تقلص البنوك في ألمانيا مساحات مكاتبها سريعاً مع تزايد عدد الموظفين الذين يعملون من منازلهم، ما يضعهم في طليعة تحوّل عالمي قد يُحدث تغييراً مستداماً في طريقة عمل المصرفيين.
يعكف "دويتشه بنك" حالياً على إخلاء طوابق عدة من مبناه الذي يضم حوالي 1000 موظف، كما يستبدل "إتش إس بي سي ألمانيا" ستة مكاتب منفصلة في دوسلدورف بمكتب واحد جديد بأقل من نصف المساحة، وتخفض وحدة "بي إن بي باريبا" في فرانكفورت المساحة المكتبية بما يكفي 60% من موظفيها فقط. كما قال المقرضان الإقليميان "دي زد بنك" و"بايرن إل بي" إنهما يدرسان خطوات مشابهة.
باعدت وتيرة سير البنوك في ألمانيا بشأن تغيير رقعتها العقارية بينها وبين نظيراتها الأوروبية التي اعتمدت سياسات سخيّة لتشجيع العمل من المنازل في عالم ما بعد الوباء. ويؤكد اتباع المقرضين توجه المكاتب المنزلية لخفض التكاليف على الفجوة بين أوروبا والولايات المتحدة، إذ تتمسك البنوك من أمثال "غولدمان ساكس غروب" بنموذج التواجد شخصياً.
أصبح تقليص المساحات العقارية ممكناً بفضل الانفتاح الجديد على العمل عن بُعد، الذي فتحت بوابته القيود الشديدة المفروضة على التنقّل جرّاء جائحة كورونا. وكشفت معظم البنوك الأوروبية عن سياسات عمل مرنة تسمح لمعظم الموظفين عموماً بالعمل من المنازل ليومين أو ثلاثة أسبوعياً. نتيجة ذلك، تحوّل كثر من تحديد مكاتب عمل دائمة للموظفين إلى نموذج "المكاتب الساخنة"، أي استعمال الموظف لأي مكتب متاح لدى وصوله إلى مكان العمل.
إعلانات المصارف
- "بايرن إل بي": خفّض عدد المكاتب إلى ما يستوعب 70% من الموظفين وقد يٌقلّص المساحات المكتبية لاحقاً.
- "بي إن بي ألمانيا": سيضم المقر الجديد للبنك في فرانكفورت مكاتب لـ60% من الموظفين فقط.
- "دويتشه بنك": أكّدت المتحدثة باسم البنك إخلاء عدة طوابق في أحد مبنيين بمدينة هاملين.
- "دي زد بنك": قال رئيس الموارد البشرية إن البنك سيُخفّض معدل المكاتب للموظفين إلى 0.7 من 1.1، مع احتمال أن يتبع ذلك دمج لوحدات مختلفة في فرانكفورت بمبنى واحد.
- "إتش إس بي سي ألمانيا": سيتخلى عن ستة مبانٍ في دوسلدورف، وينقل الجميع إلى مقر جديد، لتتراجع مساحة المكاتب بنسبة 55%.
تعويضات باهظة
قال مقرضون من ضمنهم "كريدي سويس"، و"يو بي إس"، و"يوني كريدي" إنهم سيشغلون مساحات مكتبية أقل في نهاية المطاف، لكن قلّة خارج ألمانيا كشفت عن خطوات ملموسة نحو شغل مباني أصغر بعد الوباء.
جرت العادة أن يتم تقليص مساحة المكاتب تدريجياً، حيث إن العديد من عقود الإيجار تمتد عشرة أعوامٍ أو أكثر، ويُمكن أن يؤدي إنهاء الاتفاقيات مبكّراً إلى دفع تعويضات باهظة. إلى جانب ذلك، حدّدت بنوك عديدة أخيراً حجم العمل الذي تتقبل أن يكون من المنازل والأدوار التي يتلاءم معها ذلك، ما يعني أن التخطيط للمخططات المكتبية المستقبلية قد يبدأ بشكل جدّي الآن.
كانت بعض المصارف، من أمثال "دويتشه بنك" و"بي إن بي باريبا" السباقة نحو تقليص حجم المكاتب، قد بدأت هذه الخطوات مما سهّل عليها تنفيذ ذلك بعد انتشار الوباء. ويتعيّن على المُقرض الألماني (دويتشه) طرح تصميم جديد للمكاتب في جميع أنحاء ألمانيا، ليُركّز بشكل أكبر على طاولات العمل غير المخصصة، ومساحات الاجتماعات، أو ما يعرف داخلياً باسم برنامج مستقبل العمل.
تواجه بنوك عديدة في ألمانيا ضغوطاً شديدة لتخفيض التكاليف، ما حدا بهم لاعتبار نفقات استئجار المكاتب وصيانتها كأحد سبل ذلك. وعادة ما تكون هذه النفقات من بين أكبر عناصر الإنفاق لدى البنوك، بعد الرواتب وتكاليف تكنولوجيا المعلومات.
وقال درور بوليغ، الرئيس المشارك لمجلس التكنولوجيا والابتكار في معهد الأراضي الحضرية بمدينة نيويورك: "بينما أصر نظراؤهم الأمريكيون على العودة إلى ثقافة تتمحوّر حول المكاتب، استعدّت البنوك الألمانية لتبني أسلوب العمل عن بُعد والتحدّث بصراحة عن التخلّي عن المساحات المكتبية بشكل جماعي".