عاد موضوع رفع أسعار الفائدة في تركيا إلى طاولة النقاش مجدداً، وذلك بعد شهرين فقط من إعلان البنك المركزي انتهائه من دورة تشديد السياسة النقدية.
يؤدي تجدد الطلب على العملة الصعبة قبل الانتخابات المحلية، المُقررة في 31 مارس الجاري، إلى تراجع سريع في قيمة الليرة، وإلى انخفاض في الاحتياطيات الأجنبية، كما تتحول توقعات التضخم نحو الأسوأ. ما ليس واضحاً هو ما إذا كان فاتح كاراهان، الذي أرسل رسالة متشددة في أول اجتماع له بعد تعيينه محافظاً للبنك قبل شهر، يرى أن الوضع بالفعل مقنع لرفع أسعار الفائدة.
وبالنظر إلى سلسلة من إجراءات التشديد غير المعلنة التي تم اتخاذها خلال الأسابيع الأخيرة، فإن السيناريو الأكثر احتمالاً بالنسبة لغالبية الاقتصاديين لا يزال هو أن تُبقي لجنة السياسة النقدية سعر الفائدة الرئيسي عند 45% يوم الخميس. وكان اقتصاديو "دويتشه بنك" و"غولدمان ساكس غروب" المنشقين الوحيدين عن هذا الرأي حيث توقعوا زيادة للفائدة، وفقاً لاستطلاع أجرته "بلومبرغ".
اقرأ أيضاً: تركيا تتجه لإبقاء الفائدة دون تغيير مع تبني المركزي لهجة متشددة
وفي حين أن توقيت رفع أسعار الفائدة المحتمل لا يزال محل خلاف، فإن بعض أكبر البنوك العالمية تعتبر الأمر مسألة وقت، وليست ما إذا كان البنك سيرفع الفائدة أم لا. "مورغان ستانلي" من بين تلك البنوك التي تتوقع زيادة في أبريل.
ذكر محللو "دويتشه بنك"، ومن ضمنهم يجيت أوناي، في مذكرة، أن رفع الفائدة بمقدار 500 نقطة أساس "قد يكون الإشارة المتشددة الأعلى لتقديمها للأسواق في حالة استمر الانحراف عن توقعات التضخم".
الأسوأ أداءً
تُعد الليرة التركية الأسوأ أداء هذا الشهر بين عملات الأسواق الناشئة التي تتبعتها "بلومبرغ"، حيث خسرت نحو 3.6% مقابل الدولار. ومع اقتراب الانتخابات المحلية، فإن مصدر القلق الأكبر يكمن في أن يتكرر ما حدث بعد الانتخابات الرئاسية العام الماضي، عندما انخفضت الليرة بنسبة بلغت 7% في يوم واحد.
"بعد الانخفاض الحاد الذي شهدته العملة أوائل مارس الجاري، ندرك أن المخاطرة برفع أسعار الفائدة في اجتماع يوم الخميس قد زادت. ومع ذلك، نعتقد أن هذه الخطوة مرتبطة بتزايد حالة عدم اليقين في الفترة التي تسبق الانتخابات المحلية المُقررة في 31 مارس الجاري. ولذلك، فإننا نحافظ على موقفنا المتمثل في أن زيادة أخرى في سعر الفائدة هي السيناريو الأكثر احتمالاً بعد الانتخابات". سيلفا بهار بازيكي، خبيرة اقتصادية.
رأي "بلومبرغ إيكونوميكس"...
مرحلة ما قبل الانتخابات التركية هي وقت غير مواتٍ للمسؤولين للتفكير في سياسة أكثر صرامة، خاصة وأن مقاعد أكبر مدن البلاد على المحك، حيث تمثل فرصة لحزب الرئيس رجب طيب أردوغان لاستعادة السيطرة على إسطنبول وأنقرة من المعارضة.
في السنوات الماضية، كان العلاج الاقتصادي هو ما يفضله أردوغان، في محاولة منه لاستمالة الناخبين بأسعار فائدة منخفضة للغاية وهبات مالية. لكن هذا المسار تغيّر جزئياً منذ الانتخابات الرئاسية التي جرت العام الماضي، بعد انتقادات حذّرت من أن تركيا معرضة لخطر أزمة ميزان المدفوعات.
تضخم مرتفع
وقد أدى النهج الذي تم اتباعه منذ ذلك الحين إلى رفع أسعار الفائدة 8 مرات متتالية، وهو ما كان كافياً لجذب اهتمام المستثمرين الدوليين. لكن الارتفاع المفاجئ في أسعار المستهلكين الشهر الماضي أعاد تسليط الضوء على التضخم الذي يسير على الطريق ليتخطى معدل 70%.
أظهر مسح للمشاركين في السوق، أجراه البنك المركزي التركي، ارتفاع توقعات التضخم بنهاية العام بأكثر من نقطة مئوية فوق 44.2% هذا الشهر، وهو أعلى بكثير من التوقعات الحالية لصناع السياسات. وتسارع نمو الأسعار الشهري، وهو مقياس تراقبه السلطة النقدية عن كثب، إلى 4.5% في فبراير.
اقرأ أيضاً: تركيا تستعد لقفزة في التضخم مع اختبار أعلى مستويات الفائدة
كتب محللو "غولدمان ساكس"، بقيادة كيفن دالي، أن "الغرض من الزيادة سيكون في الغالب الإشارة إلى أن البنك بإمكانه، وسيقوم، برفع الفائدة إذا لزم الأمر بما يتماشى مع توجيهاته" لتجنب تصور الأسواق بأن إجراءاته الأخيرة تمثل "عودة نحو إطار سياسة أقل تقليدية".
مسار مختلف
وقد اتخذ البنك المركزي حتى الآن مساراً مختلفاً لدعم سعر الصرف، وقام ببيع العقود المستقبلية لتسوية الليرة بالعملات الأجنبية، وفرض قيود على نمو القروض.
وبدلاً من ذلك، فإن الزيادة الصريحة في سعر الفائدة من شأنها أن تخلق حوافز للمدخرين للاحتفاظ بأموالهم بالليرة، كما قد تمهد الطريق لعودة رأس المال الأجنبي. ووفقاً لـ"دويتشه بنك"، تباطأت التدفقات الداخلة، كما تخارج الأجانب من الأصول التركية في الأسبوعين الأولين من هذا الشهر.
اقرأ أيضاً: تركيا تطبق قواعد جديدة على بطاقات الائتمان لحماية الليرة
بحسب جوردون باورز، المحلل لدى شركة "كولومبيا ثريدنيدل" للاستثمارات والمقيم في لندن، فعلى الرغم من أن رفع سعر الفائدة مستبعد، إلا أن مثل هذه الخطوة ستكون بمثابة "صدمة إيجابية كبيرة لثقة المستثمرين".
وأضاف أن ذلك سيُظهر أن "البنك المركزي يتمتع بالاستقلالية، وأن استقرار الأسعار يتصدر أولوياته، كما أن السلطات لديها تسامح كبير مع تباطؤ النمو مقارنةً بما شهدناه في الماضي".