على مدى آلاف السنين، ظلَّ الشاي المشروب المفضل لدى الصينيين، بالأخص شاي الياسمين والشاي الأخضر الذي اعتادوا على شربه في أكواب خزفية صغيرة. ثمّ في عام 1999، افتتحت "ستاربكس" أول مقهى لها في البلاد، ثم خلال عقدين من الزمن انتشرت آلاف مقاهي "ستاربكس" على امتداد الصين، فتعلق السكان المحليون بخلطات القهوة الأمريكية، من القهوة النترو المقطرة على البارد إلى اللاتيه بنكهة اليقطين.
الآن، أعلنت واحدة من الشركات ذات الأسماء الشهيرة في عالم القهوة الإيطالية، عزمها تقديم القهوة الأصلية. فقد أعدَّت مجموعة "لافاتزا" (Lavazza) خططاً طموحة للتوسع في الصين، إذ تسعى الشركة الإيطالية العائلية إلى افتتاح ألف متجر لها في البلاد بحلول عام 2025، بعد أن افتتحت متجرها الأول في شنغهاي في العام الماضي، وقامت بعدها بافتتاح العديد من المقاهي على امتداد البلاد.
اقرأ أيضاً: "شاي الفقاعات" يمنح زوجين ثروة بقيمة 2.2 مليار دولار
حياة على الطريقة الإيطالية
تتميز هذه المقاهي بتصاميمها التي تشمل لوحات جدارية، وماكينات تقليدية لصناعة الموكا، وديكورات من الرخام الأبيض، إذ يعبق المتجر في شنغهاي بنكهة الحياة على الطريقة الإيطالية التي تأمل الشركة أن تلقى إقبالاً لدى المستهلكين الصينيين المتشوقين لاختبار الترف والأسلوب الأوروبيين.
وقال جفري يونغ، الرئيس التنفيذي ومؤسس مجموعة "أليغرا" للاستشارات الاستراتيجية، إنَّ "لدى (لافاتزا) الفرصة لتظهر كعلامة تجارية أوروبية ذات جودة عالية تملك إرثاً في مجال الإسبريسو الذي يلقى إعجاب المستهلكين من متذوقي القهوة".
اقرأ المزيد: بدون بُن؟ شركة ناشئة تقدم مفهوماً جديداً لفنجان القهوة
إلا أنَّ الاستحواذ على حصة من السوق الصينية لن يكون سهلاً بالنسبة إلى "لافاتزا"، على الرغم من امتلاكها خبرة أكثر من قرن في مجال القهوة. فقد استغرقت "ستاربكس" أكثر من اثنتي عشرة سنة من أجل فتح ألف مقهى لها في البلاد، وقد أصبحت اليوم القوة المسيطرة مع أكثر من 5 آلاف متجر. إلى ذلك؛ فإنَّ "ستاربكس" تمتلك خبرة تمتد لعقود في ترقية شبكتها حول العالم. في المقابل، تشتهر "لافاتزا" بشكل أساسي ببيع حبوب القهوة الفاخرة، أكثر من كونها شركة رائدة في مجال البيع بالتجزئة، إذ لا تمتلك إلا متجراً واحداً في لندن وآخر في ميلان، إلى جانب متاجرها في الصين.
شراكة ضرورية
ربما تملك "لافاتزا" سلاحاً سرياً. فقبل عام، أنشأت الشركة التي تتخذ من تورين مقراً لها، مشروعاً مشتركاً مع شركة "يم تشاينا هولدينغز" (Yum China Holdings)، المشغل المحلي المالك لحقوق مطاعم شهيرة، مثل "كيه اف سي" (KFC)، و"بيتزا هات" (Pizza Hut) في البر الرئيسي الصيني. بالتالي؛ ستستفيد "لافاتزا" من سلسلة إمداد شركة "يم"، وبنيتها التحتية اللوجستية، ومن خبرتها في السوق المحلية. هذا وتمتلك "يم" 65% من الشراكة، في حين تمتلك "لافاتزا" الباقي. وقد ضخَّ الشريكان 200 مليون دولار في المشروع من أجل تمويل النمو.
اقرأ أيضاً: لتقليل النفايات.. "ستاربكس" تستخدم في 2025 أكواباً قابلة لإعادة الاستخدام
قال الرئيس التنفيذي لـ"لافاتزا"، أنطونيو بارافال إن "السوق الصينية تشكل فرصة كبرى". وأضاف: "شركة (يم تشاينا) لاعب عالمي في عالم الطعام. نحن شركة إيطالية تبلغ من العمر 126 عاماً، تقدم الخبرة، ووصفات القهوة الأصلية، بالإضافة إلى العلامة التجارية المعروفة، فضلاً عن خليط من الموضة والأناقة يحظى بتقدير الشعب الصيني".
بالفعل، بدأت "لافاتزا" تنتشر في الصين بسرعة مع افتتاح أكثر من 20 مقهى في شنغهاي، وهانغتشو، وبكين، وغوانغتشو. قال مارك تانر، المدير الإداري لشركة التسويق والتمييز التجاري "تشاينا سكيني" (China Skinny)، إنَّ "لافاتزا" كانت ستواجه صعوبات كبرى "لولا وجود شريك قوي لها في الصين". وأضاف: "تمتلك (ستاربكس) حصة كبيرة جداً من السوق، إذ لا تترك إلا الفتات للآخرين".
التحول إلى شرب القهوة
في غضون ذلك، يتوقَّع معظم المراقبين في قطاع صناعة القهوة أن تصبح الصين دولة من شاربي القهوة بشكل أساسي خلال السنوات الخمس التالية، إذ ستسجل السوق نمواً بمعدل سنوي مركب يقدَّر بأكثر من 10% بحلول عام 2026، بحسب شركة بحوث السوق "موردور" (Mordor)، والتي تتوقَّع أن تتوسع سوق القهوة في الولايات المتحدة بنصف هذا المعدل بين 2020 و2025.
كانت مبيعات متاجر القهوة والشاي المتخصصة في الصين قد ارتفعت لتصل إلى 7.7 مليار دولار في عام 2020، مقارنة مع 551 مليون دولار فقط في عام 2010، بحسب "يورو مونيتر إنترناشونال". وتضم الصين اليوم أكثر من 21 ألف متجر لتقديم القهوة، بحسب تقرير صادر عن "أليغرا" في عام 2020.
من جانبها، تحقق سلسلة مقاهي "ستاربكس" نمواً ثابتاً في الصين منذ عام 1999. ويعود الفضل إلى الشركة في تعريف الصينيين إلى مشروبات الجافا المتميزة، لا سيما الزبائن في مدن الصف الأول في بكين، وشنغهاي، وغوانشوو، وشينزين.
اقرأ أيضاً: شركة شاي الجبن الصينية تتأهب لطرح عام في هونغ كونغ بقيمة 500 مليون دولار
تطمح الشركة لزيادة عدد متاجرها إلى 6 آلاف بحلول نهاية السنة المالية 2022. في المقابل، ينتشر أكثر من 15 ألف مقهى لـ"ستاربكس" على امتداد الولايات المتحدة. وعلى الرغم من اشتداد المنافسة وتباطؤ المبيعات خلال الـ19 شهراً الأخيرة بسبب فيروس كورونا؛ لكن تواصل الشركة الاستثمار في الصين، وهي تبدو واثقة بشدة بالسوق على المدى الطويل، بحسب ما قاله الرئيس التنفيذي كيفن جونسن في يوليو.
بالنسبة إلى "لافاتزا" التي تأسست في عام 1895، وظلت تمتلكها عائلة واحدة طوال أربعة أجيال؛ فإنَّ إرثها الأصيل يشكِّل عاملاً ترويجياً فريداً من نوعه. وعلق بارافال على الشراكة مع "يم"، فقد وصفها بـ"الزواج المثالي"، مشيراً إلى أنَّها تتجاوز المقاهي، إذ بات المشروع المشترك بينهما الموزع لمنتجات "لافاتزا"، بما فيها حبوب القهوة في كل من أسواق الجملة وأسواق التجزئة. وأضاف أنَّ "العمل يحقق تقدُّماً".
المشاعر القومية والمقاطعة
الميزة الأخرى للتحالف مع "يم" أنَّه قد يحمي "لافاتزا" من المشاعر القومية التي أسهمت في تسريع حدوث التحول في الصين نحو الإقبال على الشركات المحلية. فالشركات العملاقة الأجنبية، مثل "نايكي"، و"أديداس" تعرضت للكثير من الضغوط بسبب مقاطعة المتسوقين لها على خلفية مواقفها المعترضة على معاملة الإيغور المسلمين في إقليم شينجيانغ.
قال بارافال، إنَّ المقاهي في الصين سوف تقدم خلطات مختلفة قليلاً، ومأكولات تتلاءم مع الذوق المحلي، إلى جانب الأطباق الإيطالية، مثل "اللازانيا" المقدَّمة في سياق ديكور يعرض صوراً من الأفلام والمعالم الإيطالية.
مع ذلك، ربما لا يكون كلّ ذلك كافياً لجذب الزبائن المحليين المعتادين على "ستاربكس" بحسب جايسون يو، المدير الإداري لشركة البحوث "كانتار وورلد بانل الصين العظمى". وقال: "الأصل الإيطالي الخالص قد لا يكون كافياً لجذب الزبائن الشباب الذين لديهم ثقة أكبر بالثقافة وأسلوب الحياة المحليين".