "واتساب"، منصة الرسائل الآمنة المملوكة لشركة "ميتا".

اقرأ أيضاً: سقوط "ميتا" المدوي يُفقد ثروة مارك زوكربيرغ 31 مليار دولار

في الواقع؛ فإنَّ حقيقة أنَّ زوكربيرغ، الذي يسيطر على "ميتا" من خلال فئة من الأسهم ذات التصويت الفائق، قد تجاهل في الغالب هذه الخيانة، وأنَّ ثيل تجاوز مخاوفه الخاصة بشأن شركة زوكربيرغ، هي دليل على تحالف غير مستقر. وبوصفه أحد أبرز الداعمين الأوائل للرئيس دونالد ترمب؛ فقد ساعد ثيل في تهدئة العلاقات بين زوكربيرغ والإدارة الأمريكية التي كانت معادية أحياناً لصناعة التكنولوجيا. وفي هذه الأثناء، أصبح مقعد ثيل في مجلس الإدارة ومكانته، كأحد أقرب مستشاري زوكربيرغ، أهم أوجه اعتماديته، وهو مصدر لسلطته.

اقرأ المزيد: أتباع مُخلِصون.. مناصرو "ترمب" يُحوِّلون شركته الإعلامية لأيقونة في سوق الأسهم

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

اقتراح الاستقالة

من الممكن أن يكون زوكربيرغ قد سئِم من ثيل، واقترح عليه الاستقالة؛ فقد فعل ذلك سابقاً عندما جرى تسريب مراسلة عبر البريد الإلكتروني بين ثيل وعضو مجلس إدارة آخر إلى صحيفة "نيويورك تايمز" في عام 2017. (رفض ثيل الاستقالة؛ وتراجع زوكربيرغ عن اقتراحه). ومن الممكن أيضاً أن تكون معاناة "ميتا" الأخيرة –انخفض سعر سهم الشركة بنسبة 26% في يوم واحد في أوائل فبراير، وانخفض أكثر منذ ذلك الحين– قد غيّرت حسابات ثيل. وربما يكون المستثمر الميكيافيلي الدقيق قد استنتج أخيراً أنَّ مقعد مجلس إدارة "ميتا"، ليس كما كان عليه من قبل.

على أي حال؛ يُمثّل رحيل ثيل من "فيسبوك" نهاية حقبة، سواء بالنسبة إلى الشركة أو إلى انتهاكات الخصوصية، والمعلومات المضللة التي نشأت في حقبته، فقد تبنّى ثيل، الذي جاء إلى التكنولوجيا من السياسة اليمينية الناشطة، فلسفة عمل آين راندي، التي انعكست في مساعيه الريادية (شركة المدفوعات عبر الإنترنت "باي بال"، وشركة مقاولات الدفاع "بالانتير")، وفي استثماره في "فيسبوك". كما ساعدت أفكار ثيل -على وجه الخصوص، تركيزه على النمو المفرط والتدمير الإبداعي، أو بحسب شعار "فيسبوك" المبكّر، "تحرك سريعاً وحطّم الأشياء"- في جعل زوكربيرغ واحداً من أغنى الأشخاص في العالم، وهي التي عزّزت تأثير ثيل.

المؤامرة.. والحقيقة

الجدير بالذكر أنَّه بعد عام 2016، وعندما لعب دوراً حاسماً في انتخاب ترمب؛ قاد ثيل "فيسبوك" نحو سياسة عدم التدخل في المعلومات الخاطئة، والتي استفاد منها الرئيس والحركة القومية التي نشأت من حوله. وحتى عندما أصبح من الواضح أنَّ نهج "فيسبوك" كان يُغذّي أتباع نظرية المؤامرة "كيو أنون" (QAnon)، والمشككين في اللقاح، فضلاً عن المتطرفين الآخرين، وحتى مع عدم قيام "فيسبوك" بالكثير لإيقاف وسائل التواصل الاجتماعي التي غذّت العنف العرقي في إثيوبيا وميانمار؛ دافع ثيل عن الشركة لأنّها رقيب على تجاوزات الحكومة، فقد قال في مؤتمر: "سوف أقبل نظريات المؤامرة مثل (كيو أنون)، و(بيتزاغيت) كل يوم، على أن أقبل وزارة الحقيقة". وكما هو الحال مع الكثير من انتقادات ثيل الانتقائية؛ كان التعليق محض هراء. فلا تحتاج "فيسبوك" إلى وزارة الحقيقة الأورويلية (نسبة إلى كتابات جورج أورويل عن الدولة الشمولية المستقبلية)- ولا أحد يجادل في ذلك؛ وعليها أن تفعل المزيد لوقف تضخيم التطرف والاستفادة منه.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

دعم ترمب مستمر

إلا أنَّ تعليقات ثيل لم تتخطَ الإطراء الخادع للأيديولوجيات التي أدّت إلى تمرد 6 يناير الفاشل في مبنى الكابيتول الأمريكي. وهو يدعم الآن اليمين المتطرف بشكل مباشر. فمنذ إعلانه عن مغادرته لشركة "ميتا"، أشار ثيل إلى أنَّه سيُركّز اهتمامه على انتخاب المرشحين المتحالفين مع ترمب في انتخابات التجديد النصفي في شهر نوفمبر. ومن بين هؤلاء، هناك اثنان من المقربين يتنافسان على مقاعد مجلس الشيوخ: جي دي فانس في ولاية أوهايو، وبليك ماسترز في ولاية أريزونا. وكلاهما يعِدان باستعادة عهد ترمب، ويزعمان أنَّ نتائج انتخابات 2020 كانت مزورة؛ كما يعِدان بسياسات هجرة متشددة، ووضع حد لما يرون أنَّها هيمنة ثقافية يسارية، بالإضافة إلى معارضة صلاحيات التخفيف من "كوفيد-19" (أشار ماسترز إلى ارتداء الكمامات في المدارس على أنَّه "إساءة معاملة الأطفال"؛ وحذّر فانس من "استبداد الدكتور فاوتشي").

من جانبه أشار ثيل، الذي أنفق 10 ملايين دولار على كل سباق انتخابي حتى الآن، إلى استعداده لإنفاق الأموال في سباقات انتخابية أخرى أيضاً، بما في ذلك منافسة هارييت هايغمان، النائبة الجمهورية عن ولاية وايومنغ التي تتحدى ليز تشيني بسبب قرارها إدانة ترمب لأفعاله في 6 يناير. وقد يرى شخص مثل ثيل، الذي يصف نفسه بأنَّه قومي ذو تفكير حر، أنَّ قرار تشيني الانفصال عن حزبها، والتصويت لعزل الرئيس السابق على خلفية تمرد فاشل، يحمل بصيصاً من البطولة. لكنْ كبديل من ذلك، وخلال حفل جمع تبرعات لصالح هايغمان أقيم في منزل ثيل في ميامي، والذي حضره دونالد ترمب جونيور كضيف، وصف ثيل، تشيني، بالخائنة.

المحرّض الرئيسي

في الواقع؛ فإنَّ ثيل هو محرّض رئيسي؛ فقد جذب الانتباه قبل سنوات عدة من خلال استخدام الافتراء ذاته ومن دون دليل، لوصف "غوغل" (Google). واستجاب الليبراليون حينها بقلق متوقَّع وبعض الغضب. أما الآن؛ فيقوم مستثمر التكنولوجيا الملياردير بالاستثمار في المرشحين الذين يهاجمون شرعية أقدم ديمقراطية في العالم، ومن المحتمل أن الأمر مزعج، على الرغم من أنَّه قد يعني أيضاً أنَّ ثيل يُقوّض صلاته بنفسه؛ فقد نشر جوش مارشال، محرر مجلة "توكينغ بوينتس ميمو" (Talking Points Memo) ذات الميول اليسارية، مازحاً على "تويتر"، أنَّ ثيل ترك "ميتا" "لقضاء المزيد من الوقت مع الفاشية".

لا ينبغي لأحد أن يتجاهل ثيل، الذي أثبت مراراً وتكراراً قدرته على التلاعب بعالم الأعمال والسياسة لجعل نفسه ثرياً. ومن ناحية أخرى؛ تجدر الإشارة إلى أنَّ مرشحَي ثيل، على عكس استثماراته في مجال التكنولوجيا، يظلان هامشيين. ففي أوائل فبراير؛ أصدرت لجنته للعمل السياسي في أوهايو استطلاعاً داخلياً للناخبين الأساسيين المحتملين، يُظهر فانس في صدارة القائمة. أما في ولاية أريزونا؛ فأظهر استطلاع للرأي أجري مؤخراً أنَّ ماسترز أقل من ذلك، فقد حقق 6% فقط بين الناخبين الأساسيين، مقارنة بـ25% لـِ مارك برنوفيتش، المدّعي العام للولاية.

الاعتماد على أهواء ترمب

بالإضافة إلى ذلك؛ يتودد ثيل ومرشحوه الآن إلى الرئيس السابق، الذي لم يصادق بعد على أي من السباقين، ومن المحتمل أن يصل بماسترز وفانس بالقرب من القمة؛ إلا أنَّ هذا يعني أنَّ طموحات ثيل السياسية تعتمد مرة أخرى، على أهواء ترمب. وفي ضوء ذلك، لا يبدو نشاطه محاولة لفرض أيديولوجية مثالية على الولايات المتحدة، بل أشبه بمسرحية جبانة للاستفادة من اللحظة الشعبوية الحالية. ومن بين مشاريع ثيل الأولى بعد "فيسبوك"؛ هناك موقع مواعدة عبر الإنترنت لمجموعة "ماغا" (MAGA) يحمل اسم "ذا رايت ستاف" (The Right Stuff)، أسسه أحد كبار مساعدي ترمب.

إلى جانب أنشطته في قطاع الملاطفة الحزبية؛ يمكن أن تساعد المناورات السياسية لـِ ثيل في ضمان استمرار السياسات الصديقة للملياردير في المستقبل المنظور، إذ قدّم كل من فانس وماسترز وعوداً باتخاذ إجراءات صارمة ضد شركات التكنولوجيا الكبرى -ليست مسألة كبيرة بالنسبة إلى ثيل الآن بعد أن أصبح خارج مجلس إدارة "ميتا"- وقد جادلا أيضاً بأنَّه يجب على الحكومة التراجع عن تنظيم العملات المشفَّرة، وهو المجال الذي كان ثيل نشطاً فيه.

بداية جديدة لـ"ميتا"

أما بالنسبة إلى "ميتا"؛ وبالنظر إلى أوجه معاناة الشركة في الآونة الأخيرة؛ فقد تقدِّم عملية إزالة ثيل شيئاً أقرب إلى بداية جديدة، وهي فرصة للانتقال من عقلية "تحرَّك سريعاً، وحطِّم الأشياء"، إذ يستحوذ تطبيق "فيسبوك"، والتطبيقات الشقيقة "إنستغرام"، و"واتساب" معاً على أكثر من 3 مليارات مستخدم في جميع أنحاء العالم، وما زالت هذه التطبيقات تسيطر على الثقافة والسياسة العالميتين. وفي حال أراد ذلك؛ يمكن أن يُقرّ زوكربيرغ أنَّ التعامل مع المعلومات المضللة لا يعني الاختيار بين "كيو أنون" وأورويل –كما يمكنه أن يأخذ الحركات المتطرفة التي تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي على محمل الجد، حتى في البلدان التي لا يمتلك فيها أحد ميزانية إعلانية كبيرة. ويمكنه أيضاً التعامل مع الخصوصية بجدية أكبر.

بالطبع؛ هناك أيضاً مسار ثيل، والذي يتضمن السعي الأحادي العقلية للسيطرة على السوق؛ وقد نجح هذا مع زوكربيرغ من قبل، إلا أنَّ تحوّل ثيل نحو فلوريدا، يشير إلى احتمال أنَّ الاستراتيجية قد وجدت حدودها أخيراً.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك