علاقة البنوك وشركات التكنولوجيا المالية.. سباق تسلح رقمي أم شراكة؟

سباق التسلح بين الصين والولايات المتحدة لإمتلاك تكنولوجيا الجيل السادس للاتصالات - المصدر: بلومبرغ
سباق التسلح بين الصين والولايات المتحدة لإمتلاك تكنولوجيا الجيل السادس للاتصالات - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

الشرق

- مقال رأي

تهب رياح التغيير في النظام المالي، وتشهد على التأثيرات التي دفعت بالابتكارات التكنولوجية في الخدمات المالية على جميع أجزاء الصناعة المالية، مما أدى إلى تدفق مستمر في التطبيقات الجديدة والابتكارات.

وتشمل هذه الأساليب الجديدة منح القروض من نظير الى نظير (P2P)، وتدوير الأموال، وفرص التمويل الجماعي (Crowdfunding)، وتسديد المدفوعات رقمياً، وتقديم التوصيات الاستثمارية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي (ROBO -ADVISOR)، وتحسين وتبسيط صناعة التأمين (INSURTECK) وقواعد البيانات المغلقة (block chain)، حيث يتم تأمين البيانات من خلال كتل مشفرة، والخدمات المصرفية المفتوحة (open Banking).

وفي الوقت نفسه شهدنا تحولاً عميقاً في تفضيلات الدفع اللاتلامسي، مع انخفاض استخدام النقد في مدفوعات التجزئة حتى قبل الجائحة. إذ أوضحت بيانات البنك الأوروبي 2020، أن واحداً من بين كل اثنين من الأوروبيين يفضل الدفع رقمياً.

ومع ذلك فقد سرّعت أزمة كورونا من رقمنة الخدمات المالية بطريقة غير متوقعة، حيث شجعت قيود الاغلاق أولئك الذين كانوا يعارضون في السابق التعامل مع الخدمات المالية الرقمية.

ويستهوي المستهلكون من الأجيال الشابة وجيل الألفية بشكل خاص قنوات الدفع الرقمية، حيث سجل 44%من المشاركين في الولايات المتحدة الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً في الخدمات المصرفية عبر الإنترنت أو عبر الهاتف المحمول، وحدث هذا لأول مرة على نطاق المدفوعات الرقمية.

التمويل الجماعي

وعلى مستوى التمويل الجماعي، ففي غضون ثلاث ساعات حطمت شركة Monzo الناشئة البريطانية، والتي تحمل شعار بنك المستقبل هدف التمويل الجماعي البالغ 18 مليون جنيه استرليني، لتصل إلى 20 مليون في أكبر جولة تمويل جماعي على الإطلاق في بريطانيا، حيث استثمر 36000 من العملاء في بنك الهاتف المحمول الآنف الذكر، وهو رقم يوضح أيضاً التحوّل في تفضيلات العملاء نحو الشركات التي تركز على التكنولوجيا المالية، Fintech والتي تقدم بعض الخدمات التي تقدمها البنوك التقليدية، ولكن بطريقة مختلفة جداً وغير مجمعة.

وعند مقارنة البنوك التقليدية بشركات التكنولوجيا المالية، نجد على سبيل المثال، تعمل البنوك التقليدية بطريقة عكس شركات التكنولوجيا المالية في الموافقة على إقراض العميل، حيث يتجه قسم الإقراض إلى الاعتماد على تاريخ العميل مع البنك، من خلال فحص حسابه، ونمط سداد ديونه، وبذلك يتم تقييم العميل وعلاقته مع البنك. فالعلاقات طويلة الأمد تساعد على تقييم مقبول، وبالتالي الوصول الى الخدمات بطريقة مدروسة المخاطر.

أما شركات التكنولوجيا المالية، فتعمل على عكس البنوك، حيث تقدم القروض، وذلك من خلال منصات التمويل الجماعي على تحويل المدخرات إلى قروض واستثمارات، حيث إن المعلومات التي يستخدمونها تستند إلى البيانات الضخمة غير المركزية من خلال منصات الإنترنت. ولا يتم تحويل المخاطر والاستحقاق، حيث يتم مطابقة المقرضين والمقترضين، أو المستثمرين وفرص الاستثمار بشكل مباشر، وهناك عدم وساطة في هذه الحالة.

ومع ذلك، فإن مثل هذه الأنشطة غير المجمعة للتكنولوجيا المالية لها نطاق محدود، فعلى سبيل المثال، من الصعب على المنصات أن تقدم فرصاً استثمارية متنوعة دون الاحتفاظ بجزء من المخاطر في دفاترها، أو توريق محافظ القروض كما جرت العادة في البنوك التقليدية. وهذا ما يعطي ميزة تنافسية أفضل للبنوك التقليدية عنها في شركات التكنولوجيا المالية. كما تتضمن سلسلة القيمة للبنوك التقليدية العديد من الخدمات والأنشطة المجمعة، في حين أن شركات Fintech، تركز بشكل عام على واحد أو عدد قليل من هذه الأنشطة بطريقة غير مجمعة.

ومع ذلك فإن تجميع الخدمات يصب في صالح البنوك التقليدية، إذ تعتمد اقتصاديات الخدمات المصرفية بدقة على قدرة البنوك على تجميع الخدمات، مثل الودائع والمدفوعات والإقراض وما إلى ذلك، وهو ما يعطى ميزة تنافسية إضافية أخرى أفضل للبنوك التقليدية. والمزايا التفضيلية ترجح كفة المؤسسات المالية التقليدية، يضاف إليها عنصر مهم وهو الثقة.

والأسئلة التي تثار هنا، لماذا تخلفت البنوك التقليدية عن اللحاق بالركب ومجاراة الشركات الناشئة تقنيا؟ وما هو مستقبل هذه الصناعة المالية الناشئة، والتحديات التي قد تواجهها في سوق به حواجز دخول عالية؟ وهل ستحل محل البنوك والمؤسسات المالية التقليدية الحالية؟ والى اي درجة؟ أم أن التعاون سيتم بين كليهما.

استقرار مالي طويل

يمكن للبنوك التقليدية أن ترى بوضوح أن الطريقة التي يدفع بها الناس قد تغيرت بشكل جذري في أعقاب الوباء العالمي، وهي تدرك الحاجة إلى سرعة تبني تقنيات رقمية وابتكارات مالية لمواكبة التقدم التقني الهائل لخدمة عملائهم والتموضع في أفضل مكان قد يمكنهم للبقاء في الصدارة، ولكن في حين أن العديد منهم يقدم خدمات دفع رقمية، فإن البحوث التي أجراها البنك المركزي الأوروبي في 2020 شملت 200 مدير تنفيذي مصرفي أوروبي لقياس المكان الذي توجّه البنوك طاقاتها واهتماماتها، حيث أظهر التقرير الأول من البحث ما يلي:

  • المدفوعات الرقمية أصبحت شريان الحياة المهيمن على المستهلكين وهي ضرورية لتحقيق النجاح.
  • أعرب 85% منهم عن إحباطهم من أن التكنولوجيا القديمة كانت تمنعهم من التحرك بالسرعة المطلوبة لتلبية طلب السوق.
  • قال 84% إن البنية التحتية المصرفية كانت تقيدهم، مما يجعل من المستحيل عليهم الابتكار.

ولا شك أن هنالك عوامل أخرى، مثل تشديد اللوائح التنظيمية، والأنظمة القديمة المرهقة، والتي حدت من إحراز تقدم تقني سريع، وأدت إلى تصدّر شركات التكنولوجيا الناشئة المشهد وازدهارها.

أما عن المستقبل لهذا النوع من الشركات Fintech فهو بالتأكيد واعد، ولكن أعتقد أن المستقبل سيجلب أيضاً المزيد من عرض للمتطلبات التنظيمية والعقوبات والإجراءات القانونية الأخرى، مع قيام الهيئات المالية المنظمة بمزيد من التدقيق والمراقبة على هذه التقنيات المبتكرة.

فعلى سبيل المثال أدت الحملة التنظيمية المكثفة من الحكومة الصينية في يناير 2019 على صناعة الإقراض من نظير الى نظير (P2P) إلى إغلاق ما يصل إلى 70% من الشركات، إذ دفعت موجة من التخلف عن السداد والممارسات الاحتيالية وغضب المستثمرين والسلطات، إلى القيام بتلك الحملة. وتبرز أيضاً مخاطر تهديدات الأمن السيبراني المتزايدة، فهي ليست استثناء كغيرها من المؤسسات المالية والبنوك التقليدية، وتعتبر هدفاً جذاباً لعمليات القرصنة الإلكترونية، مع اتساع الثغرات الأمنية بتطبيقاتها، والاستخدام المتزايد للعديد منها خدمات الإنترنت السحابية لتوفير أداء منتظم وقابل للتطوير بتكلفة أقل، ومشاركة أطراف ثالثة.

حلول الطرف الثالث

وفي كثير من الأحيان لا تستخدم شركات التكنولوجيا تطبيقاتها الخاصة، بل تستخدم خدمات وحلول الطرف الثالث، وهذا ما عكسته الإحصائيات وفقاً لبحث أجرته ماكينزي، أظهرت أن 100% من شركات التكنولوجيا المالية لديها بعض مشكلات الأمان، أو الخصوصيات المرتبطة بتطبيقات الويب وواجهات برمجة التطبيقات، وأكثر من 50% من تطبيقات الأجهزة المحمولة بها تكوينات خاطئة، وهذا ما يزيد المخاوف لدى العملاء والمستهلكين حول أمن بياناتهم الشخصية وإعادة التفكير مجدداً في استخدام تلك التطبيقات، والحلول أو العزوف عنها، والتوجّه إلى المؤسسات المالية التقليدية، كونها أكثر أماناً ,كما أن عدم التحرك نحو تعزيز مفهوم الشمول المالي عالمياً، حيث يُعدّ عقبة رئيسية أمام توسع وانتشار شركات الـ Fintech، واستقطاب شرائح واسعة من العملاء.

وبينما فتح 1,2 مليار شخص حساباً مالياً منذ عام 2011، لايزال هناك ما يقدر بنحو 1,7 مليار من البالغين ليس لديهم حساب معاملات أساسي.

ويعد ا افتقار الوصول إلى شبكات الإنترنت في معظم البلدان من أكبر المعوقات أمام عدم تقديم تطبيقات وحلول شركات التكنولوجيا الناشئة. وكل تلك العوامل تحدّ من قدرة شركات التكنولوجيا الناشئة على الانتشار، ولابد لها من مد يد التعاون والشراكة على الأرجح الى المؤسسات التقليدية لضمان الاستمرار والتوسع والنمو.

سوق المدفوعات الرقمية

ومن المتوقع أن ينمو سوق المدفوعات الرقمية العالمية من 3885.6 مليار دولار أمريكي في عام 2019 إلى حوالي 5439.8 مليار دولار أمريكي في عام 2020.

وأصبح استخدام خيارات الدفع الرقمية لتجنب الاتصال وانتشار العدوى من خلال التعامل النقدي المباشر، وكذلك الالتزام بالتباعد الاجتماعي للحدّ من انتشار Covid-19.

بسبب إغلاق الأسواق المحلية وتجنب التجمعات العامة، لذا يفضل الناس الشراء عبر الإنترنت للإمدادات الأساسية، مما يؤدي بدوره إلى زيادة الطلب على سوق المدفوعات الرقمية. من المتوقع أن يستقر السوق ويصل إلى 8059.3 مليار دولار بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 20٪ حتى عام 2023 بحسب دراسات متخصصة.

وبالنسبة لشركات التكنولوجيا المالية، تعد الشراكة مع المؤسسات المالية التقليدية التي لديها قاعدة عملاء كبيرة أمراً جذاباً، لأنها توفر الوصول إلى مئات الآلاف من العملاء الذين يمكنهم الاستفادة على الفور من عروض شركة التكنولوجيا المتعاونة.

أما النوع الأكثر شيوعاً للشراكة، والذي نراه حالياً، حيث هو تقديم البرامج الأساسية للبنوك والمؤسسات المالية الأخرى في شكل حلول تنسبها البنوك التقليدية لنفسها.

وبالنسبة للمؤسسات المالية التقليدية، تعنى الشراكة أن لديها وصولاً فورياً إلى أحدث التقنيات الحديثة، أو قدرة على التوسع بشكل أسرع في أسواق جديدة، أو الوصول إلى شرائح عملاء جديدة (مثل جيل الألفية والمناطق الجغرافية التي لا توجد فيها فروع لها دون بذل جهود تطوير داخلية إذ أنه يسرع من وقت التسويق ويساعد في خفض التكاليف التي قد تكون مطلوبة لبناء القدرات.

وفي النهاية يلاحظ فوائد جمة لكلا الطرفين مما تعزز من جودة وسرعة الخدمات ومستويات الأمان لدى العملاء.


هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات