تعتبر شركة "جونسون آند جونسون" من أغنى وأنجح الشركات حول العالم. وهي، مع إجمالي قيمة سوقية لأسهمها تقارب 430 مليار دولار، تعدّ واحدة من 30 شركة صناعية أمريكية في بورصة نيويورك تشكّل قوام مؤشر "داو جونز الصناعي". كما تمتلك شركة الرعاية الصحية والمنتجات الاستهلاكية العملاقة نحو 25 مليار دولار من السيولة النقدية، وهي واحدة من شركتين فقط تتمتعان بتصنيف ائتماني مثالي من قبل كل من وكالتي "ستاندرد آند بورز" و"موديز" للتصنيفات الائتمانية، وهو ما يجعل قرارها باللجوء لحماية محكمة الإفلاس الفيدرالية في مدينة شارلوت بولاية نورث كارولينا، أمراً مستغرباً.
اقرأ أيضاً: عملاقة الأدوية "جونسون آند جونسون" تقرر الانقسام إلى شركتين
فشركة "جونسون آند جونسون" نفسها لم تفلس، بل إنها، عوضاً عن ذلك، قامت بتبديل أسهم خاصة بمساهمين فيها بأسهم في شركة جديدة تابعة لها، والمصممة بالأساس لتشهر إفلاسها جراء دفع الالتزامات المالية القانونية. وقد جاء ذلك في إطار مناورة للتعامل مع حوالي 38 ألف دعوى قضائية، رُفعت غالبيتها من قبل سيدات يزعمن أن أحد أقدم منتجات الشركة، عبارة عن بودرة للأطفال، يسبب سرطان المبيض. وعليه، قامت شركة "جونسون آند جونسون"، بالفعل، بدفع 2.5 مليار دولار لنحو 20 امرأة في وقت سابق من هذا العام. ومن ثم، قامت بتأسيس الشركة الفرعية الجديدة، المسماة "إل تي إل مانجمنت" (LTL Management)، لإدارة الالتزامات القانونية لبودرة الأطفال تلك، وتحمل مسؤولية الفصل في الدعاوى القضائية المتعلقة بها. غير أن الشركة الجديدة تقدمت بدعوى لإشهار إفلاسها تقريباً فور تأسيسها، استناداً إلى "الفصل الحادي عشر" من قانون الإفلاس، والذي يسمح بإعادة التنظيم بموجب قوانين الإفلاس في الولايات المتحدة.
مَخرج قانوني
لكن التغيير التنظيمي للشركة، لن يفضي إلى تبرئة "جونسون آند جونسون" بشكل كامل. فقد وعدت الشركة بإيداع مبلغ ملياري دولار على الأقل في "إل تي إل"، أي حوالي نصف ما عرضته سابقاً لتسوية كل القضايا تقريباً. ومع ذلك، قد تعزّز هذه الخطوة مركز الشركة الأمريكية العملاقة في مفاوضاتها مع المدعين، حيث تستطيع "إل تي إل"، بموجب قوانين الإفلاس، إيقاف كل الدعاوى القضائية التي تواجهها مؤقتاً. أيضاً، يمكن أن يسمح القانون ذاته لشركة "إل تي إل" بتأسيس صندوق ائتماني لسداد كل المطالبات القانونية للتعويض عن الضرر، بما في ذلك أي مطالبات قد تنشأ في المستقبل.
اقرأ المزيد: أربعة استنتاجات مهمة من قرار تقسيم "جونسون آند جونسون" إلى شركتين
بعبارة أخرى، من شأن تلك الخطوة أن تجعل التنبؤ بتكاليف المسؤولية القانونية عن بودرة الأطفال ممكناً أكثر بالنسبة إلى مساهمي "جونسون آند جونسون"، والذين قد يقلقون، على الأقل، بشأن عدم اليقين بقدر قلقهم بشأن حجم الخسارة. في وقت سابق من هذا العام، تصدّت شركة "جونسون آند جونسون" لكل الدعاوى القضائية في المحكمة، بحجة أن العلم أظهر عدم وجود علاقة بين بودرة الأطفال وسرطان المبيض. وقد شهد محامي الشركة، جون كيم، بأن الشركة غيّرت نهجها في الوقت الحالي، وتحاول التعامل مع الدعاوى القضائية في مكان واحد، بدلاً من إنفاق الملايين كل شهر على مجابهة تلك الدعاوى في المحاكم في كل أنحاء البلاد وعلى مدى عقود.
التقاضي لسنوات طويلة
أخبر كيم قاضي محكمة الإفلاس الأمريكية، كريغ وايتلي، بأن ظهور بعض الأمراض التي تسببها المواد الضارة المزعومة في بودرة الأطفال، غالباً ما يستغرق سنوات عديدة. وقال المحامي: "إذا استمر التقاضي على مدى الستين عاماً المقبلة، وواصل الضحايا الفوز بتعويضات ضخمة، لن يمكن لأي شركة أن تنجو من ذلك". من جانبهم، يقول محامو ضحايا بودرة الأطفال المزعومين، إن شركة "جونسون آند جونسون" تحاول استغلال قانون الإفلاس لمنع عملائها من الانتصار في معركة القضاء ودفع تعويضات أقل في نهاية المطاف. وأضافوا أنه إذا كانت الشركة بحاجة إلى الحماية من الإفلاس بموجب الفصل الحادي عشر بالفعل، فيجب عليها التقدم بدعوى إشهار إفلاس عن "جونسون آن جونسون" برمتها وليس "إل تي إل" فقط.
يشكل ما يعرف، بشكل محيّر، بالاندماج التقسيمي (وهو على عكس الدمج التقليدي، حيث يتم دمج كيانين أو أكثر ليصبحا كياناً واحداً، فإن الدمج التقسيمي يتضمن كياناً واحداً ينقسم إلى كيانات متعددة)، محور إستراتيجية "جونسون آند جونسون" لتقسيم الشركة. لكنه مألوف أكثر باسم "رقصة تكساس ذات الخطوتين" (Texas Two-Step)، كونه يعتمد على القوانين في ولاية النجمة الوحيدة. وقد طرح الأعضاء الديمقراطيون في الكونغرس مشروع قانون يحظر هذا التكتيك، قائلين إنه يسمح للشركات الغنية باستغلال القوانين الموضوعة منذ عقود لمساعدة الشركات على تعويض ضحايا التسمم بالأسبستوس.
تعديل الهيكل التنظيمي
تضمنت الخطوة الأولى من رقصة "جونسون آند جونسون" القانونية، تعديل الهيكل التنظيمي للشركة، وتأسيس سلسلة من الشركات الجديدة في تكساس، والتي تم تحويلها بعد ذلك إلى شركتين تابعتين مملوكتين لـ"جونسون آند جونسون". ثم ورثت إحداهما شركة "جونسون آند جونسون" للمنتجات الاستهلاكية، والتي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، بينما ورثت الأخرى الدعاوى القضائية التي تتعلق ببودرة الأطفال. أما الخطوة الثانية فقد تمت بعد حوالي 72 ساعة، عندما تحوّلت الشركة التابعة الفقيرة، "إل تي إل"، من شركة في تكساس إلى شركة في ولاية نورث كارولينا، حيث كان أحد القضاة قد سمح بتنفيذ تلك الإستراتيجية سابقاً، وتقدمت الشركة بدعوى لإشهار إفلاسها.
اعتمدت الشركات الصناعية لعقود على قوانين الإفلاس لحسم دعاوى الأسبستوس، والذي كان يستخدم، في وقت من الأوقات، في كل شيء من العزل إلى دواسات فرامل السيارات. (تزعم دعاوى عديدة تستهدف "جونسون آند جونسون"، أن الأسبستوس موجود أيضاً في بودرة الأطفال). كما إنه من المعروف أن الأسبستوس يسبب اضطرابات رئوية حادة قد تكون مميتة. وعليه، قامت العشرات من الشركات الكبرى بالتقدم بدعاوى لإشهار إفلاسها استناداً إلى الفصل الحادي عشر، إما عن نفسها أو إحدى شركاتها التابعة التي تلوثت منتجاتها بالأسبستوس، وذلك بغرض إنشاء صندوق ائتماني لتغطية تكاليف تعويضات الضحايا. تشمل الأمثلة صانعي الطلاء ومواد العزل "راست- أوليوم" (Rust-Oleum) و"آر بي إم إنترناشيونال" (RPM International) و"بيتسبرغ كورنينغ" (Pittsburgh Corning)، وعملاقة الكيماويات المتخصصة "دبليو آر غريس آند كو" (W.R. Grace & Co).
غير أن الخطوة الثانية في رقصة تكساس تعدّ مختلفة، إذ تقوم الشركات بتأسيس شركة جديدة تماماً، ليست لديها عمليات تجارية عادةً. وقد استغلت شركة "جورجيا باسيفيك" (Georgia Pacific)، وعدد قليل من الشركات الأخرى، خطة رقصة تكساس ذات الخطوتين، للفوز بوقف كل الدعاوى القضائية التي واجهتها دون الاضطرار إلى رفع دعاوى الإفلاس عن شركاتها.
هل تنجح الخطة؟
قد تواجه "جونسون آند جونسون" مشكلة في جعل الإستراتيجية تنجح كما تم تصميمها. لكن، يظل السؤال هو ما إذا كانت الشركة الأم، قادرة على الاستفادة من وقف الدعاوى القضائية بالطريقة التي يمكن أن تستفيد منها "إل تي إل". وفيما يعد انتصاراً لشركة "جونسون آند جونسون"، قرّر القاضي وايتلي، في العاشر من نوفمبر، منع إقامة الدعاوى ضد الشركة الأم لمدة 60 يوماً. لكن القضية الآن في طريقها إلى الإحالة من محكمة شارلوت إلى محكمة أخرى. كما قضى وايتلي بأنه ينبغي معالجة القضية في محكمة اتحادية في نيو جيرسي، حيث يقع مقر "جونسون آند جونسون"، نظراً لعدم محاولة استغلال خطة "رقصة تكساس ذات الخطوتين" في المحاكم الأمريكية هناك من قبل. مهما حدث، فمن المحتمل أن ينخرط كلا الطرفين في معركة طويلة الأمد، ليس فقط بشأن حالات الأشخاص الذين يقولون إنهم أصيبوا بالمرض، ولكن أيضاً حول بعض النقاط المذهلة في قانون الشركات والإفلاس.