خلال السنوات الماضية، كانت اللحوم المصنَّعة، أو اللحوم النباتية، تباع في المتاجر الأمريكية على شكل برغر أو نقانق، إذ غالباً ما تكون مغلفة في علب داخل البرادات، وموضوعة إلى جانب اللحم الحقيقي. جذبت منتجات اللحوم النباتية الأولى التي صنَّعتها شركات مثل "بيوند ميت" (Beyond Meat)، و"إمبوسيبل فودز" (Impossible Foods)، وقائمة طويلة من الشركات المنافسة الكبيرة والصغيرة، اهتماماً إعلامياً كبيراً، وسجلت نمواً ضخماً. لكن، سرعان ما تبين أنَّه لا يمكن إبقاء الشهية مفتوحة بشكل مستدام على اللحوم النباتية.
اقرأ أيضاً: شركة ناشئة تقدم لحوماً نباتية باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد
بعد أن ارتفعت مبيعات اللحوم النباتية بنسبة 53% لتصل إلى 473 مليون دولار في عام 2020؛ لم يتجاوز هذا الارتفاع 1% في عام واحد 2021، بحسب شركة تحليل منتجات المستهلكين "آي آر آي وورلدوايد" (IRI Worldwide). وسواء كان ذلك بسبب عودة الناس إلى تناول الطعام في المطاعم، أو إلى زوال الطابع المستجد لبدائل اللحوم؛ فالنتيجة واحدة: على صانعي اللحوم النباتية أن يتقبلوا أنَّ منتجاتهم النباتية لن تكون العنصر الأساسي في أطباق الكثير من المستهلكين.
اقرأ المزيد: "بيوند ميت" تشعل ثورة البازلاء والبروتين
منتجات مبتكرة
لذا، بدأ المصنّعون في البحث عن خيارات بديلة عن مسألة اللحوم. فبديل اللحوم من شركة "إمبوسيبل" بات يدخل اليوم في مكونات "الرافيولي" من صنع شركة "بويتوني" (Buitoni)، فيما ستجدون نقانق "بيوند ميت" في بيتزا "بانزا" (Banza). هناك أيضاً شطيرة فطور مثلجة يمكن تسخينها في فرن الميكروويف المصنوعة من نقانق نباتية من إنتاج "فيلد روست" (Field Roast) وهي محضرة مع بيض نباتي من "إيت جاست" (Eat Just)، وجبن نباتي من "شاو كريمي" (Chao Creamery). كما أنَّ مجموعة اللحوم النباتية "سويت إيرث" (Sweet Earth) من "نستله" التي تُعدّ مكونات البيتزا لعلامتها التجارية الخاصة، تقدم منتجاتها كذلك ضمن مكونات مجموعتي "ديجيورنو" (DiGiorno)، و"كاليفورنيا بيتزا كيتشن" (California Pizza Kitchen) التابعتين للشركة.
اقرأ أيضاً: "نستله" تتجه إلى صناعة بدائل البروتين وتستثمر في "الدجاج المزيف"
يقول دينيس وودسايد، رئيس شركة "إمبوسيبل فودز" معلقاً على الاتفاق مع "بويتوني": "نرى فرصاً واسعة لمثل هذا النوع من التعاون". وتتضمن قائمة أهدافه إنتاج صلصات ووجبات جاهزة، و"جناحاً كاملاً من المأكولات المثلجة". وقال، إنَّ "إمبوسيبل" ما تزال تعمل من أجل تقديم منتجات مبتكرة مستخدمة التطورات التكنولوجية، مثل مساعيها المستمرة لمحاكاة صدر دجاج كامل. في غضون ذلك، من الأسهل إضافة اللحم النباتي المفروم إلى المعكرونة. وقال وودسايد: "نسعى إلى تحقيق النمو من خلال توسيع قائمة المنتجات المفرومة لكي تصبح جزءاً من كلّ شيء في المتاجر". وعزا ذلك جزئياً إلى أنَّ "الكثير من الناس لم يسمعوا بعد بـ(إمبوسيبل)".
تعاون مع علامات تجارية أخرى
اكتشف قطاع اللحوم النباتية أنَّه على الرغم من أنَّ الأمريكيين باتوا يمضون وقتاً أطول في المنزل في حقبة ما بعد جائحة "كورونا"؛ لكن ما يزال إعداد وجبة طعام يشكل أمراً مزعجاً لبعضهم. بالنسبة إلى الآخرين، وبالأخص الشباب الذين يتوجهون أكثر نحو هذه الفئة من المأكولات؛ قد يخافون من فكرة تحضير وجبة طعام بأنفسهم باستخدام مكوّن جديد كالبروتين المصنوع من البازلاء. بالتالي؛ فإنَّ استخدام هذه اللحوم النباتية كمكونات في الوجبات الجاهزة من صنع علامات تجارية أخرى، يتيح للشركات المنتجة لهذه اللحوم الاستفادة من الثقة التي تتمتع بها العلامات التجارية الشريكة لدى المتسوقين، بما أنَّهم يعرفونها من قبل.
في رأي جونا باركر، أخصائية المأكولات الجاهزة في "آي آر آي"، كان ازدهار اللحوم النباتية في عام 2020 نتيجة تلاقي عدة توجهات. إذ كان من المخطط زيادة توزيع اللحوم النباتية في متاجر البقالة حتى ما قبل الوباء، وبالتالي؛ كان المصنّعون جاهزين بشكل أفضل لمواجهة الإقبال على التخزين الذي أعقب تفشي فيروس كورونا. وقالت، إنَّه في ظلّ النقص في اللحم المفروم التقليدي، تشجع بعض المستهلكين غير المتوقَّعين لتجربة البدائل النباتية.
لم يكن النمو الضعيف في العام الماضي مفاجئاً بعد الوتيرة السريعة التي سُجلت في عام 2020، بحسب باركر. وهي ترى أنَّ هذا الانخفاض يعود في جزء منه إلى أنَّ الكثير من المتسوقين الذي اشتروا لحوماً نباتية للمرة الأولى لم يعودوا يشترونها مرة ثانية وثالثة، فنصف المستهلكين فقط الذين اشتروا لحوماً نباتية عادوا إلى شراء المزيد. وعزت ذلك في جزء منه إلى توفر الكثير من المنتجات في السوق، وليست كلها جيدة.
ضرورة التنويع
قال جي بي فروسارد، محلل المأكولات الاستهلاكية في "رابوبنك" (Rabobank)، إنَّه حان الوقت لصانعي اللحوم النباتية "كي يقدموا منتجات متنوعة غير وجبات الأطفال". وأضاف: "ثمة حدود لكمية البرغر التي نأكلها"، مشيراً إلى أنَّ قسم المأكولات المثلجة الذي يقدّم أطعمة متنوعة سهلة التحضير، هو "الفائز في الجائحة"، مما يعني أنَّه يجب أن يكون الهدف الرئيسي لشركات اللحوم النباتية.
فاقت مبيعات الشطيرة المصنوعة من نقانق "فيلد روست"، وبيض "جاست إيت" وجبن "شاو" التوقُّعات، بحسب دان كورتين، الرئيس السابق لشركة "غرينليف فودز" (Greenleaf Foods) المالكة لـ"فيلد روست" و"شاو". ومن جانبه، قال ديفيد يوينغ، الرئيس التنفيذي للمشروع الاجتماعي "غرين مانداي" (Green Monday) في هونغ كونغ، إنَّ بيع مأكولات جاهزة، بالأخص تلك المصنوعة مع شركاء معروفين، حققت نجاحاً في آسيا، إذ كانت شركته النباتية "أومنيبورك" (OmniPork) قد أقامت شراكة مع علامة "أموي" (Amoy) التجارية المعروفة من أجل بيع معجنات "دامبلنغ" المصنوعة من لحم الخنزير النباتي في الصين وهونغ كونغ. وقال يوينغ: "يمكن أن يجذب ذلك فئة أخرى من الناس ربما لا تكون تفكر بشكل مباشر ومتعمد بتجربة المنتجات النباتية". وأضاف: "هذا بالتأكيد يزيد من جاذبية المنتجات النباتية والإقبال عليها، مما يمكّنهما من توسيع قاعدتيهما".
فئة جديدة من المستهلكين
بالنسبة إلى شركة "ثرايف ماركت" (Thrive Marke)؛ وهي شركة متخصصة في بيع المنتجات الطبيعية والعضوية عبر الإنترنت؛ فإنَّ وجباتها المثلجة المصنوعة بواسطة مكونات من "بيوند ميت" باتت "تتصدّر فئتنا"، بحسب جيريمايا ماكيلوي، المسؤول التسويقي الأعلى في "ثرايف". وقال: "هي تجذب جمهوراً جديداً من الأشخاص من أشباه النباتيين، والأشخاص الذين يأكلون اللحوم والنبات ممن يرغبون في تناول المزيد من المأكولات النباتية".
هذه النقلة نحو استخدام اللحوم النباتية كمكونات ضمن الوجبات، لا تعني بالضرورة مستقبلاً لامعاً لكل الشركات الناشئة التي تتزاحم لإنتاج اللحوم النباتية، بحسب ميشال سيمون، الاستشارية في القطاع ومؤسسة رابطة المأكولات النباتية. وقالت: "بالنسبة إليَّ، الأمر يؤشر إلى التسليع المستقبلي لهذه المنتجات". باتت شركات اللحم التقليدي الكبرى تمتلك اليوم أقساماً مخصصة للحوم النباتية، وهي ستقوم على الأرجح بعرض منتجاتها بأسعار أرخص من الشركات الناشئة الجديدة المتخصصة في اللحوم النباتية. وأضافت سيمون: "في مرحلة ما، ستأتي شركة (تايسونز)، وتقول: نستطيع بيعك خليط نقانق يشبهه جداً بنصف السعر".