مصرفيون يغادرون "وول ستريت" إلى وطنهم أستراليا

سيدني التي تسيطر على كورونا تجذب مواطنيها من وول ستريت مع وجود فرص عمل مشجعة في القطاع المالي - المصدر: بلومبرغ
سيدني التي تسيطر على كورونا تجذب مواطنيها من وول ستريت مع وجود فرص عمل مشجعة في القطاع المالي - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

في "وول ستريت"، قد يبدو الأمر كأنَّها تذكرة لمسافة 9929 ميلاً إلى اللامكان، ومع ذلك، قايضت كاثرين مكورماك، وظيفة رائعة في "غولدمان ساكس" في نيويورك بوظيفة مالية في وطنها أستراليا.

قد يبدو ذلك عملاً قاتلاً للحياة المهنية، لكن تقول ماكورماك، البالغة 39 عاماً، إنَّ المميزات تفوق السلبيات في عالم ما يزال يعوقه تأثير الوباء المستمر.

وهي ليست وحدها، فلأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، يعود أستراليون إلى موطنهم أكثر مما يغادرون، وبلغ العدد التقريبي العام الماضي 25 ألفاً.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

العودة إلى أستراليا

ودفع الوباء الناس في كل مكان لإعادة التفكير بشأن الحياة والعمل، ولكن القليل يعودون إلى موطنهم بقدر الأستراليين الذين يشتهرون بتجوالهم على مدار عقود للعمل في الشركات التجارية، وقطاع التمويل حول العالم.

وهم يصلون إلى بلدٍ تندر فيه حالات كوفيد- 19، بما يكفي لمناقشة كل حالة على حدة، وتشريحها، في الوقت الذي تغلق فيه سنغافورة مرة أخرى، وتخرج مدينة نيويورك مؤقتاً من ويلات فيروس أودى بحياة ما يقرب من 33 ألف شخص.

وتعمل حانات ومطاعم سيدني في الغالب مثل عام 2019، وتعرض مسرحية برودواي الموسيقية الشهيرة الناجحة "هاميلتون" أمام جمهورها المباشر الوحيد في العالم.

والمكان الذي يعود منه كل هؤلاء من الأستراليين هو مسألة تخمين، لكنَّ بعضهم على الأقل وصلوا من المراكز المالية الكبرى، مثل: نيويورك، ولندن، وهونغ كونغ، والأموال التي جلبوها معهم تتدفَّق الآن في الاقتصاد الأسترالي، ويضيف إلى الطلب على المنازل ذات الأسعار المرتفعة، ويعزز طلبات الالتحاق بالمدارس الخاصة في مدن مثل سيدني.

أحوال مثالية

أكثر قطاع يظهر فيه هذا الاتجاه هو القطاع المالي، فقد خلق نجاح أستراليا في احتواء الفيروس، إلى جانب إعادة الهيكلة التي تحدث مرة كل عقد في سوق الخدمات المصرفية الاستثمارية، أحوالاً مثالية للعودة للوطن.

قالت ماكورماك، التي تركت منصب المدير الإداري في "غولدمان ساكس" للانضمام إلى "جاردن سيكيوريتيز ليمتد"، وهي شركة نيوزيلندية للخدمات المصرفية الاستثمارية، وجديدة على السوق الأسترالية: "هل فكرت فيما كنت أتخلى عنه؟ بالتأكيد فعلت: الخطوة التالية هي أن أكون شريكة".

ولكن عندما أتاح البنك الناشىء فرصة قيادة فريق الموارد الطبيعية، والاستثمارات المصرفية بعد شهور من الوباء الوحشي الذي دفع بالفعل بعض أصدقائها المقربين إلى الخروج من نيويورك، بدأ مسار أن تصبح شريكة في "غولدمان ساكس" فجأة أقل جاذبية.

وقالت: "إنَّ الخوف من تفويت الأشياء لا يعدُّ سيئاً عند معرفة أنَّ نيويورك الآن ليست نيويورك التي انتقلت إليها، أو استمتعت بها لمدة 10 سنوات".

تايوان أيضاً تجذب مواطنيها بالخارج

أستراليا ليست البلد الوحيد الذي يجني ثمار احتواء الفيروس بنجاح، إذ تستفيد بلدان أخرى في وضع مماثل من الاستجابة الإيجابية للأزمة الصحية، وتفوز بالمواهب، وعلى سبيل المثال، شهدت تايوان عودة روَّاد الأعمال في مجال التكنولوجيا إلى أوطانهم العام الماضي.

انتقلت مخضرمة سيليكون فالي، سوزان وو، وهي مديرة تنفيذية مبكرة في شركة "سترايب إنك" لمعالجة المدفوعات عبر الإنترنت، وقيمتها 95 مليار دولار، إلى تايوان قبل اندلاع الوباء مباشرة، وتقول إنَّها تعمل حالياً على تعزيز قطاع الشركات الناشئة في تايوان، وتدعو "جميع لاجئي كوفيد الآخرين" للمساعدة في بناء بنية تحتية تكنولوجية طويلة الأجل هناك.

طفرة العقارات

وبالعودة إلى أستراليا، يقول شاين إليوت، المدير التنفيذي لمجموعة أستراليا ونيوزيلندا المصرفية المحدودة، إنَّ الهجرة الوافدة تشعل سوق العقارات.

وأضاف: "عاد إلى الوطن عدد استثنائي من الأشخاص، وأول شيء يريدون القيام به هو شراء منزل.. ولدى الكثير من هؤلاء الناس أموال، وودائع، ويأتون من لندن وسنغافورة والولايات المتحدة".

وقال، إنَّ بنكه أساء تقدير مدى تعزيز العائدين للسوق المحلية.

ومن بين أولئك الذين يبحثون الآن عن منزل في سيدني، كريس نيكلسون وزوجته جاكي كليري، وكان نيكولسون مديراً إدارياً في شركة "إيفركور إنك" في نيويورك، ويستفيد الآن من ثورة الخدمات المصرفية الاستثمارية الأسترالية.

أثار وصول "جاردن" والبنك الاستثماري "بارين جوي كابيتال بارتنرز"، وكلاهما مليء بالمصرفيين الذين ساعدوا في جعل "يو بي إس غروب" أفضل لاعب في أستراليا، لعبة كراسي موسيقية هائلة، ويتطلَّع "يو بي إس" للدفاع عن مكانته من خلال توظيف بعضهم أيضاً، وقام بصيد نيكلسون لقيادة فريقه الاستشاري للبنية التحتية من نيويورك.

الاقتراب أكثر من العائلة

وبالنسبة لنيكلسون وكليري، وقد كانا يعملان مديرين إداريين في "بنك أوف أمريكا كورب"؛ كانت الخطوة الكبيرة التي اتخذاها الشهر الماضي مدفوعة بالعائلة ونمط الحياة، فقد أرادوا أن يذهب طفلاهما، البالغان من العمر 6 و4 سنوات، إلى المدرسة الثانوية في أستراليا في نهاية المطاف، كما أبرز الوباء الحاجة إلى الاقتراب من الآباء المسنين في الوطن.

قال نيكلسون: "اعتقدنا أنَّ الأمر قد يستغرق عامين للعثور على الوظيفة المناسبة، ولكن نتيجة للتغيرات في السوق، حدث ذلك سريعاً.. وابتكر "بارينجوي"، و"جاردن" سلسلة من التحركات التي لا نراها كثيراً في المجال - ربما مرة كل سبع أو 10 سنوات، وكان "يو بي إس" من أفضل 3 منصات على مدار العشرين عاماً الماضية وهذه الفرص لا تظهر كثيراً".

أضاف نيكلسون، الذي التقى بزوجته في رحلة تزلج إلى كولورادو، أنَّهم سيفتقدون التزلج، لكنَّهم متحمسون للعيش قبالة الشاطئ، والقدرة على الاستمتاع بالهواء الطلق طوال العام.

اتجاه معكوس

انضمت كليري إلى شركة "جيفريز غروب"، إذ ستقود الفريق الاستشاري للمؤسسات المالية بالبنك، وقال مايكل ستوك، المدير التنفيذي للشركة في أستراليا، إنَّ البنك عيَّن أشخاصاً من الداخل والخارج من لندن، ونيويورك، وهونغ كونغ خلال العام الماضي.

وقال ستوك، الذي قام بنفسه برحلة العودة من لندن إلى سيدني منذ عشر سنوات: "في البيئة المصرفية الاستثمارية، كانت أستراليا تاريخياً مصدراً للمواهب، ولكن نتيجة لكوفيد، والفرص الأوسع التي ظهرت عبر الشركات الاسترالية حديثة التأسيس، انعكس هذا الاتجاه بالتأكيد".

ولم تكن ماكورماك التي انضمت لـ"جاردن" المنشق الوحيد مؤخراً عن "غولدمان ساكس"، فقد استعان "كيويبنك" بسارة رينيه لقيادة أعمال أسواق الأسهم العام الماضي، مما خلق الفرصة المثالية لإيان تايلور، لكي يعود إلى سيدني، ويشغل منصبها في "غولدمان ساكس"، وقضى تايلور، الذي انتقل مع صديقته في نوفمبر، حوالي عشر سنوات في مدينة نيويورك أولاً في "غولدمان ساكس"، ثم في "غالاكسي ديجيتال هولدينغز ليمتد" المملوكة للملياردير مايك نوفوغراتز.

فرص متاحة في سيدني

قال تايلور: "أعتقد أنَّه من المنصف أن نقول، إنَّه عندما تكون في الحجر الصحي في نيويورك كما كنا، ومع مرور الأسابيع والأشهر، فإنَّ ذلك يشحذ العقل.. ونتيجة لذلك، قد تكون أكثر انفتاحاً على فكرة العودة إلى الوطن أكثر مما قد تكون في وقت آخر".

بعيداً عن التخلي عن الطموح المهني، قال تايلور إنَّ خطوته تؤكِّد الفرص المتاحة في أستراليا في الوقت الحال، وفي حين يفتقد الطاقة ووسائل الراحة في نيويورك، يسعده أن يكون أقرب إلى بنات أخته الصغار، ويستمتع بالسير في عطلة نهاية الأسبوع على طول الممشى الساحلي الشهير في سيدني جنوب شاطئ بوندي.

قال: "الحقيقة هي أنَّنا قد نعيش حياة طويلة، وعلينا أن ننظر نظرة طويلة المدى على حياتنا المهنية.. وفي الوقت الحالي، أنا أستمتع بالتحدي أمامي، وأنا متأكِّد من أنَّه سيخلق فرصاً أخرى داخل الشركة بالنسبة لي هنا، وقد تكون هناك فرص في الخارج مرة أخرى في المستقبل".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك