بعد الكثير من الانطلاقات الفاشلة، تستعد الشركات الأمريكية لإعادة المزيد من العمال والموظفين إلى المكاتب، ومرة أخرى تصطدم الخطط بتزايد حالات الإصابة بفيروس كورونا، وحالة عدم اليقين بشأن سلالة "أوميكرون" الجديدة.
يأتي كلٌّ من "ويلز فارغو"، و"أميركان إكسبريس"، و"غوغل"، و"فورد موتور" ضمن قائمة الشركات التي أشارت إلى أنَّ الكثير من موظفيها من ذوي الياقات البيضاء، سيخلعون سراويلهم الرياضية، ويعودون إلى مكاتبهم خلال شهر يناير. لقد حلَّ رأس السنة محل عيد العمال، ليكون مؤشراً على العودة بالنسبة إلى كثير من أرباب العمل بعد أن اجتاح متحور "دلتا" البلاد أواخر الصيف.
اقرأ أيضاً: "لينكد إن" تساعد بتوظيف من لا يريدون العودة إلى مكتب أبداً
مع تحديد موعد العودة إلى المكاتب؛ تبرز الخلافات بين الرؤساء الحريصين على لم شمل مرؤوسيهم، والموظفين الذين اعتادوا على مرونة العمل من المنزل. غير أنَّ توقيت العودة الآن، ليس سوى مجرد مقامرة في ظل ارتفاع حالات الإصابة بكوفيد-19 في معظم أنحاء الولايات المتحدة، وتوقُّع تجمع الناس في الأماكن الداخلية لاحتفالات الأعياد. كذلك؛ فإنَّ ظلمات المجهول التي تحيط بمتحور "أوميكرون"، لا تضيف سوى حالة من القلق.
اقرأ المزيد: العودة إلى المكتب فرصة عظيمة لبداية جديدة
عامان يكفيان
أما بالنسبة إلى أرباب العمل؛ فهي مشكلة موازنة بين المخاوف الصحية، والشعور بأنَّ الوقت قد حان للمضي قدماً بعد نحو عامين من العمل عن بُعد.
أصبحت اللقاحات متوفرة الآن للجميع باستثناء الأطفال الأصغر سناً، مما يحدّ من المخاوف المنتشرة لدى بعض الآباء، بالإضافة إلى أنَّ أكثر من نصف الشركات سيتجه نحو طلب جرعات من اللقاح في مقرّ العمل، وقد استؤنفت بشكل كبير جوانب أخرى من الحياة الطبيعية، من السفر إلى تناول الطعام في الخارج. مع ذلك؛ فإنَّ أي سوء إدارة لعملية العودة إلى المكتب يمكن أن يضرّ بمشاركة الموظفين وسرعة تأقلمهم ورفاهيتهم.
يقول مارك رويال، أحد كبار المديرين في شركة الاستشارات "كورن فيري أدفايزري" (Korn Ferry Advisory): "هناك تقدير قادم لما يمكن أن يكون عليه الوضع الطبيعي الجديد. نحن نصل إلى نقطة حيث يتعين علينا تحديد شكل هذا الوضع، إن لم يكن في يناير، فسيكون قريباً". وأوضح أنَّ "الأمر سيتطلب على الأرجح بعض التعديلات من جانب الشركات والأفراد على حدٍّ سواء من ناحية التوقُّعات".
تعديل الخطط
تعمل بعض الشركات بالفعل على إجراء تعديلات. فعلى سبيل المثال؛ قرّرت شركة "أبل" مؤخراً تأجيل عودة الموظفين إلى مقرّها الرئيسي في كوبرتينو بولاية كاليفورنيا من يناير إلى الأول من فبراير، دون إبداء سبب منطقي محدّد بشأن التوقيت.
منح العديد من أرباب العمل لأنفسهم مجالاً للتراجع، عندما قالوا، إنَّ شهر يناير هو أقرب وقت يريدون عودة الموظفين فيه إلى المكاتب، وقد وعدت "غوغل" وشركات أخرى بإعلام الموظفين بأي تحديثات قبل 30 يوماً من الموعد المفترض لعودتهم، مما يشير إلى وجوب تقديم أي إشعار قريباً.
يقول ويليام شافنر، الأستاذ في قسم الأمراض المعدية بكلية الطب في جامعة "فاندربيلت"، إنَّ معظم قرارات العودة إلى المكتب "اتخذت عندما كانت حالات الإصابة تسجل انخفاضاً مستمراً، لكنَّها بدأت الآن في الارتفاع مرة أخرى في بعض المناطق. نحن قلقون بشأن زيادة أخرى في حالات الإصابة بعد العطلة، وإذا حدث ذلك، فمن الضروري تعليق خطط العودة".
مما لا شكَّ فيه أنَّ أي تأخير إضافي في العودة إلى المكتب سيجري بشكل جيد بين صفوف الموظفين العاديين الذين يتمتعون بالمرونة التي يوفرها العمل من المنزل طوال أيام الأسبوع، لكنَّه لن يُشعر الإدارة العليا بالرضا، خصوصاً أنَّ إدارات كثيرة تعتقد أنَّ التعاون والثقافة تأثرتا خلال فترة العمل عن بُعد، وهي مازالت محبطة من التأثير الهائل لعملية صنع سياسات المؤسسات، وإعادة صياغتها.
رغبات متناقضة
يرغب نصف المسؤولين التنفيذيين تقريباً في العمل من المكتب يومياً، في حين يريد 17% فقط من الموظفين ذلك، وذلك بحسب مسح مستمر على أكثر من 10500 من الموظفين من ذوي الياقات البيضاء في ست دول، يجريه "فيوتشر فورم" (Future Forum)، وهو اتحاد أبحاث ترعاه شركة "سلاك تكنولوجيز" (Slack Technologies).
كما أنَّ الجداول الزمنية الهجينة تعد مثيرة للجدل، إذ يقول ثلاثة من كل أربعة مديرين تنفيذيين، إنَّهم يريدون وجود الموظفين في المكاتب ثلاثة أيام في الأسبوع على الأقل، في حين يفضّل ثلث الموظفين فقط مثل هذا الجدول.
ويشار إلى أنَّ مواقف المتعصبين للعمل من المكتب، الذين يريدون وجود كل الموظفين في مكاتبهم، تتعارض مع نتائج عدد متزايد من الأبحاث، والتي وجدت أنَّ العاملين عن بُعد أكثر ينتجون كما لو أنَّهم في مكاتبهم. والمديرون ليسوا الوحيدين الذين يمكن تضليلهم، إذ هناك 42% من الناس لم يعملوا في المنزل قبل كوفيد، وفقاً لبحث أجراه عالم الاجتماع في كلية بوسطن وين فان، وبالتالي؛ فإنَّ تجربة الوباء المفعمة للغاية ليست سوى إطار مرجعي لما يبدو عليه الأمر.
في الوقت ذاته، هناك بعض الشركات التي رحبت بعودة الموظفين إلى المكاتب منذ أشهر، من بينها عمالقة "وول ستريت"، مثل: "جيه بي مورغان آند تشيس"، و"غولدمان ساكس غروب"، التي لم يخفِ قادتها رغبتهم في العودة بشكل كامل.
في يونيو الماضي، أعرب جيمس جورمان، الرئيس التنفيذي لـ"مورغان ستانلي"، عن إحباطه لأنَّ سكان نيويورك كانوا يتناولون الطعام داخل المطاعم، مع أنَّهم يتجنبون مكاتبهم.
شهر اختبار
من المنتظر أن يكون شهر يناير أكثر من مجرد أرضية اختبار للنهج المرن بشكل متزايد، والذي تتبعه بعض الشركات بشأن: ماذا؟، وأين؟ ومتى يتم إنجازه في العمل؟، إذ سيبدأ "ويلز فارغو"- لديه أكثر من 253 ألف موظف- خطته الرسمية للعودة إلى المكاتب في 10 يناير، في حين قالت "غوغل"- لديها حوالي 150 ألف موظف- إنَّ سياستها للعمل التطوعي من المنزل ستمتد حتى ذلك التاريخ.
قال تشارلي شارف، الرئيس التنفيذي لبنك "ويلز فارغو"، في مذكرة للموظفين بداية هذا العام: "مواعيد العمل لدينا ستشبه في الغالب نهج العمل المتبع منذ فترة ما قبل الوباء، لكن مع المزيد من المرونة". وأضاف: "استغل هذا الوقت للتخطيط لأي تغييرات ضرورية في روتينك الشخصي".
أما الرئيس التنفيذي لشركة "غوغل"، سوندار بيتشاي، فقال، إنَّ الموظفين سيحظون بإشعار مدته 30 يوماً "للتأكد من أنَّ الجميع يملك وقتاً كافياً للتخطيط".
لم يرد ذكر ما إذا كان هذا الوقت يكفي، على سبيل المثال، لإيجاد مقدم رعاية يومية موثوق به، وبأسعار معقولة وسط الأزمة التي يواجهها هذا القطاع على مستوى البلاد.
العمل الهجين
كذلك، تخطط شركة "أميركان إكسبريس" لبدء سياستها الجديدة للعمل المرن "على أقل تقدير" في 24 يناير. ستحدد الفرق الفردية بشكل كبير عدد المرات التي يأتي فيها الموظفون- وهو نهج مشترك في الوقت الحاضر- مع إدراج "الغالبية العظمى" من قوتها العاملة ضمن جداول العمل الهجينة، بحسب ما قال الرئيس التنفيذي للشركة ستيف سكويري في مذكرة في أكتوبر.
كما قالت شركة "فورد موتور"، إنَّ مخططها للعودة إلى المكتب لن يُطبق قبل شهر يناير، فقد طلبت من موظفيها الحضور فقط عندما يكون التعاون الشخصي مطلوباً، على أمل أن يساعد هذا النهج المتساهل صانع السيارات، في جذب المزيد من العمال البارعين في مجال التكنولوجيا والاحتفاظ بهم.
اعتباراً من الأول من ديسمبر، لم تقدّم الشركات أي دليل على أنَّ متحور "أوميكرون" الجديد سيؤخر جدولها الزمني لشهر يناير.
على صعيد آخر، قرّرت شركات أخرى تأجيل التعامل مع هذه المشكلة. فعلى سبيل المثال، قام موقع "مونداي دوت كوم" (Monday.com)، الذي يصنع برامج لتحقيق التعاون بين القوى العاملة، بتمديد سياسته المتعلقة بالعمل عن بُعد حتى سبتمبر 2022 "لإتاحة الوقت الكافي أمام الموظفين لوضع الخطط وتعديل حياتهم"، بحسب ما يقول أوشرات بينامين، نائب رئيس الموارد البشرية في الشركة.
ما تعنيه بالضبط كلمة "الوقت الكافي"، يمكن أن يحدّد ما إذا كانت الشركات ستعود مرة أخرى في عام 2022، أو تتحمل المزيد من التراجع، أو الانجراف في موجة الاستقالات.
يقول رويال، من "كورن فيري أدفايزري": "السؤال ليس ما إذا كان يجب أن نعود إلى المكتب فقط؛ بل هل يجب أن نعود الآن؟"