بعد خمسة أعوام من شغله منصب مهندس في شركة "أي بي إم" (IBM)؛ بدأ وكلاء التوظيف في محاولة إغراء وجذب "بن روفيني"، مما حفّزه للبحث عن تحدٍّ جديد. لم يكن روفيني بحاجة ماسة إلى الرحيل، لكنَّه كان يعاني من "حالة صمت" على الصعيد الداخلي للشركة، بحسب ما ذكر. كما أنَّه يعتقد أنَّ "استكشاف المحيط الموجود خارج الشركة كان أسهل بكثير".
في النهاية، وجد روفيني عملاً جديداً في شركة "بيغ بلو" (Big Blue)، ليس لشيء سوى لأنَّه على معرفة بالأشخاص المناسبين، وهو ما أثار فكرة إعادة اختراع محركات البحث التي تعرض فرص العمل المتاحة في الشركة باستخدام خوارزمية تطابق العمال مع ما هو معروض من وظائف. كانت الفكرة هي مساعدة جميع الموظفين -وليس فقط أولئك الذين يتمتعون بعلاقات جيدة- على اكتشاف مسارات وظيفية لم يفكروا فيها قط، فضلاً عن أنَّ الرؤساء بإمكانهم نشر الأداة لإيجاد الأشخاص من ذوي المهارات المناسبة سريعاً للمهام الجديدة.
اقرأ أيضاً:
في عام 2015، بعد فترة قصيرة من حصوله على وظيفته الجديدة، استقال روفيني من شركة "أي بي إم"، وشارك في تأسيس شركة "غلوت" (Gloat)، وهي واحدة من عشرات الشركات الناشئة في مجال إدارة المواهب، إذ تسعى إلى تسهيل قيام الأشخاص بتحوّل وظيفي دون الانضمام إلى ما أصبح يُعرف باسم "الاستقالة العظيمة" (Great Resignation).
اقرأ المزيد:
عادةً ما يغادر عمّال كثيرون نظراً لافتقارهم إلى رؤية واضحة لمسارهم الوظيفي دون إدراج الاستقالة في الأمر، إذ يقول واحد من كل أربعة موظفين فقط، إنَّ المؤسسة التي يعملون فيها تيسّر لهم إيجاد فرص عمل تتناسب مع اهتماماتهم، في حين يشجع 37% فقط من الرؤساء مرؤوسيهم المباشرين لاستكشاف فرص أخرى، بحسب شركة الاستشارات "غارتنر" (Gartner).
يقول نصف الأشخاص الذين سئموا وظائفهم، إنَّ السبب في ذلك هو نقص فرص الترقية بدلاً من أسباب أخرى مثل الأجور، وفقاً لاستطلاع رأي أجرته وكالة التوظيف "روبرت هاف" (Robert Half).
الاستقالات غيّرت الوضع
تعليقاً على الأمر، تقول ميليسا سويفت، المستشارة في شركة "ميرسر" (Mercer) الاستشارية للقوى العاملة، إنَّ "الكثيرين ممن يعملون في الشركات الكبيرة والمتنوعة لا يشعرون بأنَّهم قادرون على الحصول على وظائف مختلفة داخل الشركة، والمؤسسات لم تفكر في هذه المسألة بطريقة مُفصلة".
هذا الأمر بدأ في التغيّر بسبب ارتفاع معدلات مغادرة الموظفين التي أثرت في الشركات، بدءاً من بنوك "وول ستريت" وصولاً إلى الحانات الصغيرة، إذ يقول ستة من كل عشرة أرباب عمل، إنَّهم يبذلون جهوداً حثيثة للاحتفاظ بالموظفين، في مقابل 15% فقط ممن قالوا ذلك خلال العام الماضي، بحسب ما ذكرت شركة الاستشارات والوساطة "ويليس تاورز واتسون" (Willis Towers Watson).
تشير سويفت إلى أنَّ الشركات بحاجة إلى قضاء المزيد من الوقت في "الطهي بما يوجد بالفعل في المطبخ"، بدلاً من دفع مكافآت توظيف هائلة.
نوظف الأشخاص حتى يروا كل ما هو موجود خارج حدود إمكاناتهم، وليس ما يوجد لديهم بالفعل فقط
برمجيات إدارة الموارد البشرية
ساهم ارتفاع معدل دوران الموظفين في تعزيز النمو في شركات مثل "غلوت"، و"هيتش" (Hitch)، و"إيت فلود إيه آي" (Eightfold AI)، و"فويل 50" (Fuel50). والجدير بالذكر أنَّ هذه الشركات ليست أول من استخدم الأدوات الرقمية لمراقبة العمال عن كثب، فهناك ما يسمى بصانع برمجيات إدارة رأس المال البشري "ساكسيس فاكتورز" (SuccessFactors)، الذي أصبح الآن جزءاً من شركة البرمجيات "ساب" (SAP)، والذي وُجد منذ عام 2001، ثم تأسست شركة "ووركداي" (Workday) المنافسة بعد خمسة أعوام. لكن هذه الشركات تستهدف إدارة جميع أوجه الموارد البشرية، في حين يركز المستجدون على الوظائف، مما يسمح للموظفين بتحميل سيرتهم الذاتية، وملفهم الشخصي على موقع "لينكد إن"، إلى جانب معلومات أخرى حول مهاراتهم ورغباتهم. ويوضح البرنامج أوجه المطابقة. وبرغم أنَّ العملاء يقولون، إنَّ كل عملية اقتران ليست منطقية؛ فإنَّ الخوارزمية تصبح أكثر ذكاءً بمرور الوقت.
تقول كيلي ستيفن-وايس، التي أسست شركة "هيتش" في عام 2019: "هناك أشخاص كثيرون غير مرئيين لديهم أفكار رائعة، ونحن بحاجة إلى جعلهم مرئيين".
تحاول شركة "سيجيت تكنولوجي" (Seagate Technology) منع فرار العاملين في ظل تحوّلها من بيع الأقراص الصلبة إلى تأجير مساحة للتخزين السحابي. تاريخياً؛ كان العثور على وظيفة داخلية جديدة "نهجاً يدوياً إلى حد كبير"، على حد قول رئيسة الموارد البشرية باتريشيا فروست، وهي أحد المحاربين القدامى في الجيش الأمريكي التي تتذكر التنقل بين ملفات الأفراد يدوياً أثناء البحث عن جنود من أجل ذراع الأمن السيبراني للجيش.
في "سيجيت"، غالباً ما يشكو الموظفون المغادرون من أنَّهم لا يرون أي طريق للمضي قدماً، لذلك في يناير، قامت فروست بإتاحة فرصة الانضمام إلى "غلوت" أمام موظفيها من ذوي الياقات البيضاء البالغ عددهم 14 ألف موظف. وتقول، إنَّ هذه الخطوة ساعدت في السيطرة على تناقص عدد الموظفين من خلال مطابقة شخص ما مع وظيفة جديدة داخل الشركة بشكل يومي في المتوسط. وتوضح: "نحن نوظف الأشخاص حتى يروا كل ما هو موجود خارج حدود إمكاناتهم، وليس ما يوجد لديهم بالفعل فقط".
موظفو الخطوط الأمامية
مع ذلك؛ فإنَّ موظفي الخطوط الأمامية الأقل أجراً، مازالوا غير مرئيين إلى حدٍّ كبير في محركات البحث الخاصة بفرص العمل المتاحة، والتي عادةً ما توجه نحو العاملين في مجال المعرفة.
كما أنَّ عمليات الاقتران تُعد عديمة الجدوى دون تدخل بشري، إذ يتعين على الموظفين اتخاذ قرار بأنَّهم يريدون وظيفة جديدة، في حين يتعين على المدير الموافقة على أنَّ المرشح يناسب هذه الوظيفة، بحسب ما يقول بادي هال، وهو نائب رئيس الموارد البشرية في شركة "يونيليفر" (Unilever). وتدرك الشركة البريطانية أنَّ الخوارزميات المتقدمة ليست حلاً سحرياً لأولئك العالقين في الروتين، ولذلك؛ فهي تستخدم "غلوت" بشكل أكثر للمشاريع قصيرة الأجل.
تم إجراء مثل هذا البرنامج عبر عمليات تواصل لصالح أكثر من 31 ألف فرصة عمل في جميع أنحاء العالم؛ 70% منها تنطوي على جمع الموظفين من مجالات مختلفة، مثل سلسلة الإمداد والمبيعات، سوياً. يقول هال: "الكل يريد التمسك بـ(أُناسي وقومي). من الضروري التخلص تماماً من هذه الطريقة في التفكير".