لازارد، وجيه بي مورغان، ودويتشه بنك، وروتشيلد، و"اتش اس بي سي" يتوسعون في السعودية

البنوك العملاقة تتسابق نحو الرياض

أبراج الأعمال في حي الملك عبدالله المالي في العاصمة السعودية الرياض - المصدر: بلومبرغ
أبراج الأعمال في حي الملك عبدالله المالي في العاصمة السعودية الرياض - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

عندما أعاد "دويتشه بنك" الشهر الماضي رئيسه التنفيذي السابق لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا إلى منصبه، جاء الأمر مختلفاً بعض الشيء هذه المرة؛ فعلى عكس مهمته السابقة في البنك الألماني، لن يقيم جمال الكشي بعد الآن في دبي، مركز الأعمال التقليدي في المنطقة والمعروفة بالفيلات الفخمة ووسائل الراحة للمغتربين. وبدلاً من ذلك، سيكون مقره في مدينة شرق أوسطية أقل بريقاً، هي الرياض.

"العصا والجزرة"

كذلك يقوم أكبر بنوك ألمانيا بزيادة عدد موظفيه في العاصمة السعودية، وهي واحدة من الأماكن القليلة على مستوى العالم التي يفعل فيها ذلك. وتعكس التغييرات كيف أن المدينة المحافظة -حيث تحظر المشروبات الكحولية- بدأت تبرز تدريجياً كمركز مالي. ومن خلال اتباع نهج "العصا والجزرة"، سهّل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على الشركات الأجنبية ممارسة نشاطها، لكن قانوناً جديداً أصدرته الحكومة يضطر هذه الشركات أيضاً إلى إنشاء مقارٍ رئيسية في المملكة أو المخاطرة بخسارة أعمالها مع الكيانات الحكومية التي لديها ملاءة مالية بمليارات الدولارات نتجت من الثروة النفطية.

بلومبرغ: "بلاك روك" تحشد المستثمرين بأول قمة من نوعها في السعودية

تهدف هذه الخطوة إلى جذب الشركات من مراكز مالية دولية مثل هونغ كونغ، وسنغافورة، وخاصة من دبي المجاورة. ويقول مصرفيون إن الضغط السعودي للتوسع على أرض الواقع يتجاوز القانون الجديد؛ فخلال المناقشات، يسأل كبار المسؤولين السعوديين باستمرار عما إذا كان المسؤولون التنفيذيون يخططون لقضاء المزيد من الوقت في المملكة أو توسيع المقار الحالية، في حين يعرضون تسريع إصدار التراخيص لمن يلتزمون بالعيش مع أسرهم في الرياض. لم يستجب ممثلو الحكومة لطلب التعليق.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

نجاح جزئي

تكللت هذه الجهود بالنجاح جزئياً، حيث أنشأ عدد قليل من البنوك الدولية مقرات إقليمية في الرياض، على الرغم من أن الاتجاه واضح. فقد افتتحت "روتشيلد آند كو" مؤخراً مكتبها الجديد في المركز المالي بالعاصمة السعودية الذي تبلغ قيمته 10 مليارات دولار، متعهدة بنقل المصرفيين إليه من دبي وأماكن أخرى. كما وصلت مستويات التوظيف في البنك الاستثماري التابع لـ "إتش إس بي سي هولدينغز" وفي "جيه بي مورغان تشيس آند كو" إلى مستويات مماثلة لدبي، بحسب مسؤولين في كلا البنكين. وفي الوقت نفسه، اختارت شركة "لازارد" (Lazard) للخدمات المالية الرياض قاعدةً رئيسيةً لوحدتها الاستشارية الإقليمية. وأنشأت شركة الخدمات المالية الأميركية "نورثرن ترست كورب" (Northern Trust Corp) العام الماضي مقرها الإقليمي في الرياض.

"روتشيلد" أحدث القادمين إلى الرياض للاستفادة من نمو فرص الأعمال

ومع ذلك، وعلى الرغم من أن الرياض تضج بالتغيير والنشاط، فإن المغتربين يشيرون إلى مشكلات عالقة في العثور على رعاية صحية ومدارس جيدة. ويصف البعض أيضاً الصعوبات التي تواجه العمل في بلد تكثر فيه مطالب المسؤولين من مستشاريهم الماليين، وغالباً ما يتخذون قرارات هامة في الليل ويتوقعون حضور المصرفيين ما إن تعن لهم فكرة مفاجئة أو رغبة عارضة. لكن لم يكن أي من ذلك كافياً لإبطاء وتيرة الاندفاع نحو الرياض.

"عملاق نائم استيقظ"

حصلت مي نصر الله، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة الاستشارات المتخصصة "دينوفو بارتنرز" (deNovo Partners) على ترخيص مؤقت لتأسيس نشاطها محلياً في الآونة الأخيرة، وتقول: "تستطيع أن تعتبر السعودية عملاقاً نائماً، استيقظ أخيراً بقدر كبير من الطاقة المكبوتة ويسعى جاهداً للحاق بمن حوله والتفوق عليهم". وتضيف: "هناك ضغوط كثيرة بشكل خاص على الشركات والمؤسسات الدولية لإقامة مقارها الإقليمية في السعودية مع وعد بفوائد اقتصادية كبيرة لهذه المؤسسات، مثل منح عقود كبيرة ومربحة للشركة التي تمتثل".

العقارات المكتبية في الرياض تحافظ على زخمها رغم الركود العالمي

وأعربت نصر الله عن اعتقادها بأن السعودية مع مرور الوقت ستسد الفجوة بينها وبين المراكز المالية الأخرى، ولكن "يظل التحدي قائماً حتى الآن؛ إذ إن البنية التحتية الشاملة والنظام البيئي المحيط بها لم تصل بعد إلى نفس مستوى المراكز المالية الأخرى". وأشارت إلى النقص في السكن والتعليم والخدمات باعتباره التحدي الرئيسي الذي يواجه الأسر الراغبة في الانتقال إلى الرياض، وكذلك ندرة المواهب المحلية بالنسبة للشركات الدولية التي تتوسع على أرض الواقع.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

التعطش للصفقات

مع مواجهة الاقتصادات الأوروبية والآسيوية قدراً أكبر من عدم اليقين، فإن التأسيس في الرياض يسمح للبنوك بالاقتراب من بعض الكيانات الأكثر تعطشاً للصفقات في العالم، بما في ذلك صندوق ثروة سيادي يضخ المليارات في المشروعات المحلية ويحول تدفقات الأموال إلى صفقات عالمية من الولايات المتحدة إلى آسيا.

وفي الوقت نفسه، يقول المصرفيون إن الرسوم التي يمكن تحصيلها في المملكة –وكذلك في بقية منطقة الخليج– ما تزال أقل من التوقعات نظراً لحجم الاقتصاد والصفقات. وفي بعض الاكتتابات العامة الأولية السعودية الأخيرة، كانت الرسوم مجرد نزر يسير مما يمكن كسبه في أماكن أخرى. فعلى سبيل المثال، دفعت شركة "أرامكو السعودية لزيوت الأساس" (لوبريف) 85 مليون ريال، أو 1.7% كرسوم، مقابل طرحها البالغ 1.3 مليار دولار في السنوات القليلة الماضية. وفي الولايات المتحدة، يمكن أن يصل متوسط ​​الرسوم إلى خمسة أضعاف ذلك تقريباً.

وهذا يعني أن ازدهار الصفقات السعودية لم يُترجم دائماً إلى رسوم كبيرة للبنوك.

عمالقة التكنولوجيا يعتمدون السعودية مقراً إقليمياً

تظل كيفية تفسير قانون المقرات الإقليمية مفتوحة للمناقشة بالنسبة للبنوك الدولية. ويرى البعض أن القانون ليس مخصصاً لهم في بادئ الأمر بقدر ما هو للشركات متعددة الجنسيات مثل شركات التصنيع العالمية.

تعمل وزارة الاستثمار والبنوك مع شركة "باين آند كو" (Bain & Co) الاستشارية لتبسيط العملية أو حل أي غموض بخصوص مسألة المقر الإقليمي.

بنوك تعزز أعمالها في الرياض

البنك ماذا يفعلون في السعودية
لازارد الرياض هي قاعدة لأعمال الاستشارات الإقليمية
جيه بي مورغان زيادة عدد الموظفين
روتشيلد إضافة مكتب جديد في الرياض
دويتشه بنك الرئيس التنفيذي للشرق الأوسط مقره الآن في الرياض
إتش إس بي سي زيادة التوظيف

نمط حياة آمن

يشير بعض المغتربين الذين اختاروا الانتقال إلى الرياض إلى فوائد نمط الحياة الآمن والمناسب للأسر. وتخطو المدينة بعض الخطوات في بناء مستشفيات عالية الجودة وغيرها من مرافق البنية التحتية، على الرغم من أنها ليست واسعة النطاق مثل العواصم المالية البارزة في أماكن أخرى. كما خفف ولي العهد العديد من القيود الاجتماعية، لكن المملكة ما تزال تتعرض لانتقادات من منظمات حقوق الإنسان بسبب موقفها من المعارضين.

