لا يمكن القول إن عام 2021 كان عاماً هادئاً؛ فقد حدث خلاله اقتحام مبنى الكابيتول (الكونغرس الأمريكي) في أعمال تمرد محتمل، وشهدنا ارتفاع التضخم إلى مستويات لم يصل إليها منذ عقود، كذلك أصيب خلاله ما يقرب من 300 مليون شخص في جميع أنحاء العالم بفيروس "كورونا" حيث قاد ظهور المتغيرات إلى تدمير أي خطط للعودة إلى الحياة الطبيعية.
أما بالنسبة إلى الإفلاس، وهو قطاع عادة ما يتأثر بالاضطراب العالمي، فقد كان هادئاً بشكل غير اعتيادي.
اقرأ أيضاً: 8 شخصيات طبعت بصمتها على 2021
يُشار إلى أن حالات الإفلاس الكبيرة (تلك التي تنطوي على شركات لديها التزامات لا تقل عن 50 مليون دولار) قد انخفضت إلى 121 العام الماضي، وذلك من 245 في عام 2020، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ". ويعد هذا العدد أقل من المتوسط السنوي لمدة 10 سنوات البالغ 130 شركة. إلا أن هذا الواقع قد يتغير هذا العام، مع تضاؤل أموال التحفيز ومحاولة الشركات والدائنين معرفة ما يمكن توقعه.
ماذا نتوقع في 2022؟
في هذا الصدد، تقول فيليسيا غربر بيرلمان، التي تترأس مجموعة إعادة الهيكلة في شركة المحاماة "ماكديرموت ويل آند إيمري" (McDermott Will & Emery)، إنه في ظل محاولة المقرضين تقييم الوضع الطبيعي الجديد: "يرى الكثير من الأشخاص أننا سنشهد زيادة طفيفة في مجموعة من عمليات إعادة الهيكلة خارج المحاكم، وهذا سيحدث بالتأكيد بحلول النصف الثاني من هذا العام".
اقرأ أيضاً: اضطراب الأسواق يتسبّب في إفلاس المزيد من شركات الطاقة في المملكة المتحدة
وفي الواقع، أدّت عمليات الإغلاق في العام الماضي، والتي شملت كل شيء بدءاً من العمليات الجراحية الاختيارية إلى عروض مسرح "برودواي"، وقادت بدورها إلى تجميد الاقتصاد، وجعل مسألة اتخاذ قرارات بشأن الإقراض أو سحب الإقراض، عملية صعبة. حيث تقول بيرلمان: "من الصعب تحديد هيكل رأس المال الصحيح للشركة، ومن الصعب على المُقرض تقييم الأعمال في خضم حالة عدم اليقين التي عشناها العام الماضي".
كذلك كانت قضايا الإفلاس أيضاً أكثر ندرة في العام الماضي، لأن الاضطرابات الوبائية الأولية في عام 2020 دفعت بعض الشركات التي كانت تعاني بالفعل إلى الإفلاس. لذا بدلاً من التعثر لمدة عام أو عامين، "تلقت جميع الشركات التي كانت على حافة الهاوية دفعة نحو رفع قضايا الإفلاس في عام 2020"، ذلك بحسب مايكل إيزينباند، الرئيس المشارك العالمي لوحدة تمويل الشركات وإعادة الهيكلة التابعة لشركة "إف تي آي" (FTI Consulting).
أما بالنسبة للشركات التي لم تكن على حافة الهاوية خلال ذلك الوقت، فقد دعم التحفيز كلاً من المستهلكين والشركات، حيث أبقى الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة منخفضة، وكان التمويل الوافر متاحاً للشركات التي ربما لم تحصل على هذه الفرصة قبل بضع سنوات. ويقول إيزينباند: "لم نشهد مطلقاً هذا العدد الكبير من الشركات ذات التصنيف "CCC" التي تحصل على تمويل"، في إشارة إلى فئة الديون التي تصنفها "ستاندرد آند بورز" على أنها "ضعيفة جداً".
اقتصاد مناسب للإقراض
يعود سبب ذلك جزئياً إلى النمو في سوق الائتمان الخاص، الذي ارتفع إلى حوالي تريليون دولار. حيث إن هؤلاء المقرضين، مثل الصناديق المستقلة والأذرع الائتمانية لمديري صناديق الاستحواذ، كمجموعة "بلاكستون" (Blackstone Group) و"كيه كيه آر أند كو" (KKR & Co)، استطاعوا تقديم قروض للشركات متوسطة الحجم التي ترفضها عادة بنوك "وول ستريت"، وذلك بسبب أن لديها الكثير من الدين بالفعل على سبيل المثال.
يقول ديريك بيتس، الرئيس المشارك للاستشارات المتعلقة بالديون وإعادة الهيكلة في بنك الاستثمار "سولومون بارتنرز" (Solomon Partners)، إن الديون الأرخص تعني شريان حياة أطول للشركات، بما في ذلك قطاع التجزئة الذي كان يُمثّل القسم الأكبر من الدفعة الأخيرة من قضايا الإفلاس. وهذا هو السبب الرئيسي لعدم اقتناعه بموجة إعادة الهيكلة على المدى القريب.
حيث يقول بيتس إن العديد من اللاعبين الأضعف في تجارة التجزئة سقطوا بسبب ديون الاستحواذ المفرطة، وعاد القطاع إلى مستوى الديون المالية المنخفض تقليدياً. وعلى نطاق أوسع، حتى لو تباطأ الازدهار الاقتصادي، فإنه لا يرى زيادة في عدد قضايا الإفلاس لأن الشركات التي ترغب في الاقتراض ما تزال تستطيع ذلك. مضيفاً:
الناس يعملون، والمستهلكون ينفقون، ما الذي يجعل هذا الاقتصاد غير مناسب للإقراض؟ لا شيء
فضلاً عن ذلك، يقول بيتس إن الشركات تستفيد من البيئة الحالية من خلال تمديد آجال استحقاق الديون، وإزالة دوافع إعادة الهيكلة. لذا، في حين أن الازدهار لن يستمر إلى الأبد، "من الممكن رؤية المزيد من عمليات إعادة التمويل المتجددة في السنوات القادمة"، ما سيسمح للشركات بالاستمرار في سداد ديونها.
اقرأ أيضاً: إلى متى يمكن للدول الأوروبية حماية شركات "الزومبي" من الإفلاس؟
عودة حالة عدم اليقين
كذلك تعتقد بيرلمان أن هذا الاتجاه سيتقلص بالرغم من ذلك، وتقول إن الكثير من المقرضين من القطاع الخاص الذين يتوقون إلى توظيف الأموال قد قاموا بذلك بالفعل، على حد قولها، وكان بعض هذه العمليات في صفقات مشكوك فيها، وقالت: "سنرى بعضاً من تلك الصفقات تتفكك، مما سيضع ضغوطاً على أسواق الإقراض الخاصة تلك أيضاً". ثم هناك حالة عدم اليقين بشأن أسعار الفائدة والتضخم، حيث يُمثّل هذا الأخير الشاغل الأكبر من جانب أصحاب المصلحة الذين تتحدث معهم، على حد قولها.
وتقول بيرلمان: "أنتم الآن تبدؤون العام بطريقة لم يكن الناس يتوقعونها فيما لو سألتهم عن ذلك قبل ستة أشهر، وذلك في ظل وجود السلالة المتغيرة أوميكرون" وإغلاق الشركات مرة أخرى. "حيث لم يكن أي من ذلك متوقعاً عندما استثمر الناس أموالهم في العمل". سيدفع هذا الواقع إلى عملية حساب أخرى حول كيفية إقراض أموال جديدة وما إذا كان سيتم ذلك.
في حين كانت قضايا الإفلاس نادرة، إلا أن العام الماضي شهد حالات ملحوظة تم فيها استخدام الإفلاس لإدارة المطالبات المؤكدة ضد الشركات التي رفعت قضايا إفلاس والأطراف غير المفلسة ذات الصلة والتي "يمكن أن يكون لها بعض الآثار الرئيسية على الطريقة التي نطبق بها قانون الإفلاس في المستقبل"، وذلك بحسب كولين دريشر سبيكهارت، رئيسة ممارسات الإفلاس وإعادة الهيكلة في شركة المحاماة "كولي" (Cooley). ويتضمن ذلك إلغاء تسوية بمليارات الدولارات كانت ستحمي مالكي شركة "بوردو فارما" (Purdue Pharma) من الدعاوى القضائية المستقبلية.
أما هذا العام، فتتوقع سبيكهارت أن تتم إعادة الهيكلة خارج المحكمة، في حين أن الصناعات التي تعتمد على حركة العملاء، مثل البيع بالتجزئة والضيافة وتناول الطعام، ستظل معرضة للخطر مع استمرار الجائحة.
اقرأ أيضاً: طلبات الإفلاس الأمريكية تحقق أكبر تراجع لها من الوباء
تقلّص أموال التحفيز
في ظل تلاشي الأموال الحكومية، ستضطر الشركات إلى الاعتماد أكثر على مقرضيها. حيث يقول إيزينباند من شركة "إف تي أي" إن البعض "لا يستطيع العودة إلى المصدر مرة أخرى" بمجرد أن يعيد المقرضون تقييم محافظهم الاستثمارية عندما تعود الأمور إلى طبيعتها. ويقول: "سيتعين على بعضهم الانتظار ليروا كيف ستنتهي بعض هذه الاستثمارات القوية" قبل تخصيص المزيد من الأموال. فقد "كان هناك الكثير من المال في النظام خلال عام 2021، أما الآن فنحن ندخل في دورة أكثر تقليدية".
علاوةً على ذلك، سيطرت شركات الطاقة والتجزئة على الدورة الأخيرة من حالات الإفلاس؛ حيث سعت كل من شركات "بروكس براذرز" (Brooks Brothers)، و"تشيسابيك إنرجي" (Chesapeake Energy)، و"جيه سي بييني" (JCPenney) للحماية في عام 2020.
يقول أيزنباند إن قطاع الطاقة سيظل "متقلباً" لاحقاً، إلا أنه يتوقع أن تكون معظم عمليات إعادة الهيكلة في قطاعات التكنولوجيا والوسائط والاتصالات، مدفوعة بالارتفاع المدمر للبث المباشر.
يُذكر أن شركة "إف تي أي" شهدت انتعاشاً طفيفاً في إعادة الهيكلة خلال الشهر الماضي، على الرغم من قول أيزنباند إنه لا يتوقع أن يشهد ارتفاعاً ملحوظاً حتى النصف الثاني من هذا العام على الأقل. في غضون ذلك، يمكن للشركات التي تُدار بشكل سيئ، أو التي تواجه اضطرابات في الصناعة أن تتعرض للضيق والاضطراب، قائلاً: "هناك الكثير من الشركات المعطلة".