تشديد القبضة في تركيا على الأسواق المالية أعاد "البازار الكبير" في إسطنبول، الذي يرجع تاريخه إلى القرن الخامس عشر، إلى مركز النشاط التجاري للبلاد، إذ أصبح أحد مراكز التسوق الأولى في التاريخ ملاذاً لتجار العملات الحديثة الذين يسعون للهروب من سيطرة حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان.
ما يحدث أدى إلى تحويل هذه المساحة الكبيرة المغطاة، والتي تشمل متاجر التحف القديمة ومحلات المجوهرات وأكشاك بيع الحلي وتجار الجلود، إلى مقر لأسعار صرف موازية جديدة لليرة التركية.
مع تكثيف القيود على البنوك المحلية في الأسابيع التي تسبق إجراء الانتخابات شديدة الأهمية، أصبحت السوق الموازية أكثر رسوخاً.
قال تاجر مخضرم للذهب والعملات في البازار، الذي طلب مثل الآخرين عدم الكشف عن هويته لتجنب التداعيات المحتملة للتحدث بحرية عن المشاكل الاقتصادية: "مهما فعلت، لا تحتفظ بالليرة التركية.. فحتى شراء جبن الفيتا استثمار أفضل".
أدت الإدارة الدقيقة لسوق الصرف الرسمية إلى قيام البنوك بالتنازل عن مزيد من مبيعات الدولارات إلى البازار ومئات مكاتب الصرافة التابعة له.
في الأزقة المقوسة الضيقة حيث يمارس أصحاب المتاجر نشاطهم منذ أكثر من 500 عام، تتلاشى جهود أردوغان في الآونة الأخيرة للحد من الرهانات ضد الليرة.
طلب الشركات على الدولار
تتسم المعاملات بالعملات الأجنبية في البازار بأنها قانونية وغير مسجلة إلى حد كبير، مما يجعل من الصعب تقدير حجم التداول اليومي. لكن مكاتب الصرافة تقول إن الأنشطة تزدهر، ويرجع ذلك في الغالب إلى عملاء الشركات.
صناديق حديدية ضخمة بأربع عجلات تشق طريقها عبر البازار الكبير برفقة حراس، وتحمل ما يقول المتعاملون إنها دولارات لصالح الشركات الكبرى بما في ذلك الشركة التي تستورد الطاقة وتديرها الدولة "بوتاس"، أكبر مشتر للعملات الأجنبية في السوق.
يقول التجار إن طلب الشركات على العملة الصعبة يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. لم ترد "بوتاس" فوراً على طلب للتعليق يوم الأربعاء.
تتحقق فرصة شراء وبيع الدولار خارج القيود المفروضة على البنوك مقابل تكلفة. يتوفر الدولار في البازار الكبير بعلاوة تزيد عن 5% مقارنة بالسعر بين البنوك، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ".
في الساعة 12:30 ظهراً في إسطنبول ( بالتوقيت المحلي) يوم الأربعاء، جرى تداول العملة التركية عند 20.4000 ليرة أمام الدولار في البازار، مقابل 19.4082 في السعر الرسمي.
لطالما نظر الأتراك إلى الليرة على أنها مؤشر لقوة الاقتصاد الوطني، وقد تراجعت على مدار سنوات بسبب السياسات غير التقليدية التي تبناها أردوغان، الذي تولى حكم تركيا أطول فترة في تاريخ البلاد.
أصبح أردوغان حالياً معرضاً لمخاطر متزايدة، إذ يتأهب المواطنون لاتخاذ قرار بشأن ما إذا كان سيدير البلاد على مدى السنوات الخمس المقبلة أم لا.
تزايد التقلبات
يتعهد كمال كليجدار أوغلو، المنافس الرئيسي لأردوغان على منصب الرئيس، ويحظى بدعم تكتل معارض يضم ستة أحزاب، بالعودة إلى تطبيق النظرية الاقتصادية السائدة. بغض النظر عمن سيفوز، يتأهب المتعاملون لمواجهة فترة مفعمة بالهم والكدر.
ارتفع معدل التذبذب الضمني على الليرة لمدة شهر إلى أعلى مستوى في العالم، وهو انعكاس لمتداولي الخيارات الذين يشترون بهدف الحماية من احتمال حدوث تقلبات حادة حول موعد الانتخابات المرتقبة يوم 14 مايو.
أصبح الفارق بين أسعار الدولار والليرة في البازار مقابل البنوك، ينمو خلال معظم الفترة الماضية منذ بداية 2023، حيث كثّف البنك المركزي التركي التدابير لإبقاء الليرة تحت السيطرة قبل الانتخابات.
لكن الاختلاف بدأ مؤخراً بعد أن طلب البنك المركزي التركي شفهياً أن تقلص البنوك من عمليات شراء الدولار، وهو قرار قد يقيد مبيعات العملات الأجنبية في نهاية المطاف.
حتى خارج البازار، بدأ تراجع قيمة العملة التركية في التسارع تدريجياً.
ارتفع تكرار تقلبات الليرة على مدار فترة قصيرة - خاصة في ساعات التداول المبكرة- مما يشير إلى أن السلطات تواجه صعوبة أكبر في تخفيف الطلب على الدولار.
قال متعامل آخر في الذهب والعملات الأجنبية لدى "البازار الكبير" :"هناك توقعات واسعة بأن الليرة ستشهد تراجعاً شديداً بعد الانتخابات.. بالتزامن مع لوائح البنك المركزي، التي تحظر شراء الدولار، دفعت التوقعات إلى ارتفاع الطلب على الدولار في السوق الفورية".