أمضى 8 سنوات يستهدف من بلغ به اليأس حد أن يدفع فائدة فاقت أحياناً 1000% وبعدها سنة سجن

المُرابي الذي أطلقه ترمب من سجنه عاد ليقرض المال

صورة تعبيرية عن المرابي جوناثان براون - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية عن المرابي جوناثان براون - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

كان جوناثان براون مرابياً ضارياً واسع النشاط قبل سجنه، وقبل أن يأمر الرئيس دونالد ترمب بإطلاقه. أقرض زهاء 80 مليون دولار لأصحاب أعمال صغيرة في شتى أنحاء الولايات المتحدة خلال ثماني سنوات، مستهدفاً من بلغ به اليأس أن يقبل أسعار فائدة مفرطة فاقت أحياناً 1000% في السنة. كما كان يضغط عليهم لمزيد من المال عند تأخرهم المحتوم بالسداد. كان يتنمر على بعضهم ويهدد بعضهم الآخر، فقد قال لأحد عملائه في حوار يُسمع في تسجيل فيديو: "أنت وضيع. أنت ميت. أنت ميت في نظرنا جميعاً. أنت محض قذارة ويجب أن تخر صريعاً." كما استخدم أحياناً حيلاً قانونية مريبة لاستنزاف حساباتهم المصرفية.

هل يرقى غش عائلة ترمب لكسب المال إلى الاحتيال؟

حتى حين اشتكى مقترضون في المحكمة أنَّ تهديداته أفزعتهم، وأنَّ نهبه لهم أحاق بهم الدمار، لم يواجه براون أي عقاب. لم يكن السبب جهل السلطات حوله، فقد كان يعمل مرابياً إبان إطلاقه بكفالة بعد احتجازه في 2010 بتهم فيدرالية منفصلة تتعلق بتسويق المخدرات، وكان يطوق كاحله جهاز تتبع إلكتروني تراقبه وزارة العدل الأمريكية. كما أُجلت محاكمته لسنوات دونما تفسير.

الملياردير بروكمان متهم بمواصلة إخفاء أصول في قضية تهرب ضريبي

بدا أنَّ نشاط براون غير المتوقَّع تحت أنظار الحكومة انتهى في 2020 حين أُرسل أخيراً إلى سجن الى الشمال من مدينة نيويورك لتنفيذ عقوبة سجن لمدة 10 سنوات نتيجة التهم المتعلقة بالمخدرات. أثناء سجنه، رفعت المدعية العامة في نيويورك دعوى عليه بتهمة الربا والاحتيال والمضايقة المتعلقة بقروضه. حصل براون في يناير 2021 على عفو من ترمب في اللحظة الأخيرة، فقد خُففت عقوبته ثم أطلق. كان عنوان خبر صحيفة "نيويورك تايمز" على صفحتها الأولى حول الأمر كما يلي: "عفو يطلق مهرباً معروفاً بعنفه وتهديداته".

أنت وضيع. أنت ميت. أنت ميت في نظرنا جميعاً. أنت محض قذارة، ويجب أن تخر صريعاً.

بلا شرح

لم يشرح ترمب سبب إطلاق سراح براون، الذي ورد اسمه الأول مغلوطاً في بيان للبيت الأبيض مع مبالغة حول المدة التي أمضاها في السجن، كما خلا من ذكر الدعوى القضائية الجارية التي رفعتها المدعية العامة ضده. قال البيت الأبيض: "لدى إطلاقه، سيبحث السيد براون عن عمل لإعالة زوجته وأطفاله". فيما قال شخص على دراية بالأمر، أنَّ براون أبلغ ضابط المراقبة الموكل به أنَّه سيعمل لدى رئيس دائرة تنظيف.

لكنَّ شركاء ومنافسي براون يتهامسون بأنَّه عاد مباشرة لإقراض المال لأشخاص غاية في اليأس. بدأ وشاة قبل بضعة أشهر بإرسال أسماء شركات لي، وقد قالوا، أنَّه بدأ بإدارتها. كشف البحث في سجلات المحكمة عن شبكة تضم ما لا يقل عن 12 كياناً تقدم الأموال بفوائد مرتفعة، وتقاضي العديد من المقترضين.

مقاضاة "باي بال" بسبب تجميدها حسابات عملاء دون مبرر

أظهر حصر الديون في القضايا أنَّ الشركات أقرضت ما لا يقل عن 17 مليون دولار منذ إطلاق براون، وهذا لا يشمل إلا القروض التي بلغت المحاكم. لم يكن اسم براون على أي من الأوراق القانونية، لكنَّ الوشاة أبلغوني أنَّه كان مسؤولاً عن العملية برمتها، ووجهوني إلى عنوان في حي "بورو بارك"، وهو حي يهودي أرثوذكسي في وسط بروكلين.

قال أحد المصادر، إنَّ براون كان يتردد على ذاك المكان كل يوم في حوالي الساعة العاشرة صباحاً في سيارة "بنتلي بينتايغا" بيضاء. لذا في صباح يوم خميس من شهر نوفمبر انتظرت في شارع قبالة مبنى من الآجر من طابقين يحتل طابقه الأرضي مخبز ومتجر بضائع لليهود.

رأيته في تمام الساعة 10:47 صباحاً. رجل نحيل أصلع يبلغ عمره 38 عاماً، كانت سمرته محمرة، يرتدي سترة رياضية زرقاء، ويقود سيارة بنتلي بيضاء كما قالوا. قاد سيارته نحو المبنى، وتوقف مطلقاً بوق سيارته نحو 10 مرات لتنبيه شخص يسد المنحدر نحو مرآب تحت الأرض. حين نظر لأعلى، كان لا لبس عندئذ بأنَّها عيناه بتقاربهما؛ لقد عاد براون.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

الشروط غير مستوفاة

يتراكم لدى وزارة العدل نحو 18,292 طلب عفو، أو طلب تخفيف رئاسي، ويفحص محامو الحكومة الطلبات، بحثاً عن مرتكبي الجرائم غير العنيفين الذين يقضون أحكاماً طويلة غير عادلة، والسجناء الذين يعانون مرضاً خطيراً أو من الشيخوخة، فضلاً عن أشخاص أظهروا أنّهم غيروا سننهم، ثم يمررونها إلى البيت الأبيض.

لم يكن براون قابلاً للترشيح، فقد اتهمه الادعاء بأنَّه تاجر مخدرات بكميات كبيرة، وقد نسق مع جماعة "هيلز إنجلز" (Hells Angels)، وجماعات جريمة منظمة أخرى لنقل 6 ملايين دولار من الماريغوانا أسبوعياً عبر الحدود الكندية إلى الولايات المتحدة. قال الادعاء، إنَّه لجأ في بعض الأحيان للعنف، كما كان ما يزال يواجه الدعوى المرفوعة من المدعية العامة في نيويورك ليتيتيا جيمس، التي نعتته "مُرابياً من طراز حديث". قاضاه شخص إبان حبسه قال، إنَّ براون خدعه بمراهنات رياضية غير قانونية. ينفي براون كل هذه المزاعم.

لوبي "الماريجوانا" بأمريكا يترقب تعيين "قيصر المخدرات" في البيت الأبيض

لحُسن حظ براون، كان نهج عفو ترمب عشوائياً، كما كان حال بقية جوانب رئاسته. برغم اعتراض الموالين للإدارة على ذلك، يبدو أنَّ ترمب تجاهل في الغالب الإجراءات الرسمية. بدلاً عن ذلك، خفف عمن شاء، بمن فيهم الأصدقاء، ومن دفعوا أتعاباً ضخمة لمنسوبيه.

قالت نشرة "فيدرال سنتسنغ ريبورتر" (Federal Sentencing Reporter) القانونية، إنَّ نحو 25 فقط من 238 من قرارات عفو وتخفيف كان قد أصدرها ترمب؛ خضعت لمراجعة رسمية.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

عفو للبيع؟

من مزاعم الفساد المتأتي عبر هذا المنهج تبرز التالية لشدة وضوحها: جون كيرياكو، وهو ضابط سابق في وكالة المخابرات المركزية أُدين بتسريب أسرار للصحفيين، قال أنَّ أحد منسوبي رودي جولياني عرض عليه أن يبيعه عفواً مقابل مليوني دولار. نفى جولياني ذلك، ولم تتصل متحدثة باسم ترمب استجابة لمحاولة الاتصال بها.

بدت عائلة براون حريصة التزلف لترمب. لجأت إلى آلان ديرشوفيتز، الوجه التلفزيوني القانوني، وأستاذ القانون في كلية الحقوق بجامعة هارفارد الذي مثّل ترمب في أول محاكمة لعزله. كان ديرشوفيتز يساعد العديد من الأشخاص الآخرين الذين يسعون للحصول على تخفيف، بما في ذلك من يحتال بالعقارات، والمحكوم عليهم بالإعدام. أخبرني أنَّ والد براون كان يتصل به بانتظام أيام الجمعة قبل غروب الشمس، مناشداً إيمانهم اليهودي المشترك.

ألا يعد منح 200 مليون دولار لمن أبلغ عن سلوك سيئ أمراً جنونياً؟

يقول منسوبو براون أنَّه تفاخر بدفع ملايين الدولارات للعديد من الوسطاء أصحاب الصلة مع ترمب لضمان العفو. لكنَّ ديرشوفيتز أخبرني أنَّه تولى قضية براون مجاناً، كما فعل مع العديد من المدانين الآخرين. قال ديرشوفيتز: "لم يأخذ أي محام في التاريخ الأمريكي نسبة قضايا مجانية في حياته المهنية أعلى مني... لا جون آدامز، ولا أبراهام لينكون، ولا ثورغود مارشال". أقر ديرشوفيتز في وقت لاحق من المحادثة بأنَّه ربما تلقى أتعاباً ضئيلة من منظمة يهودية لتغطية نفقاته. قال، إنَّه لم يتذكر من دفع له، أو كم كان المبلغ بالتحديد.

فاجأ إطلاق سراح براون الكثيرين في مجاله، والذي يُسمى تلطفاً بأعمال "تلسيف التجار". إنَّها صناعة تتكون من مندوبي مبيعات يتحدثون بسرعة، وكثيراً ما يعملون من مكاتب متواضعة في الحي المالي في مانهاتن والأطراف الخارجية لبروكلين، إذ يعرضون عاجل المال لأصحاب الأعمال الصغيرة اليائسين.

معدلات الفائدة لديهم أعلى مما فرضه مُرابو قروض المافيا ذات مرة، لكنَّهم يحتالون على قوانين الربا بالقول، إنَّهم لا يقرضون على الإطلاق، بل إنَّهم يشترون الأموال التي ستجنيها الشركات في المستقبل بسعر مخفض. إذ تقبل المحاكم بشكل عام هذا المنطق.

المنافسون يخشونه

كنت أسمع عن براون منذ 2014 حين بدأت الكتابة عن مجال نشاطه. حتى أنَّ المنافسين الذين دافعوا عن أخلاقيات فرض أسعار فائدة بنسبة 1000% وصفوا تكتيكاته بأنَّها غير معقولة. اشتكى المقرضون من أنَّ براون يعثر على عملائهم ويخدعهم قبل أن يتسنى لهم تحصيل قروضهم منهم. لكنَّهم كانوا يخشونه، وكانوا يتقوقعون حين أسألهم إن كانوا مستعدين أن ينسب لهم ما يقولون بأسمائهم. يبدو أنَّ خلفيته في الاتجار بالمخدرات ساعدته، فأي شخص يبحث عبر "غوغل" سيجد أنَّه متهم بجلد أحد منسوبيه بحزام، كما أنَّ أحد شركائه بالتهمة عُثر عليه وهو ميت جراء جرح طلقة في سيارة محترقة في لوس أنجلوس. كما سيجدون أنَّ صحيفة "نيويورك بوست" أُطلقت عليها اسم "تاجر المخدرات ابن أمه" لأَّنه كان يقيم مع والديه.

مُخبر يحصل على 36 مليون دولار من جهة تنظيمية أمريكية

يشتبه بعضهم في أنَّ براون كان مخبراً، وأنَّه لا بد أنَّه حظي بدعم مكتوم من سلطات إنفاذ القانون. قال أحد المديرين التنفيذيين للتسليف النقدي في 2018: "إنَّه لا يعرف الخوف. إما أنَّه مجنون، أو يعرف أنَّ هناك من يحميه".

حين تمعنت في إقراضات براون؛ علمت أنَّه من أكثر المستخدمين لأداة قانونية غامضة تسمى الإقرار بقبول الحكم، التي استخدمها عبر نظام محاكم ولاية نيويورك لأخذ المال من حسابات المقترضين المصرفية. يجب على عملائه قبل الحصول على قرض التوقيع على بيان يتخلون فيه عن حقهم في الدفاع عن أنفسهم في المحكمة. يستطيع براون اتهام المقترض بعدم السداد إن أشهر الإقرار، حتى دون تقديم أي دليل، ثم يصادر أصولهم بشكل قانوني قبل أن يعرفوا ما حل بهم. أخبرني العديد من عملائه أنَّه أخلّ باستخدام هذه السلطة، وأخذ أكثر من دَينه.

"سنلاحق أسرتك"

جعلت العدوانية من براون مرعباً للمدينين. قال بعضهم، إنَّه يقدم على تهديدهم بالضرب أو بإيذاء أسرهم. بيّنت أوراق محكمة أنَّ براون قال لأحدهم بعدما صار يحمل سلاحاً: "أنت لا تعرف من الذي تتعامل معه، ويمكننا أن نطالك في أي مكان". وقال لآخر: "نعلم أين تسكن... سنلاحق أسرتك".

في ذلك الوقت، ومع تجاهل براون لمكالماتي ورسائل البريد الإلكتروني، توقفت عند مكتبه في الطابق الثاني عشر في برج مهمل في وسط مدينة مانهاتن. وبّخني على مسمع عشرة موظفين، وصرخ لدرجة أنَّ لعابه تطاير مع كلماته: "من أنت؟ أتظن نفسك المفتش كادجيت الوضيع؟" إشارة إلى شخصية أفلام الكرتون.

بحكم أمريكي.. عمالقة النفط أبرياء من دعاوى متعلقة بتغير المناخ

ثم قال، إنَّه بحاجة لسيجارة، وطلب مني أن أتبعه إلى سطح المبنى. فاقترحتُ أن ننزل إلى الشارع. حين وصلنا إلى الطابق السفلي، وهدأ براون بعد تدخينه عدة سجائر "نيوبورت" الواحدة تلو الأخرى تحول الى الشكوى. يبدو أنَّ كلامه بطريقة العصابات كان تمثيلاً، أو أنَّه قادر على ضبطه حين يشاء. أنكر خلال حوار استمر نحو ساعتين أنَّه خدع أو هدد أي شخص. أوحى أنَّني أرغب بإيذاء أسرته، وقال إنَّني كنت أتعمد مضايقته، ثم قال أنَّه يجب عليّ أن أعمل معه.

نشرت قصتي عن براون في ديسمبر 2018، كجزء من سلسلة كتبتها مع زاكري ميدر حول الانتهاكات في صناعة التسليف النقدي. بدأت السلسلة بقصة احتلت غلاف "بلومبرغ بيزنس ويك"، وأثارت ضجة بين مُشرعي ولاية نيويورك. بعد بضعة أشهر انتهت التأخيرات في قضية براون حول الإتجار بالمخدرات. ربما كان توقيت ذلك مصادفة، لكن لا يبدو أنَّ براون يعتقد ذلك. عُقدت جلسة للنطق بالحكم في المحكمة الفيدرالية في بروكلين في 28 مايو 2019. حدّق براون بي لدى دخوله وقال ببطء: "زيك فوكس".

قاضية يقظة

كان براون يواجه احتمال حكم سجن لعقود، لكنَّه لم يبد قلقاً. كان قد أخبرني اثنان من مهربي المخدرات في رسائل من السجن، أنَّ براون كان مخبراً. بيّن الشخص الذي تحدث معه بشكل مكثف أنَّه براون يتوقَّع أن يُطلق سراحه بعد السجن بسبب المعلومات التي قدمها. أعلن محامي براون للمحكمة، أنَّه وضع ماضيه وراء ظهره وأصبح الآن "رجل أعمال ناجح" وزوجاً وأباً مسؤولاً.

قال براون: "حضرة القاضية، أردت فقط إعلامك أنت والمحكمة أنني آسف حقاً على أخطائي في الماضي، لقد تغيرت كثيراً منذئذ. لدي العديد والعديد من الأسباب لمواصلة العمل الصائب في المستقبل وفقاً لنمط حياتي الحالي".

المحاكم الأمريكية تعجُّ بدعاوى التعويضات ضد شركات التبغ

لكنَّ القاضية كيو ماتسوموتو، قالت، إنَّها تلقت رسائل من مجهول تنبهها لدعاوى مدنية ضد براون. ادعى رجل في إحدى هذه الدعاوى أنَّ براون دفعه من فوق شرفة أرضية، فيما قال أحد المقترضين إنَّ براون هدده بالعنف. سألت ماتسوموتو المدعي العام كريغ هيرين عما إذا كان براون قد فعل أي شيء خلال سنوات إطلاقه بكفالة يستدعي عقوبة أطول. قال هيرين، إنَّه لا يعتقد ذلك.

قال هيرين: "أعتقد أنَّ تحقيقاً دقيقاً إلى حد ما حول ذلك قد كان... لقد التقينا بالسيد براون أيضاً، وتحدثنا إليه مباشرة بشأن السلوك، ومن الواضح أنَّه نفى ذلك".

لم تقتنع القاضية، وحكمت على براون بالسجن 10 سنوات. بدا أصدقاء براون وأفراد عائلته مصدومين. سمحت ماتسوموتو لـ براون ببضعة أشهر لترتيب شؤونه قبل تسليم نفسه للسجن. حين خرج الجميع من قاعة المحكمة، واجهني براون مرة أخرى، وصرخ: "هذا الرجل وضيع.... فأنت تعرف ما أنت فاعل."

طباخ خاص

كان السجن مخفَّف الحراسة في منطقة أوتيسفيل في ولاية نيويورك، وقد قضى براون فيه عاماً واحداً، وقد كان يمثل الوجهة المفضلة للمجرمين اليهود من ذوي الياقات البيضاء الذين خانهم الحظ، وانتهى بهم المطاف خلف القضبان. كما أنَّ حاخاماً أرثوذكسياً كان يؤدي الصلوات في كنيس صغير تغطي جدرانه النصوص العبرية. يدون لورانس دريسلر- المحامي الذي سُجن لفترة، وهو قد اتهم بالاحتيال في الرهن العقاري- مجريات الأحداث في أوتيسفيل مستخدماً لقبه في السجن، وهو "لاري نودلز"، ويتذكر الاحتفال بالمناسبات الدينية مع وجبات تضمنت خبز الشله، والحمص الطازج، وكرات السمك.

دعوى قضائية ضد تطبيق تعارف "إسلامي" بزعم الانتهاك التجاري

وكان من بين زملائه في السجن محامي ترمب السابق مايكل كوهين، ورئيس برلمان ولاية نيويورك شيلدون سيلفر. يبدو أنَّ براون، الذي حضر الصلوات في كنيس إسرائيل الفتية في جزيرة ستاتين في الخارج، تأقلم بما يكفي. قال رجلان كانا هناك حينها، إنَّ زواره جاؤوا في سيارات بنتلي يرتدون الملابس من دار غوتشي، وقد كان أحد السجناء يطبخ له الوجبات بخضروات مهربة.

خرج براون من سجن أوتيسفيل في 20 يناير 2021 يوم تنصيب جو بايدن. أخبر صديقاً أنَّه يخطط للتوقف للعناية بقدميه وأظافره في طريق عودته إلى بروكلين، لأنَّ عائلته أرسلت دعوات في اللحظة الأخيرة لاحتفال بحريته. في تلك الليلة، في أحد أماكن المناسبات في بورو بارك، أدى المغني الإسرائيلي الشهير آفي بيريتس دور بائع سُلف نقدية للتجار الذي يستوقف براون ليطلب منه النصيحة.

بدأت تردني إخباريات عنه بعد بضعة أشهر على شكل رسائل مباشرة، ورسائل نصية، ومكالمات في وقت متأخر من الليل. كتب أحدهم: "أخبرني إذا كنت بحاجة إلى أي معلومات عن جون براون". وكتب آخر في رسالة نصية: "اطّلاعك لا يوازي في عمقه رؤية قمة جبل جليدي أساسه تحت الماء". بدأت بالاتصال بكل شخص من محيط براون، في النهاية أفاد ثمانية من شركائه الحاليين والسابقين في العمل، مع أصدقائه بتفاصيل عن نشاط براون الجديد في بورو بارك. طلب معظمهم عدم كشف هوياتهم، لأنَّهم يخشونه.

أخبروني أنَّ نحو 25 رجلاً يعملون عبر الهاتف في الطابق الثاني من هذا المبنى الجيري في الجادة 13 في بروكلين. بعضهم يداهن العملاء المحتملين، كما أنَّ بعضهم يرهب من تخلف عن السداد. يستخدم معظمهم أسماءً مستعارة عند التحدث مع العملاء، وبعضهم لا يعرف أسماء الآخرين الحقيقية. يجلس براون في غرفة بلا نوافذ بعيداً عن المساحة الرئيسية يدخن سيجارة إلكترونية، أو سجائر "نيوبورت"، في حين يراجع كشوف الحسابات المصرفية للمقترضين.

وراء الكواليس

لا يتحدث براون مع العملاء عبر الهاتف كثيراً، وهو حريص على عدم توقيع اسمه على أي مستندات، وفقاً لشركائه التجاريين الحاليين والسابقين. يعمل اثنان من أبناء عمومته كمساعدين كبار له. لكنَّ المصادر قالت، إنَّ براون هو من يقرر من سيحصل على قرض، وبأي نسبة فائدة، وكيفية تحصيل الديون.

العملاء هم سائقو شاحنات، ومقاولون، وشركات تنظيف، وجزارون من مدن كبرى وبلدات صغيرة امتداداً من تكساس إلى نيويورك. قال المقترضون في المقابلات، إنَّهم عرفوا أنَّهم أقبلوا على ديون مُكلفة. لكن بعضهم قال، إنَّ مندوبي المبيعات خدعوهم بوعد أن يحصلوا على قرضٍ ثانٍ أرخص بمجرد سداد القرض الأول أو سرقوهم عبر حجز ما يصل إلى ثلث مبلغ القرض لقاء رسوم مخفية. أفضل القروض لم تتحقق. بدا الأمر مشابهاً إلى حد كبير لنشاط براون في الإقراض.

"فتيان الإسترليني" يتسببون لبنوكهم بغرامة 390 مليون دولار

قال بريان ماسي، ميكانيكي في مدينة ممفيس: "هؤلاء الرجال يفترسون أشخاصاً مثلي ممن يضخون الكثير من المال في أعمالهم بشكل أضعف سجلهم الائتماني". قال، إنَّه حصل على وعد بقرض 20 ألف دولار بشروط جيدة، وانتهى به الأمر بمبلغ 7 آلاف دولار بمعدل فائدة سنوية قدرها 3,424%. قال، إنَّه في يناير؛ بعد أن غلبته مدفوعات هذا الدين والسلف النقدية الأخرى؛ قد أغلق متجره ليعمل حارساً.

روى آخرون أيضاً أنَّهم اضطروا لتسريح موظفين، أو اقتراض أموال من آخرين، أو إغلاق أعمالهم. انتحر أحدهم، وهو مدير توظيف، في مايو تاركاً مذكرة تشير إلى أنَّه مر بضائقة مالية، وفقاً لتقرير المُحقق. لكن أخبرني أصدقاء المدير المنتحر أنَّ قلقه الرئيسي كان بسبب دينٍ أكبر يدين به لمرابٍ مرتبط بالمافيا في فلوريدا.

الشيطان في التفاصيل

نادراً ما يستخدم براون الآن الإقرار بحكم لتحصيل ديونه بعد تقييد هذه الآلية بشدة في نيويورك. لكنَّه وجد حيلة مشابهة في ولاية مجاورة. استخدمت شركات ذات صلة ببراون، بما فيها "ماتريكس أدفانس" (Matrix Advance)، و"بريدج فاندينغ كاب" (Bridge Funding Cap)، و"غوفاند أدفانس" (Gofund Advance) في أكثر من 100 قضية في إحدى محاكم ولاية كونيكتيكت إجراءً قانونياً يسمى مرفقات ما قبل الأحكام. يعتمد هذا الإجراء على بند في حاشية المستندات التي يجب على المقترضين توقيعها للحصول على القرض، إذ يسمح للمحامي بدخول حساباتهم المصرفية لجعل ودائعهم غير متاحة لهم. يوافق المُقترض عادةً على إجراء تسوية وفقاً لشروط يمليها بروان لكونه يحتجز أموالهم كرهينة.

اتهام طيار سابق في "بوينغ" بخداع المنظمين حيال طراز "ماكس"

هذا ما حدث لـِ مارفن جاكسون، صاحب شركة شاحنات في مدينة راوند روك في ولاية تكساس، الذي أطلق على شركته "أميزينغ غريس كاريير" (Amazing Grace Carrier) على اسم أغنية جدته المفضلة في الكنيسة. وافق جاكسون على اقتراض 15000 دولار من شركة "فاندورا كابيتال" (Fundura Capital) في يونيو، وسداد فائدة قدرها 799 دولاراً في اليوم. تلقى جاكسون 11000 دولار فقط بعد اقتطاع الرسوم. بعد ثلاثة أسابيع من تخلفه عن السداد؛ استخدمت شركة "فاندورا كابيتال" مرفقات ما قبل الحكم لإغلاق حسابه المصرفي. كما رفعت الشركة دعوى قضائية عليه للمطالبة بتعويض قدره 25,495 دولاراً، أكثر من ضعف المبلغ الذي حصل عليه. وافق جاكسون بسرعة على التسوية. قال: "أنا شركة صغيرة تحاول الانطلاق، وهم كانوا يحاولون دفني".

براون الأسطورة

وقّع سرولي غيتر، كهربائي سابق أصبح الآن أحد كبار الباعة لدى براون، وفقاً للمصادر المطلعة على الشركة، على إحدى وثائق المحكمة في قضية جاكسون. لكن عندما اتصلتُ به، نفى أي صلة له ببراون. قال غيتر: "لست أعلم من هو جوناثان براون". لم يكن هذا مُقنعاً، لأنَّه بناءً على وصف من أحد المرشدين، كنت متأكداً من أنني رأيته يصل إلى مبنى بورو بارك في سيارته من نوع بنتلي. اعترف بعد الإلحاح فقط بأنه يعرف عن براون قائلاً: "بحسب ما سمعت فهو أسطورة".

لم تكن قصص الباعة أكثر مصداقية، فقد أقر جوزيف كروين، بائع سيارات سابق كان قد وقّع أوراق المحكمة لبعض الشركات في الشبكة، بأنَّه عمل مع براون. لكنَّه قال، إنَّ براون كان مجرد مستشار نصحه حول أفضل سبل التعامل مع الناس. قال كروين: "إنَّه يعرف ما يريده الناس، ويعرف كيف يقرأ الناس، وكيف يجعل الناس يعيشون في سلام". في حين قال بائع ثالث، إنَّ وجود براون كمستشار يشبه الحصول على نصائح الأسهم من وارن بافيت. وأضاف: "سيكون من الغباء ألا تأخذ بنصيحته".

محامو مديرة "هواوي" المالية يتهمون إدارة "بايدن" باتباع نهج "ترمب"

أعطاني أحد المرشدين رقم هاتف براون الجديد، واتصلت به في نوفمبر. أنهى الاتصال معي في البداية، لكن حين تحدثنا لاحقاً؛ قال إنَّه يعرف كل شيء حول إعدادي لتقرير أخيراً. أضاف أنَّه سمع تسجيلات لي، وأنا أطرح أسئلة بناءً على ما وصفه بمعلومات زائفة، وقال أن يعرف مصادري. كما أنَّه أرسل رسالة نصية تحمل صورة لي وأنا جالس في مكتب صهره، الذي يدير أيضاً شركة تسليف نقدي للتجار، التقطها شخص ما خلسة. قال براون: "لقد ذهبت إلى صهري المدمن على المخدرات والكحول، ولا أعرف ما هي مشكلته معي، لكنَّه اختلق الكثير من الأمور". نفى صهره مزاعم تعاطي المخدرات، لكنَّه قال، إنَّه لا يريد قول المزيد، لأنَّ والدته ستغضب.

تساعده المحاكم

أقر براون بالعمل في شركة تقدِّم استشارات لشركات التسليف النقدية، لكنَّه رفض أن يسميها. قال، إنَّه لم يرفع قضايا الحجز المسبق في ولاية كونيتيكت، ونفى خداع أي شخص على الإطلاق. أضاف براون: "أنا بالتأكيد لا أخالف القانون على الإطلاق... إنني أبذل قصارى جهدي لعدم الانخراط بأي خدع على الإطلاق".

برغم الدمار الذي يزعم المقترضون أنَّ براون تسبّب به، نادراً ما يلجمه نظام المحاكم، بل إنَّه يساعده في أحيان أكثر على تحصيل ديونه. كما أنَّ العقود التي يوقِّعها المقترضون مليئة بكثير من الحواشي العقابية، وهي مطبوعة بحروف صغيرة، تسمح له بفعل أي شيء يريده تقريباً. حكم قاضٍ في 2018 بأنَّ شركة براون تحايلت على سباك لكن كانت العقوبة ببساطة؛ هي إعادة المال له.

التهرب الضريبي يكبّد مدير صندوق تحوط 105 ملايين دولار

رفض المدعون الفيدراليون في بروكلين، الذين تعاملوا مع قضية تهريب المخدرات لِـ براون، التعليق على ما إذا كانوا قد نظروا في قروضه. ولم يسفر التحقيق الجنائي الذي أجرته إدارة شرطة مدينة نيويورك قبل الحكم بسجن براون عن أي نتيجة. كما أجرى المحقق جوزيف نيكولوسي مقابلات مع آخرين في صناعة التسليف النقدي حول براون، حتى أنَّه أوقف طائرة خاصة على المدرج في مطار نيوجيرسي للتحدث مع منسوبيه، وفقاً لبعض الأشخاص المعنيين.

قال المحامي الذي كان يمثل مجموعة مختلفة من شركاء براون، في جلسة استماع في المحكمة في قضية مدنية في أغسطس 2020، إنَّ المدعي الفيدرالي في مانهاتن كان يخطط لتقديم تهم جنائية بناءً على نتائج توصل لها نيكولوسي. لكن بعد مرور عام ونصف؛ لم تظهر أي قضية جنائية، ولم يقل أحد ممن تحدثتُ إليهم عن أي تفاعل من السلطات منذ خروج براون من السجن. امتنع نيكولوسي والمدعي العام في مانهاتن لويس بيليغرينو عن التعليق.

مهرب ادعاء الإفلاس

أثناء وجود براون في السجن، رفعت عليه لجنة التجارة الفيدرالية دعوى قضائية بشأن ممارسات الإقراض الخاصة به. نفى براون ارتكاب أي مخالفات في القضية قيد النظر. فاتته المواعيد النهائية للرد على الدعوى التي رفعها المدعي العام في نيويورك ضده، وتسعى الولاية الآن للحصول على حكم غيابي بقيمة 77 مليون دولار. لكن قد يصعب تحصيل تلك الأموال من شخص يعرف كل خصوصيات وعموميات قانون تحصيل الديون، خاصةً أنَّ المدعي العام لا يمكنه اللجوء للحيل القانونية التي يستخدمها براون. يقول المنسوبون لـ براون، إنَّه لا يحتفظ بأصول مسجلة باسمه، وإذا قام بتقييم العقوبة، فيمكنه أن يدعي الفقر، ويتجنب دفعها.

تاجر مجوهرات يُقر بالاحتيال وجمع 200 مليون دولار على طريقة "بونزي" في نيويورك

لا يعني هذا أنَّه مفلس. كما أنَّ هناك صورة له التقطت أخيراً وهو ينتعل خفافة من تصميم "غوتشي"، وما ظهر على أنَّها ساعة من "باتك فيليب" طراز "أكوانوت" تبلغ قيمتها نحو 120 ألف دولار. كما أنَّه يبني قصراً على مساحة 20,000 قدم مربع في قرية لورانس بولاية نيويورك على الشاطئ الجنوبي لجزيرة لونغ آيلاند. رسمياً، تمتلك زوجته القصر، لكنَّه تفاخر به أمام أصحابه. يتذكر أحد سجناء أوتيسفيل كيف مدّ براون مخطط القصر الهندسي على طاولة في غرفة مشتركة ليراجع تفاصيله بفخر. أظهرت المخططات المودعة لدى إدارة الأبنية بالقرية أنَّ القصر سيضم 10 غرف نوم، و14 حماماً، فضلاً عن مصعدين أحدهما للسيارات، مع رسم يشابه سيارة بنتلي مركونة بجواره.

سافر براون إلى ميامي في يوليو لحضور حفل زفاف أحد أقاربه. قال ضيف آخر، إنَّهم سمعوه يتفاخر بالأموال التي كان يجنيها من التسليف النقدي. خلال نخوب الزفاف، ابتسم براون، في حين كان الإشبين يمزح بشأن الفترة التي قضاها في السجن. قال الرجل: "أرى إيتسيك من إسرائيل، والسيد كريس الآتي من المكسيك، وكاميلو معنا من كولومبيا، ولكن الأكثر إدهاشاً أنَّ جون براون موجود هنا، وقد قطع الطريق الطويلة من أوتيسفيل!". أضاف: "شكراً للرئيس دونالد ترمب".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات