لعقود من الزمن، كان نقل السياح إلى مقاصد العطلات، عاملاً مساعداً في تغطية شركات الطيران الكبرى لتكاليفها الأساسية. لكن مقدمة الطائرة، هي المكان الذي حققت من خلاله معظم أرباحها.
لذلك عندما أثر الوباء على السفر بغرض العمل، بدأت شركات النقل الجوي في البحث عن طريقة أخرى لزيادة أرباحها، وهو ما يمكن إيجاده بشكل متزايد في الدرجة الاقتصادية الممتازة، حيث يمكن للمسافرين تجنب المساحات الضيقة التي تتسم بها الدرجة الاقتصادية العادية، دون إنفاق آلاف الدولارات على المساحات الواسعة التي تتميز بها درجة رجال الأعمال.
إقرأ أيضاً: "إياتا": خسائر شركات الطيران جرّاء كوفيد تتجاوز 200 مليار دولار
في ظل تفشي كوفيد-19، أصبح المزيد من المسافرين بغرض الترفيه، مستعدين لإنفاق المزيد من المال على مساحة إضافية، غالباً ما تزيد أسعارها على ضعف أرخص المقاعد الاقتصادية.
يقول جوها جارفينن، كبير المسؤولين التجاريين في شركة "فيرجن أتلانتيك إيرويز" (Virgin Atlantic Airways)، التي كانت رائدة في تقديم الخدمة في عام 1992، إن "الناس يشعرون باليأس تجاه تولي زمام أمور حياتهم الآن، ولم تعد شركات الطيران قادرة على إجبارهم على فئة واحدة، أو الاختيار بين فئتين فقط".
هذا الاتجاه كان يشهد انتعاشاً بالفعل قبل الوباء، مع نمو عمليات تركيب المقاعد الاقتصادية الممتازة -التي لا تشمل خيار الفئة الاقتصادية ذات المساحة الإضافية للأقدام- بنسبة 5% سنوياً في الأعوام الثلاثة السابقة لتفشي الوباء.
وتتوقع شركة الأبحاث "كاونتربوينت ماركت إنتلجنس" (Counterpoint Market Intelligence) تسارع هذه الوتيرة، مع تبني المزيد من شركات الطيران لفكرة المقصورة المنفصلة في الرحلات الطويلة التي تتميز بمقاعد أوسع قليلاً، وبضع بوصات إضافية للمساحة المخصصة للأقدام، واتكاء أكثر إلى الخلف، وشاشات أكبر، وطعام وشراب أفضل قليلاً.
إقرأ المزيد: شركات الطيران متفائلة بانفراجة في السفر لمسافات طويلة
تعمل أكبر ثلاث شركات طيران أمريكية -"أمريكان إيرلاينز" و"يونايتد إيرلاينز" و"دلتا إيرلاينز"- على إضافة مقاعد الدرجة الاقتصادية الممتازة عبر أساطيلها عريضة الهيكل. وقدمت شركة طيران الإمارات أول عروضها للدرجة الاقتصادية الممتازة هذا العام على بعض طائرات "إيرباص أيه 380" ذات الطابقين، فضلاً عن أن الشركة تخطط لإضافتها إلى طائرات "777 إكس" بناء على طلب من شركة "بوينغ".
كما أن شركة "فين إير" (Finnair)، المتخصصة في الرحلات الجوية التي تربط أوروبا بشرق آسيا عبر مركزها في هلسنكي، ستبدأ خلال العام المقبل، إضافة هذه الخدمة على جميع طائراتها ذات الهياكل العريضة، والبالغ عددها 27 طائرة.
عن ذلك، يقول توبي مانر، الرئيس التنفيذي لشركة الخطوط الجوية الفنلندية "فين إير": "الاستثمار كان قراراً سهلاً بالنسبة إلينا. الدرجة الاقتصادية الممتازة هي أكثر الفئات ربحية على متن الطائرة، والوباء يعزز هذا الاتجاه".
تشغل مقاعد مقصورات الدرجة الاقتصادية الممتازة مساحة تزيد بنسبة 10% على الدرجة الاقتصادية، بينما تتطلب مقاعد درجة رجال الأعمال مساحة أكبر بثلاثة أضعاف.
وتقول شركة "لوفتهانزا" الألمانية، إن الدرجة الاقتصادية الممتازة تولّد إيرادات أكثر بنسبة 33% لكل قدم مربعة مقارنة بالدرجة الاقتصادية و6% أكثر من درجة رجال الأعمال، فضلاً عن أنها أكثر ربحية بنسبة 40% من مقاعد رجال الأعمال، لأن عملية تركيب المقاعد أرخص. تمتلك شركة الطيران الألمانية مقصورات اقتصادية ممتازة على كل طائراتها العاملة على الرحلات طويلة المدى، والبالغ عددها 102 طائرة، كما أنها تدرس فكرة التخلص من المزيد من مقاعد درجة رجال الأعمال لتوسيع المساحة المخصصة لمقاعد الدرجات الأخرى.
في البداية، كانت "لوفتهانزا" تشعر بالقلق إزاء إمكانية تسبب هذه الخدمة في التأثير على حجوزات درجة رجال الأعمال، لكن معظم الركاب يرتقون بمستواهم من الدرجة الاقتصادية.
كما يقول هايك بيرلينباخ، رئيس تجربة العملاء في مجموعة "لوفتهانزا": "الدرجة الاقتصادية الممتازة هي الدرجة التي نركز عليها بشكل أكثر من غيرها".
يحذّر بعض العاملين في هذه الصناعة من أن التكلفة يمكن أن تمثل مشكلة بالنسبة إلى شركات الطيران التي تتعافى للتو من الأزمات المالية التي تسبب بها الوباء، حيث تتراوح تكلفة تركيب مقعد الدرجة الاقتصادية الممتازة على متن الطائرة ما يتراوح بين 8 آلاف و20 ألف دولار، وهو جزء بسيط من التكلفة التي تتراوح بين 75 ألف دولار و250 ألف دولار لكل مقصورة مخصصة للنوم في درجة رجال الأعمال.
مع ذلك، لا يزال هذا المبلغ يعادل خمسة أضعاف ما تدفعه شركات النقل الجوي مقابل مقاعد الدرجة الاقتصادية العادية. كما يقول كوينتين مونير، رئيس الخبراء الإستراتيجيين لدى شركة صناعة مقاعد الطائرات "سافران إس إيه" (Safran SA)، إن بعض شركات النقل تكافح لجمع الأموال اللازمة لإجراء التغيير. ويوضح أن "الكثير منها يتخذ وضع الانتظار والترقب".
تقول "لوفتهانزا تكنيك" (Lufthansa Technik)، وهي وحدة تابعة لمجموعة "لوفتهانزا" الألمانية ومتخصصة في صيانة مقصورات الطائرات، إن شركات الطيران الأخرى لديها استفسارات عديدة بشأن إضافة الدرجة الاقتصادية الممتازة وتقليص درجة رجال الأعمال، بينما تفكر بعض شركات الطيران الآسيوية في إلغاء درجة رجال الأعمال بالكامل.
من هذا المنطلق، يقول نيلز دوز، مدير مبيعات المنتجات في وحدة "لوفتهانزا تكنيك"، إن الأمر لن يستغرق سوى خمسة أيام تقريباً لتركيب مقاعد وإعادة تشغيل المقصورة، فهي "عملية هندسية بسيطة جداً".
تعتبر الدرجة الاقتصادية الممتازة الحالية مشابهة لدرجة رجال الأعمال التي قدمتها شركات الطيران في السبعينيات. فهي تقدم زيادة بسيطة في مستوى الراحة مع زيادة كبيرة في السعر. لكن شركات النقل الجوي في الأعوام الأخيرة، قلصت من أهمية الدرجة الأولى، الأمر الذي جعل درجة رجال الأعمال العامل الرئيسي الذي يميز علاماتها التجارية مع مقاعد يمكن ضبطها للاستلقاء وخدمة فاخرة.
تعتقد دراسة حديثة خاصة بالتصميم بإمكانية وجود مقاعد ثابتة في الدرجة الاقتصادية الممتازة، رغم أن شركات النقل لم تتجه لاغتنام الفرصة. كما تُظهر الدراسات الاستقصائية أن السمة الأكثر أهمية في درجة رجال الأعمال هي القدرة على الحصول على نوم هادئ على متن الرحلات الجوية التي تغادر في وقت متأخر من الليل، وبالتالي فإن مثل هذا العرض من شأنه تحفيز المزيد من المسافرين من رجال الأعمال على اتخاذ خطوة إلى أدنى السلم بدلاً من تشجيع مسافري الدرجة الاقتصادية على الارتقاء بمستوى رحلاتهم، حسبما يقول بن بيتيل، مستشار في شركة الاستشارات "كاونتر بوينت".
هذا يعني أنه في المستقبل القريب، ربما يكون مصدر جذب الرئيسي تجاه الدرجة الاقتصادية الممتازة هو ذلك الشعور الدافئ والغامض الذي يعتريك بمجرد إدراكك أنك لست جالساً في أسوأ مقعد على متن الطائرة، وذلك بصرف النظر عن مساحة إضافية بمقدار بضع بوصات.
يقول بيتيل: "الدرجة الاقتصادية الممتازة توفر ملاذاً ميسور التكلفة بعيداً عن الدرجة الاقتصادية، وربما الأهم من ذلك فرصة للمسافرين الاقتصاديين لتحسين مستوى رحلتهم".