وفي الوقت نفسه، يكثر قادة الأعمال السعوديون أيضاً بمطالبهم من المصرفيين الذين يتعاملون معهم. وقال أحد المصرفيين المقيمين في دبي، وطلب عدم ذكر اسمه لتتسنى له مناقشة مسائل تجارية خاصة، إن موكله السعودي حذره من أنه إذا لم يستقر في المملكة، فسيتخلى عن خدماته.

وفي حين قال "دويتشه بنك" إن الكشي -وهو مواطن سعودي- سيتوجه بانتظام إلى دبي، بل وأوروبا، فقد أكد على أهمية وجود عمليات في الرياض.

كما يؤدي الوجود الكبير على الأرض إلى تكوين علاقات طويلة الأمد مع أشخاص يمكن أن يصبحوا يوماً ما قادةً كباراً. وتعقد بنوك مثل "جيه بي مورغان" و"إتش إس بي سي"، التي تعمل منذ عقود في المملكة، فعاليات سنوية للخريجين تجتذب السعوديين الذين أصبحوا مسؤولين مهمين في بعض أكبر الهيئات الحكومية.

مدن متكاملة جديدة تغيّر وجه السعودية خلال سنوات

وعلى الرغم من توسع البنوك العالمية في الرياض، فإنها تعتمد اعتماداً كبيراً على الاستعانة بالمواهب المحلية لأن العديد من المغتربين ما يزالون مترددين في الانتقال إلى المملكة. ويواصل العديد من المديرين التنفيذيين الأجانب التنقل بين دبي والعاصمة السعودية لتجنب الانتقال إلى هناك. كما أصبحت الرحلات الجوية بين دبي والرياض أكثر كلفة، وغالباً ما تُحجز قبل أسابيع، مما يجبر كبار المصرفيين على السفر على الدرجة الاقتصادية بدلاً من درجة رجال الأعمال على الطائرات.

ويتعين على البنوك الأميركية والأوروبية أيضاً أن توازن بدقة بين الرياض ودبي وحتى أبوظبي، حيث تخوض جميعها سباقاً لجذب الشركات المالية. وما تزال دبي مهيمنة كونها المركز المالي الأكبر في الشرق الأوسط، في حين أن العديد من الصناديق السيادية العملاقة في إمارة أبوظبي هي عامل جذب رئيسي. وقد يضر الاندفاع نحو مركز إقليمي واحد على حساب آخر بإقامة البنوك الاستثمارية علاقات طويلة المدى.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

وفي الأيام القليلة الماضية، حصلت شركة "بلاك روك" على ما يصل إلى 5 مليارات دولار من صندوق الاستثمارات العامة، الصندوق السيادي في السعودية، للاستثمار في الشرق الأوسط وبناء فريق استثماري مقره الرياض. ومن خلال وجود أسماء كبيرة متجذرة بقوة في مراكزها المالية، تسعى الحكومة السعودية أيضاً إلى اكتساب نفوذ أكبر في عالم التمويل الضخم، وتوسيع أسواق رأس المال، وجذب الأموال الأجنبية، والتأكيد على أهمية المملكة. لكن إحجام العديد من الأجانب عن العيش لفترة طويلة في الرياض على الرغم من احتمال الحصول على رواتب أعلى ما يزال يقوض جهود الحكومة لجذب الاستثمار الأجنبي.

الصندوق السيادي يضخ 5 مليارات دولار بمنصة استثمار "بلاك روك السعودية"

كما أن المنافسين الإقليميين للسعودية لم يقفوا مكتوفي الأيدي أيضاً. فقد كثفت أبوظبي جهودها لجذب الشركات المالية، وتعزز شركات ذات ثقل، منها "مورغان ستانلي"، و"دويتشه بنك"، و"جيه بي مورغان"، و"روتشيلد" أعمالها هناك، في حين تظل دبي المكان المناسب للعديد من المتخصصين الماليين الذين يشيدون بالمجموعة الواسعة من المطاعم والسلامة في المدينة وشبكة الخطوط الجوية التي تربطها ببقية العالم.

ويقول ألكسندر فون تسور موهلين، عضو مجلس إدارة "دويتشه بنك" والرئيس التنفيذي لمنطقة آسيا والمحيط الهادي وأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا وألمانيا في البنك: "تحدث أمور كثيرة في السعودية يقلل الناس من شأنها. خلاصة القول هي سواء كان ذلك في السعودية أو في مكان آخر، فنحن محليون للغاية (نخدم المنطقة التي نوجد فيها). لكن هذا لا يعني أن الأمر سهل".

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك