في أوائل عام 2022، وبعد مرور أكثر من أربعة أعوام على معاناة بورتوريكو من حالة إفلاس قياسية، تستعد البلاد أخيراً لتغيير وضعها. فبينما يجري تخفيض عشرات المليارات من الدولارات من الديون والتخلص من وصمة التخلف عن السداد التي لاحقت الاقتصاد البورتوريكي، يمكن للإقليم الأمريكي أن يحظى بدفعة إضافية.
من المحتمل للحزمة الاقتصادية المعروفة باسم "إعادة البناء الأفضل" أن تعزز تمويل برنامج "ميديكيد" الطبي الفيدرالي بشكل دائم، وللمرة الأولى توسيع نطاق دخل الضمان التكميلي لكبار السن وذوي الإعاقة ليشمل أقاليم الولايات المتحدة.
أمل جديد
يقول أنطونيو ويس، أحد كبار الباحثين في "كلية هارفارد كينيدي"، إن هناك الآن سبباً يدعو للتفاؤل و"للتفكير أكثر في مستقبل الاستثمار والاقتصاد في بورتوريكو بطريقة لم تكن ممكنة منذ عقود زمنية". ويعمل ويس في منصب قائد أعمال وزارة الخزانة الأمريكية فيما يتعلق بقانون الرقابة والإدارة والاستقرار الاقتصادي (Promesa)، وهو القانون الفيدرالي الصادر في عام 2016 والذي سمح لبورتوريكو بتخفيض ديونها من خلال إعلان إفلاسها.
بورتريكو "جنة" مستثمري العملات المشفرة الهاربين من "جحيم" الضرائب الأمريكية
وفي إطار حزمة "إعادة البناء الأفضل"، ستتلقى بورتوريكو نحو 3 مليارات دولار لتمويل برنامج "ميديكيد" في عام 2023، وسيحصل المقيمون المؤهلون على ما مجموعه 2.5 مليار دولار من مساعدات دخل الضمان التكميلي بشكل سنوي. ويعتبر مستوى الزيادة المسجل في تمويل برنامج "ميديكيد" كبيراً، لأن الحكومة الفيدرالية مطالبة حالياً بتغطية 55% فقط من تكاليف هذا البرنامج الطبي في بورتوريكو، وهي حصة أقل من أي إقليم أمريكي آخر.
حلول جذريّة
كان الكونغرس الأمريكي قد نجح في تمرير حلول مؤقتة للإقليم من قبل، لكن التعزيز الدائم لتمويل "ميديكيد" من شأنه أن يتيح للجزيرة ذات الكثافة السكانية البالغة 3.2 مليون نسمة، تحسين نظامها للرعاية الصحية وتوسيع نطاق برامج "ميديكيد" بقدر متواضع، حسبما ذكر خافيير بالماسيدا، كبير محللي السياسات في مركز أولويات الميزانية والسياسة، وهو مركز أبحاث غير حزبي في واشنطن.
علاوة على ذلك، ربما يتأهل ما يصل إلى 400 ألف من سكان بورتوريكو للحصول على مساعدات دخل الضمان التكميلية، وفقاً لكبير المحللين بالماسيدا. وهذا يعني أن "بورتوريكو ستتمكن لأول مرة منذ نحو 50 عاماً من الوصول إلى برنامج هام حقاً للأمن الاقتصادي" على حد قوله. جدير بالذكر أن معدل الفقر في الجزيرة يبلغ 44% تقريباً.
تم تمرير برنامج "إعادة البناء الأفضل" من قبل مجلس النواب في 19 نوفمبر الماضي، لكنه ظل عالقاً في مجلس الشيوخ بعد أن أعلن جو مانشين، السيناتور الديمقراطي عن ولاية فرجينيا الغربية وهو صوت مرجعي أساسي، أنه لن يؤيد التشريع. في حين أن تشاك شومر، زعيم الأغلبية بمجلس الشيوخ، تعهد بتقديم نسخة منقحة للتصويت عليها في أقرب وقت من يناير الجاري.
مسار طويل من العمل
رغم أن مانشين قد أثار المخاوف بشأن الحجم الإجمالي لحزمة "إعادة البناء الأفضل"، إلا أنه لم يسع بشكل خاص إلى خفض مخصصات برنامج "ميديكيد"، بحسب اثنان من كبار المساعدين الديمقراطيين المطلعين على المناقشات. مع ذلك، من المتوقع أن تتضمن النسخة الأقل من التشريع تمويل "ميديكيد" في بورتوريكو.
تقول الجهات المساعدة إن الديمقراطيين لم يتطرقوا للنقاش في اتخاذ إجراء احتياطي، لكن هناك دعم حزبي لضمان عدم نفاد أموال برنامج "ميديكيد" في الأقاليم الأمريكية.
في هذا الإطار، توصلت الممثلة عن واشنطن كاثي مكموريس رودجرز، بجانب الممثل عن نيوجيرسي فرانك بالوني، الزعيمان عن الكتلتين الجمهورية والديمقراطية في لجنة الطاقة والتجارة التابعة لمجلس النواب، إلى اتفاق في أوائل هذا العام بشأن تمديد تمويل برنامج "ميديكيد" لمدة خمسة أعوام، لكن بمستويات أعلى من المستويات القانونية. ثم هُجرت تلك الصفقة من أجل المضي قدماً في حزمة "إعادة البناء الأفضل". ومع ذلك، قال مساعد لجنة الحزب الجمهوري إنهم سيرحبون بالعودة إلى هذا الاتفاق.
ومن المحتمل أن تصدر لورا تايلور سوين، وهي قاضية المحكمة الجزئية الأمريكية للمقاطعة الجنوبية لنيويورك، حكماً بشأن صفقة تسوية ديون بورتوريكو في أقرب وقت من هذا الشهر. وإذا تمت الموافقة عليها، فإن الديون والالتزامات الأخرى ستنخفض بمقدار 33 مليار دولار، بما في ذلك خفض السندات من 22 مليار دولار إلى 7.4 مليار دولار.
بموجب هذه الصفقة، لن تدفع بورتوريكو أكثر من 1.15 مليار دولار من أصل الدين والفوائد السنوية الخاصة بسندات الالتزام العام وديون ضريبة المبيعات، وذلك بخفض قدره 3.9 مليار دولار، كما أنها ستمنح المستثمرين جزءاً من أي فائض من عائدات ضريبة المبيعات.
عملية الإفلاس
تقول ناتالي جاريسكو، المديرة التنفيذية لمجلس الرقابة المالية في بورتوريكو، الذي يدير عملية الإفلاس، إن هذه الخطة تمنح الحكومة الثقة للاستثمار في برامج تحسين جودة الحياة وغيرها من المبادرات. وأوضحت: "الآن بما أننا نعلم أن الخطة تقدر بـ 1.15 مليار دولار، فإننا نعلم أيضاً أن كل شيء آخر نكسبه يمكننا استخدامه في التعليم العام والسلامة العامة والصحة العامة وصناديق المعاشات التقاعدية".
جاء إفلاس الإقليم التابع في مايو 2017، وذلك بعد أعوام من الاقتراض لتغطية نفقات التشغيل والانكماش الاقتصادي وانخفاض الكثافة السكانية الذي جاء وسط مغادرة السكان للعثور على عمل في البر الرئيسي. وبعد ذلك، أدى الدمار الذي خلفه إعصار ماريا في سبتمبر 2017، فضلاً عن الاضطرابات السياسية التي أعقبها تفشي جائحة (كوفيد-19)، إلى عرقلة الجهود الرامية للخروج من أكبر عملية لإعادة هيكلة الديون على الإطلاق في سوق السندات المحلية البالغة قيمته 4 تريليون دولار.
وقد تضمنت العملية المطولة أعواماً من المفاوضات بين مجلس الرقابة المالية المعين على الصعيد الفيدرالي في بورتوريكو، وصناديق التحوط، والصناديق المشتركة، وشركات التأمين على السندات، ومجموعات العمال، مما دفع تكاليف إفلاس بورتوريكو المقدرة للمحامين والمستشارين الخارجيين إلى أكثر من مليار دولار.
عملية إصلاح صعبة
في الوقت الراهن، تهدف خطة الخروج من الأزمة إلى المساعدة في إصلاح نظام المعاشات التقاعدية في الكومنولث الذي يدين للمتقاعدين الحاليين والمستقبليين بنحو 55 مليار دولار من خلال إنشاء صندوق احتياطي تساهم فيه بورتوريكو سنوياً.
مع ذلك، ربما يستمر المشرعون في بورتوريكو في الكفاح لموازنة الميزانيات، حيث يتعين على الكومنولث تخصيص حوالي 2.3 مليار دولار سنوياً في شكل مدفوعات معاشات تقاعدية للعمال العموميين المتقاعدين. وربما ترتفع تكاليف برنامج "ميديكيد" إذا فشل الكونغرس في الحصول على الموافقة على حزمة "إعادة البناء الأفضل".
وتتوقع بورتوريكو تحقيق فوائض في الأجل القريب بفضل أموال الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ والمساعدات لمواجهة (كوفيد). كما يتوقع المسؤولون أن يصل إجمالي النمو الاقتصادي إلى 0.4% بدءاً من هذا العام وحتى العام المالي 2026. لكن حكومة الكومنولث قد تواجه عجزاً مرة أخرى بحلول عام 2036، وفقاً للخطة المالية الحالية متعددة الأعوام، حتى لو نفذ المشرعون تغييرات لتسهيل تنفيذ أعمال تجارية في الجزيرة وقاموا ببرامج لتعزيز مشاركة القوى العاملة.
يقول سيرجيو ماركسواتش، مدير السياسات بمركز "بورتوريكو للاقتصاد الجديد" (Center for a New Economy)، وهو معهد بحثي مقره سان خوان يحلل الشؤون المالية للكومنولث: "نحن بحاجة إلى وضع خطة متوسطة إلى طويلة المدى لتنمية الاقتصاد". تعتمد قدرة بورتوريكو على سداد خدمة الدين بمجرد خروجها من وضع الإفلاس على نمو الاقتصاد، خاصة بعد نضوب المساعدات الفيدرالية للتعافي من الكوارث وأموال الإغاثة من الأوبئة.
كما قال جوزيف ستيغلتز، أستاذ الاقتصاد في "جامعة كولومبيا"، في سان خوان يوم 30 نوفمبر بالمركز: "ليس من مصلحة الدائنين أن يطالبوا بورتوريكو بالكثير، لأن بورتوريكو لن تنمو حينها، وبالتالي لن يسترد الدائنون أموالهم".