استند دور سويسرا في تقديم الخدمات المصرفية للأغنياء على سمعة حسن تقدير المؤسسات وموثوقيتها المترسخة، وهو ما جعل الفضائح والمعارك القانونية العامة وتزايد خسائر "كريدي سويس غروب" صادمة وصعبة في الاستيعاب.
في مارس الجاري، تحولت أزمة متصاعدة تدريجياً إلى حالة من الفزع الكامل، وتكالب العملاء على سحب الودائع، وانتفضت الحكومة السويسرية لترتيب استحواذ عاجل من قبل مجموعة مصرفية محلية منافسة وهي "يو بي إس غروب"، وهكذا، اختفى من الوجود رمزٌ للبراعة المالية السويسرية والذي تأسس في منتصف القرن التاسع عشر وصعد ليصبح واحداً من أهم 30 بنكاً في العالم.
1- أين كان الخطأ؟
إخفاقات "كريدي سويس" تضمنت إدانته جنائياً نتيجة السماح لمهربي المخدرات بغسل الأموال في بلغاريا، والتورط في قضية فساد في موزمبيق، وفضيحة تجسس تتضمن موظفاً ورئيساً تنفيذياً سابقين، وتسريب هائل لبيانات العملاء لوسائل الإعلام.
استعداد البنك للتعامل مع عملاء تجنبتهم بعض المصارف الأخرى، أفقده مليارات الدولارات وزاد الشعور بأنه مؤسسة لا تحكم قبضتها على شؤونها، ومن بين هؤلاء العملاء رجل التمويل الموسوم، ليكس غرينسيل، وشركة الاستثمارات المنهارة "أركيغوس كابيتال مانجمنت" ومقرها نيويورك.
سأم عملاء كُثر وأبدوا اعتراضهم، ما قاد إلى هروب غير مسبوق للعملاء في أواخر 2022، وكان فقدان الأعمال كبيراً بشكل خاص في وحدة إدارة الثروات الآسيوية والتي كانت لسنوات عديدة مصدراً مهماً لنمو الأرباح.
2- ما الذي قاد إلى هبوط الأسهم؟
أطلق الرئيس التنفيذي، أولريش كورنر، حملة واسعة لجذب العملاء المنزعجين ونقديتهم مجدداً، وفي يناير، بدا أن الجهد يؤتي ثماره عندما أعلن عن ودائع "إيجابية صافية"، ثم في 9 مارس، أثارت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية تساؤلات حول التقرير السنوي للبنك، ما أجبره على تأخير نشره.
انتشر الذعر بعد تسليط انهيار المصرف الإقليمي الأميركي "سيليكون فالي بنك" الضوء على مدى تسبب أسعار الفائدة الأعلى في تآكل قيمة حيازات السندات لدى القطاع المصرفي، حينها بدأ المستثمرون التخلص من أي شيء له علاقة بمخاطر البنوك وهروب الودائع.
3- كيف انتهى كل شيء؟
هبطت أسهم "كريدي سويس" 31% في 15 مارس عندما استبعد رئيس مجلس إدارة أكبر مساهميه، البنك الأهلي السعودي، ضخ المزيد من الاستثمارات به، وهو ما دفع "كريدي سويس" لمطالبة البنك المركزي السويسري بتقديم دعم رسمي، بعد ذلك، ارتفعت تكلفة تأمين سندات البنك ضد التعثر لأجل عام لمستويات لم يشهدها بنك كبير منذ الأزمة المالية العالمية في 2008.
إدراكاً منه بالتداعيات الاقتصادية المحتملة لانهيار "كريدي سويس"، عرض البنك المركزي السويسري إقراضه 50 مليار فرنك سويسري (54 مليار دولار) وإعادة شراء ديون قيمتها 3 مليارات فرنك. أتاحت الخطوة للسلطات السويسرية بعض الوقت لإيجاد حل أكثر استدامة، وخلال نهاية الأسبوع، أجبروا البنك على الخضوع لصفقة الاستحواذ من منافسه المحلي "يو بي إس" في صفقة بقيمة 3.25 مليار دولار أي أقل من نصف القيمة السوقية عندما أغلقت الأسهم في الجمعة السابقة.
فيما يلي تفاصيل الصفقة التي توسطت فيها الحكومة:
- "يو بي إس" يدفع نحو 3 مليارات فرنك سويسري في صورة أسهم.
- البنك الوطني السويسري يقدم خط سيولة بقيمة 100 مليار فرنك سويسري.
- الحكومة السويسرية تمنح ضماناً قدره 9 مليارات فرنك سويسري مقابل الخسائر المحتملة في بعض أصول "كريدي سويس".
- هيئة الإشراف على السوق المالية السويسرية قالت إن ما يناهز 16 مليار فرنك من سندات "كريدي سويس" ستصبح بلا قيمة.
- "يو بي إس" سيقلص ذراع الخدمات المصرفية الاستثمارية لبنك "كريدي سويس".
4- لماذا يحظى انهيار البنك بأهمية خارج سويسرا؟
جاءت أزمة "كريدي سويس" بعد وقت قصير من انهيار ثلاثة مصارف إقليمية أميركية، كذلك سلطت الضوء على مدى معاناة بعض المؤسسات المالية المدارة إدارةً أقل جودة منذ انتهاء عصر أسعار الفائدة شديدة الانخفاض. قد يدفع فشله البنوك الأخرى لتقليص حجم المخاطر لديها، وهو ما يعني تقديم مقدار أقل من القروض التي تسمح للاقتصادات بالنمو.
من شأن ذلك أن يزيد صعوبة مواصلة البنوك المركزية زيادة أسعار الفائدة لتهدئة التضخم الحاد دون التسبب في ركود. يتخلى المستثمرون عن رهانهم بالمزيد من رفع الفائدة، وحالياً، يرون الصيف كموعد تخفيض الفائدة الأميركية.
ومن ناحية أخرى، قالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، في 16 مارس، إن اضطرابات الأسواق المالية يمكن أن تضر بأحوال الائتمان وتضعف الثقة، مع ذلك، أوضحت أن القطاع المصرفي "في وضع أقوى بكثير جداً عما كان عليه في 2008".