ألمح البنك المركزي الصيني إلى استعداده للإبقاء على سياسته النقدية تيسيرية عن طريق تخفيض حجم الأموال التي ينبغي للبنوك الاحتفاظ بها في الاحتياطي النقدي الإلزامي، ما يدعم توقعات المستثمرين بمزيد من التيسير النقدي مستقبلياً.
وقال زو لان، رئيس إدارة السياسة النقدية بالبنك المركزي، في مقابلة مع وكالة أنباء الصين (شينخوا) في وقت متأخر أمس الإثنين، أن بنك الشعب الصيني سيستخدم مجموعة متنوعة من الأدوات لتوفير "دعم قوي" لنمو معقول في سوق الائتمان. وسلط الضوء على "الاحتياطي النقدي الإلزامي" بوصفه أحد الخيارات، مشيراً إلى أن صناع السياسة النقدية درسوا تخفيض نسبة هذا الاحتياطي كوسيلة لزيادة الأموال المتاحة للإقراض ودعم الائتمان.
مزيد من التيسير
قال شينغ زاوبينغ، كبير المحللين الاستراتيجيين الصينيين في "أستراليا أند نيوزيلند بانكينغ غروب": "ربما تدعم هذه التصريحات الرسمية التوقعات بتيسير بنك الشعب الصيني سياسته النقدية، إذ تناول البنك المركزي أداة نسبة الاحتياطي النقدي الإلزامي وألمح إلى استعداده لتوجيه أسعار الفائدة نحو الانخفاض". وأضاف، رغم ذلك، فإن كثيراً من آمال تيسير السياسة النقدية "أخذها المستثمرون في اعتبارهم فعلاً".
وصرح زو لان للوكالة الإعلامية بأن البنك المركزي سيعزز أيضاً من التعديلات الهيكلية على سياسته النقدية في مواجهة الأزمات الدورية والعابرة لهذه الأزمات لخلق أوضاع مالية ملائمة لتحقيق النمو الاقتصادي للبلاد. وقال إن بنك الشعب الصيني سيوجه المؤسسات المالية لتحسين إدارة مخاطر السيولة بهدف ضمان استقرار عمليات سوق المال.
ويراهن مستثمرون ومحللون على سياسة نقدية تيسيرية خلال العام الجاري إذ يواصل الاقتصاد إظهار علامات على ضعف الأداء ولم تنتعش الثقة حتى الآن. وينتظر أن توفر البيانات المقبلة مزيداً من الأدلة على تقدم التعافي الاقتصادي، بما فيها حالة نشاط الاقتراض الشهر الماضي ومدى شدة الضغوط الانكماشية في البلاد.
لا تعني تصريحات زو بالضرورة تخفيضاً وشيكاً لما يطلق عليه نسبة الاحتياطي النقدي الإلزامي للبنوك، رغم أنها قد تدل على أن مثل هذا الإجراء محتمل خلال الشهور المقبلة. فقد أدلى بتصريحات علنية مشابهة في يوليو الماضي قبل أن يقلص البنك المركزي نسبة الاحتياطي النقدي الإلزامي للبنوك الكبرى في سبتمبر.
إجراءات قوية
مع ذلك، توجد مؤشرات على أن البيئة مهيأة لمزيد من التيسير النقدي. فقد بلغت عوائد السندات الحكومية الصينية أدنى مستويات لها منذ 4 أعوام تقريباً، بينما تمكنت البنوك من جمع ديون قصيرة الأجل بسعر أرخص من أسواق المال مقارنة مع البنك المركزي الصيني. وخفف بنك الشعب الصيني من سيطرته على سعر صرف اليوان، بينما قلصت البنوك التجارية الكبرى مؤخراً سعر الفائدة على الودائع.
سيأتي أي إجراء في الأجل القريب في أعقاب سلسلة تحركات قوية فعلاً من قبل صناع السياسة النقدية لضخ مزيد من السيولة في النظام المصرفي.
في الشهر الماضي، قدم البنك المركزي الصيني للبنوك التجارية قروضاً لأجل سنة بقيمة إجمالية غير مسبوقة بلغت 800 مليار يوان (111 مليار دولار أميركي)، وضخ سيولة نقدية إضافية قصيرة الأجل عبر عمليات السوق المفتوحة. كان التأثير المشترك لهما يعادل خفضاً في نسبة الاحتياطي النقدي الإلزامي بمقدار 50 نقطة أساس على الأقل ما يرجح زيادة ميزانية البنك المركزي إلى مستوى قياسي جديد.
علاوة على ذلك، قدم بنك الشعب الصيني أيضاً 50 مليار دولار تقريباً من الأموال منخفضة التكلفة للبنوك الداعمة للسياسات الاقتصادية الحكومية لتمويل مشروعات الإسكان والبنية التحتية الشهر الماضي.
ويرى نيو وانغ، المدير العام لوحدة بحوث الصين في شركة "إيفركور" في نيويورك، أن "بنك الشعب الصيني ما يزال ملتزماً تجاه السوق بخفض نسبة الاحتياطي النقدي الإلزامي رغم عمليات ضخ السيولة القياسية". وتوقع خفضاً بمقدار 25 نقطة أساس لنسبة الاحتياطي النقدي الإلزامي "قريباً"، علاوة على تخفيضات محتملة في أسعار الفائدة الأساسية والمعيارية.
وأشار وانغ إلى أن سوق الأسهم "بحاجة ملحة لسماع أنباء جيدة".
تتوق الأسواق لنوع من التدابير من قبل السلطات الصينية التي قد تعطي قوة دافعة أكبر للتعافي الاقتصادي.
أداء الأسواق
صعد مؤشر "سي إس آي 300" -وهو مؤشر الأسهم الصينية بالداخل- بنسبة 0.4% في منتصف تعاملات صباح اليوم الثلاثاء، متخلفاً عن تقدم مقياس أوسع للأسهم الآسيوية. وقد هبط المؤشر إلى أدنى مستوياته منذ 5 أعوام تقريباً خلال جلسة التداول السابقة مع استمرار المخاوف إزاء الاقتصاد وحالة الشك تجاه السياسة النقدية.
ارتفع سعر اليوان بنسبة 3% تقريباً مقابل الدولار الأميركي بعد أن بلغ أضعف مستوى له منذ 2007 في سبتمبر الماضي، ما مهد الطريق أمام بنك الشعب الصيني لتيسير السياسة النقدية دون أن يتسبب في تدفقات كبيرة من رأس المال إلى خارج البلاد. اتجه عائد سندات الحكومة الصينية لأجل 10 أعوام نحو أدنى مستوى منذ ما يفوق العقدين.
حذر بعض المحللين من أن تقليص نسبة الاحتياطي النقدي الإلزامي للبنوك قد لا يكفي بمفرده لإحداث تحول كبير. قلص البنك المركزي هذه النسبة مرتين السنة الماضية -علاوة على تدابير أخرى تشمل تخفيض أسعار الفائدة- في إطار جهود أخفقت في إحداث فارق كبير.
كتب فيشنو فاراثان، رئيس قسم الاقتصاد والاستراتيجية في بنك "ميزوهو بنك" (Mizuho Bank)، في سنغافورة بمذكرة بحثية حول احتمال تخفيض نسبة الاحتياطي النقدي الإلزامي: "هذا رد فعل ضعيف ويقدم حلاً غير مناسب، ناهيك عن كونه غير فعال تماماً، لمشكلة نقص الثقة الشديد في الصين".
ما زالت الثقة وسط الشركات في الصين منخفضة في ظل بيئة تنظيمية مضطربة. في هذه الأثناء، تضرر المستهلكون بسبب أوضاع سوق العمل وأزمة سوق العقارات بالبلاد، التي تدخل الآن عامها الرابع.
كتب فاراثان: "مجرد زيادة القدرة على توفير الائتمان -نتيجة تخفيض نسبة الاحتياطي النقدي الإلزامي- لن يكفل استعادة التدفق النقدي دون عراقيل".
مشكلات الديون
أشار إلى العلاقات الوثيقة بين سوق العقارات في الصين وقطاع بنوك الظل، بالإضافة لأزمات الديون وسط الحكومات المحلية، باعتبارها مشكلات "لا يمكن التخلص منها بسهولة من خلال تخفيض نسبة الاحتياطي النقدي الإلزامي". وفي مثال على ذلك، تقدمت شركة "تشونغتشي إنتربرايز غروب" (Zhongzhi Enterprise Group)، عملاقة بنوك الظل، الأسبوع الماضي بطلب للحماية من الإفلاس.
قال تشانغ تشيوي، كبير خبراء الاقتصاد في شركة "بينوبنت أسيت مانجمنت" (Pinpoint Asset Management): " سيُفيد تيسير السياسة النقدية بصورة محدودة، لكن تيسير السياسة المالية سيكون أكثر فاعلية".
تعهدت السلطات الصينية بزيادة الدعم المالي للاقتصاد عن طريق إجراءات تتضمن زيادة الإنفاق الحكومي خلال 2024، إذ من المنتظر أن تضع بكين هدفاً طموحاً للنمو للسنة الحالية يبلغ 5% أو أكثر. كان التحفيز المالي ضعيفاً السنة الماضية حيث واجهت السلطات صعوبات في تحقيق إيرادات من بيع الأراضي، على إثر أزمة العقارات.