الأموال السهلة ستستمر.. لكن البنوك المركزية ستكون أكثر صرامة

جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي - المصدر: بلومبرغ
جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

يعد التحول الجاري في السياسة النقدية العالمية تطوراً أكثر دقة من كونه ثورة. على الرغم من كل الحديث عن تحول نحو أسعار فائدة أعلى، فمن المرجح أن تظل الظروف ميسرة نسبياً لسنوات قادمة في الاقتصادات الأكثر أهمية.

من غير المرجح أن تنخرط البنوك المركزية في مناهج جريئة جديدة لتحفيز النمو ودعم الأسواق؛ من المتوقع أن يكون التوسع العالمي في عام 2021 واحداً من أقوى التوسعات منذ عقود بعد أسوأ أداء منذ ما يقرب من قرن في العام الماضي.

تحركات تدريجية وحذرة

هذا ليس مثل التشديد الضروري، حيث إن أي عودة إلى ما كان طبيعياً قبل وباء فيروس كورونا تحتاج إلى مرور سنوات على الأقل.

المؤسسات الثلاث التي هيمنت تقليديا على المشهد السياسي، بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والبنك المركزي الأوروبي، وبنك اليابان، لن تغير من سياستها، بصفة خاصة على نحو سريع. حتى الصين، التي لم تتخذ الكثير من الإجراءات في ظل الركود، تمضي بحذر.

تستند سردية تشديد السياسات النقدية جزئياً، إلى بعض الأمثلة المعقدة. غالبا ما يُستشهد بتركيا لأن صانعي السياسة لديها يتسمون بالتشدد في قراراتهم بعد الزيادات الهائلة في أسعار الفائدة العام الماضي، والتي كانت تهدف إلى وقف انهيار العملة واحتواء التضخم المرتفع بالفعل.

أنهت تركيا عام 2020 ولديها أعلى تكاليف اقتراض بين دول مجموعة العشرين، وجرى التخلص من المسؤولين في صفوفها القيادية. هذه الأحداث المتطرفة تجعل البلاد أكثر خروجاً عن المألوف من أي شيء آخر.

كانت نيوزيلندا أيضاً في أذهان المستثمرين منذ الشهر الماضي، عندما بدأ المسؤولون في الارتفاع لعام 2022. وقد صدرت هذه التوقعات عن مستثمرين. مع ذلك، وضع بنك الاحتياطي النيوزيلندي الكثير من المحاذير.

قال رئيس بنك الاحتياطي النيوزيلندي، أدريان أور، في أواخر شهر مايو الماضي: "أنت تتحدث عن النصف الثاني من العام المقبل"، من يعرف أين سنكون بحلول ذلك الوقت؟" (إذا لم تكن قد استمعت لهذا الإيجاز الصحفي، فإن الأمر يستحق الاستماع إليه).

تقليص برامج الطوارئ

هذا لا يعني أنه لا توجد حركة على جبهة السياسة النقدية. قد يبدأ بنك الاحتياطي الأسترالي في وقف أحد برامج الإنقاذ الطارئة الأسبوع المقبل، في محاولة للحفاظ على عوائد ثلاث سندات عند مستوى قريب من الصفر.

في الوقت نفسه، من المتوقع أن يواصل بنك الاحتياطي الأسترالي برنامج التيسير الكمي، وقد أكد رئيس البنك، فيليب لوي مراراً وتكراراً أن رفع سعر الفائدة الأساسي قد يستغرق سنوات.

في كوريا الجنوبية، التي تتمتع بانتعاش قوي بفضل صادرات التكنولوجيا، قد تزيد من معدلات الفائدة الأساسية بحلول نهاية العام. هل ذلك مهم؟ حتما. مع ذلك، أكد رئيس بنك كوريا الجنوبية، لي جو يول، الأسبوع الماضي، أنه مع انخفاض معدل الفائدة الرئيسي إلى 0.5%، فإن خطوة أو خطوتين بعيداً عن مستوى برامج التسهيلات الطارئة لا ينبغي أن يُنظر إليها على أنها تشديد للسياسات. كما بدأت كندا في تقليص مشترياتها من الأصول.

الاقتصاد يتعافى

تلخص القضايا التي تواجهها أستراليا وكوريا الجنوبية معضلة أوسع. يحتاج صانعو السياسات إلى الاعتراف بأن الاقتصادات بدأت تعود إلى وضعها الطبيعي، وأن الأسواق المالية قد استقرت على نطاق واسع، وأن التضخم آخذ في الارتفاع.

إن الاستمرار دون أي نوع من التغيير، مهما كان محدوداً وتدريجياً، ليس ذا مصداقية. ويعتقدون أيضاً إنه من غير المرجح أن تطول فترة ارتفاع التضخم، وأن أسواق العمل لم تعد إلى كامل نشاطها. إنه توازن دقيق لأكثر رؤساء البنوك المركزية مهارة. الخبر السار لسيدني وسيول هو أن مصير العالم لا يعتمد عليهما.

تحدي الفيدرالي الأمريكي

تقع هذه المسؤولية على عاتق بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. على الرغم من أن بعض المستثمرين شعروا بالدهشة لأن اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة الأمريكية توقعت زيادتين في الأسعار في عام 2023، فقد شدد كبار المسؤولين على اعتقادهم بأن التضخم سيظل تحت السيطرة وأن القفزات في الأسعار لن تستمر طويلا.

لم يكشف بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عن جدول زمني للتوقف عن شراء الأصول. يعتبر ارتفاع سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية أمرا يتعلق بالأفق طويل المدى للغاية. (لن أهتم كثيرا بحفنة من رؤساء فروع البنك الفيدرالي في المقاطعات الذين يضعون سيناريوهات لرفع أسعار الفائدة العام المقبل. والأهم من ذلك هو أن كبار المسؤولين لا يزالون متشائمين).

الصين تتقدم بخطوة

يتقدم بنك الصين الشعبي، الذي غالباً ما يُصور على أنه يسبق نظيره الأمريكي بخطوة، لكن بحذر. تعمل بكين على كبح جماح برامج التحفيز الاقتصادي، لكنها تدرك عدم المبالغة في ذلك، ويعود ذلك جزئيا لخشيتها من زيادة تدفقات رأس المال التي من شأنها تعزيز سعر صرف عملة اليوان.

بعد التعافي القوي من الركود في أوائل عام 2020، قد يبدأ الاقتصاد الصيني أيضا في التباطؤ، أو على الأقل الثبات. وبينما قفزت أسعار تسليم المصنع إلى الأمام، ظل تضخم أسعار المستهلك خافتاً. من غير المرجح أن تصبح الصين، التي لم تخفف سياساتها النقدية بقوة مثل بنك الاحتياطي الفيدرالي في المقام الأول، أكثر تشدداً بطريقة علنية.

لن تدوم لعبة الجمباز النقدي لأوائل عام 2020 إلى الأبد. لكن المال السهل لم ينته بعد. لا تخلط بين العمل على الهامش والحدث الرئيسي.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة