سعت إمارة أبوظبي الغنية بالنفط على مدى السنة الماضية وراء سلسلة من صفقات الاستحواذ الطموحة على بنوك دولية في محاولة لزيادة ثقلها في القطاع المالي العالمي، لكن لم تكلل أي منها بالنجاح إلى الآن.
عقدت "القابضة" (ADQ) محادثات مبدئية للاستحواذ على مصرف الاستثمار المتخصص "لازارد" (Lazard) بداية العام الجاري، بحسب أشخاص على دراية بالموضوع. أوضح الأشخاص، الذين طلبوا عدم نشر أسمائهم لسرية المناقشات، أن المفاوضات انهارت سريعاً جراء الخلافات حول مستقبل استقلالية مصرف "وول ستريت" الذي تأسس قبل 175 سنة.
بالوقت نفسه تقريباً، تردد أن "بنك أبوظبي الأول" (FAB) يدرس عرضاً بقيمة 35 مليار دولار لشراء مصرف "ستاندرد تشارترد" البريطاني. وسبق له أن حاول شراء أكبر مصرف استثماري في مصر خلال 2022، مع ذلك لم تنجح أي من الصفقتين.
قال أشخاص على دراية بالموضوع خلال مارس الماضي إن "رويال غروب"، برئاسة مستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، درست إمكانية الاستحواذ على ذراع مصرف "سيليكون فالي بنك" في المملكة المتحدة عقب انهياره، ثم بنهاية الأمر اشتراه مصرف "إتش إس بي سي هولدينغز" مقابل جنيه إسترليني واحد (1.3 دولار).
فتح سبل جديدة أمام القطاع المصرفي بالإمارة
نجحت أبوظبي في إبرام بعض الصفقات بالقطاع المالي، لكن لا يوجد ما يوحي بأنها ستتوقف عن البحث عن صفقات كبرى. تدير الإمارة ثروة سيادية بقيمة 1.5 تريليون دولار تقريباً، وتعد أيضاً موطناً لصناديق سيادية على غرار "جهاز أبوظبي للاستثمار" وشركة "مبادلة للاستثمار". يهدف هذا التوسع المدفوع بطموح عائلة آل نهيان الحاكمة– وبصفة خاصة الشيخ طحنون- لتحقيق ثقل عالمي أكبر للإمارة، علاوة على إيجاد سبل جديدة لنمو قطاعها المصرفي.
أوضح كريم سويد، الشريك الإداري لشركة الاستثمار الخاص "غروث غيت كابيتال" (Growthgate Capital) ومقرها الخليج: "ما يزال القطاع المصرفي التجاري في أبوظبي محلياً بقدر كبير رغم الحجم الهائل للميزانيات العمومية لمصارفها الضخمة، ويتجه القطاع نحو التوسع عالمياً بهدف متابعة نهج تنويع الاقتصاد، وإعادة استثمار عائدات النفط، واقتناص فرص جديدة".
أحال المكتب الإعلامي الحكومي الإماراتي الأسئلة إلى المكتب الإعلامي في أبوظبي، الذي لم يستجب لطلب للتعليق على الموضوع.
فرص محدودة بالسوق المحلية
يتجاوز تعداد سكان الإمارات العربية المتحدة 9 ملايين نسمة بقليل وهو عدد محدود نسبياً. ويعمل هناك فعلياً عدد ضخم من المصارف الإقليمية والأجنبية. وفي ظل محدودية فرص التوسع بالسوق المحلية، تتطلع بعض المؤسسات المالية بالدولة للتوسع خارجياً.
لطالما نافس بنك "أبوظبي الأول" بنك قطر الوطني للظفر بموقع أكبر مقرض في منطقة الشرق الأوسط. أظهر كلا البنكين نواياهما لتوسيع حضورهما الدولي، لكن اقتصر الأمر إلى حد الآن على بلدان إقليمية على غرار تركيا ومصر.
محاولات الاستحواذ العديدة من قبل أبوظبي تقدم نظرة على الطموح الكبير للمؤسسات الشرق أوسطية الأكثر ثراءً للعب دور أكبر في مجال التمويل العالمي، وكذلك التغلب على المصاعب التي تواجهها أثناء الرحلة.
اشترى "بنك أبوظبي الأول" الوحدة المصرية لبنك "عوده" في 2021، وبعد عام سحب عرضاً بقيمة 1.2 مليار دولار لشراء بنك الاستثمار المصري "إي إف جي- هيرمس" بعد مواجهته تأخيرات تنظيمية طويلة، حسبما أفادت "بلومبرغ".
في حالة "ستاندرد تشارترد"، كان إتمام الصفقة معقداً وبعيد المنال بالنظر إلى العقبات والاختلافات في حجم البنكين، وفي وقت سابق من العام الجاري، قال أشخاص مطلعون على الأمر إن الموافقات التنظيمية واشتراطات الامتثال كانت بين العقبات أمام نجاح الاستحواذ.
استحواذات موفقة
لكن، لم تكن جميع المناقشات غير موفقة، ففي مايو، اشترت "مبادلة" حصة أغلبية في "فورترس إنفستمنت غروب" (Fortress Investment Group) بالتعاون مع فريق إدارة شركة إدارة الأصول الأميركية عبر صفقة قدرت "فورترس" بأكثر من ملياريّ دولار.
يأتي طموح أبوظبي المتزايد في وقت انهارت به مجموعة من البنوك حول العالم. في ظل وفرة السيولة بعد ارتفاع أسعار النفط في الآونة الأخيرة، تبقى المنطقة موطناً لمجموعة من المؤسسات المالية القادرة على جمع أموال هائلة لتقديم حزم إنقاذ أو إبرام صفقات كبيرة، فعلى سبيل المثال، هبّت أغنى دول الخليج في 2008 لشراء حصص في البنوك الغربية مثل "سيتي غروب".
في وقت سابق من العام الجاري، أسست "القابضة ADQ" والشركة العالمية القابضة- يرأس كلتاهما الشيخ طحنون- مجموعة استثمارية جديدة بدعم شركة الأسهم الخاصة الأميركية "جنرال أتلانتك" (General Atlantic). يسعى الكيان الجديد لأن يصبح أكبر شركة لإدارة الأصول في المنطقة.
البحث مستمر
ولو لم تتعثر صفقة "لازارد"، التي تدير أصول تناهز 235 مليار دولار، لكانت عززت إمكانات "القابضة ADQ" بقوة، حسبما قال شخص مطلع على استراتيجية الصندوق السيادي.
أيضاً، كان من شأن نجاح صفقة "ستاندرد تشارترد" أن تجعل من "بنك أبوظبي الأول" عملاق بالخدمات المصرفية للأسواق الناشئة بأصول تزيد على تريليون دولار - أي حوالي ثلث حجم بنك "إتش إس بي سي". في ذلك الوقت، أكد "بنك أبوظبي الأول" دراسته شراء البنك البريطاني، لكنه قال إنه لم يعد يفكر في تقديم عرض.
مع ذلك، يتوقع شابير مالك، محلل قطاع البنوك لدى "إي إف جي هيرمس"، أن يواصل "بنك أبوظبي الأول" البحث عن صفقات، وقال: "لكي يواصل البنك التوسع بنفس وتيرة الأعوام السابقة، يحتاج للبحث عن التوسع خارج الإمارات… ستحدد نوعية صفقات الدمج والاستحواذ التي قد يجريها البنك مسار السهم والأداء المالي على المديين القصير والقريب".