فيما حدا مدّ وجزر الوباء بمعظم الناس لتمني انقضاء 2021، كان حال المصرفيين مغايراً، فقد شهدوا خلاله رواجاً لصفقات الاندماج والاستحواذ يدفعهم لتمني تكراره.
انخرطت شركات أمريكية فيما بلغ 2.5 تريليون دولار من الاستحواذات في 2021، لتتجاوز بأشواط رقم 2015 القياسي الذي بلغ 1.96 تريليون دولار، وفقاً لبيانات جمعتها "بلومبرغ".
بخلاف طفرات سابقة أتت نتيجة حفنة صفقات ضخمة، كانت استحواذات العام الماضي في الولايات المتحدة واسعة النطاق بشكل ملحوظ، حيث لم تزد أي منها عن 50 مليار دولار، لكن العديد منها ربا عن 20 ألفاً، وفق إحصاءات بلومبرغ، أي ما يفوق بثلثين عدد صفقات 2015. شهدت عدة قطاعات صفقات بأرقام قياسية، بما فيها الصناعات والسلع الاستهلاكية والتقنية.
رفع ذلك المعيار القياسي بشكل كبير، لكن كل الدلائل تؤشر لعام آخر يبشر بنشاط قوي لهذه الصفقات، حيث تملك الشركات ملاءة مالية عالية، فيما تتجه تكاليف الاقتراض للحفاظ على انخفاضها التاريخي، حتى إن مضى الاحتياطي الفيدرالي بزيادة سعر الفائدة القياسي ثلاث مرات في 2022 كما هو متوقع. حال ميزانيات الشركات جيد عموماً، لا سيما لدى كبرياتها، بفضل قوة الانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة الذي يبدو مستمراً هذا العام.
تقييمات باهظة
يصعب اقتناص صفقات بأسعار رخيصة، فقد بلغ أوسط أسعار صفقات الاستحواذ بالولايات المتحدة العام الماضي 16.2 ضعف أرباح الشركات المستهدفة قبل الفوائد والضرائب والاستهلاك والإطفاء، وهو أكبر التقييمات منذ عقد على الأقل. لكن إعادة شراء الأسهم ليس رخيصاً حالياً أيضاً. ارتفع مؤشر "إس آند بي 500" إلى مستوى قياسي جديد قبل نهاية 2021، لينهي العام عند تقييم يبلغ 23 ضعف الأرباح المتوقعة لهذا العام. تشكّل الصفقة الذكية التي تقدم مزايا استراتيجية استخداماً أفضل للنقد بالنسبة لمعظم الشركات مقارنة مع إعادة شراء أسهمها بقيمة مرتفعة.
ربما يستمر إنفاذ مكافحة الاحتكار الأكثر صرامة تحت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بالتضييق على الصفقات الضخمة، حيث لم يكتمل استحواذ شركة "كانديان باسيفيك ريلويز" (Canadian Pacific Railway) على "كانساس سيتي سذرن" (Kansas City Southern) بقيمة 30 مليار دولار، وهي واحدة من أكبر صفقات 2021، إلا بعدما رفضت الجهات التنظيمية الأمريكية عرضاً أعلى من منافستها "كانديان ناشيونال ريلواي" (Canadian National Railway) استناداً لمخاوف تتعلق بمكافحة الاحتكار.
قد يركز المسؤولون التنفيذيون في الشركات على توحيد سلاسل التوريد داخلياً، بدلاً من شراء شركات منافسة، بعدما كشف عدم الاستقرار الناجم عن الجائحة مخاطر الاعتماد على أطراف ثالثة. يحدث هذا فعلاً، حيث وافقت شركة "شيروين ويليامز"
(Sherwin Williams) العام الماضي على الاستحواذ على "سبيشالتي بوليمرز" (Specialty Polymers)، التي تصنع مكونات الطلاء وستساعد منشآتها في كلٍ من أوريغون وساوث كارولينا الشركة على تقليل اعتمادها على المنطقة في الخليج المعرضة للأعاصير. كما استحوذت "أمريكان إيغل أوتفيترز" (American Eagle Outfitters) على شركتي خدمات اللوجستية لتسريع التوصيل، فيما يزيد صانعو السيارات سيطرتهم على منتجي أشباه الموصلات والبطاريات لمركباتهم.
كل ما سلف يبشر بعام حافل بالصفقات.