تمحور الحديث في البداية عن ودائع مصرف "سيليكون فالي بنك"، والتداعيات المتوقعة له على البنوك حول العالم، لكن المستثمرين حولوا أنظارهم الآن لضحية أضخم للعدوى المحتملة، وهذه الضحية هي الاقتصاد الأميركي.
إذا وضعنا المخاطر القائمة بالنظام المالي في عين الاعتبار؛ قد تبدو بعض الخطوات المتخذة في الأيام الماضية وكأنها مبالغة في رد الفعل، خاصة إذا ركزت فقط على الخطر البحت الناتج عن الذعر المصرفي، والمتمثل في تهافت العملاء لسحب ودائعهم، في بنك آخر، خاصةً في أوروبا.
مع ذلك؛ إذا نظرت إلى مخاطر الأسهم والقطاعات الأوسع نطاقاً -التي تتجاوز الذعر المصرفي- ستجد أن التدهور الكبير ربما لم يبدأ بعد.
ففي أوائل العام الجاري، كانت أسواق الأسهم تدعو للتفاؤل بشأن حالة الاقتصاد والتوقعات المتزايدة لسيناريو النمو بلا هبوط. أما الآن، لم يعد الهبوط الحاد مجرد احتمال وارد، وإنما سرعان ما قد يتحول إلى الخيار الوحيد أمامنا.
عواقب التشديد النقدي
قال فردريك هيلدنر، الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة "كونفلوينتى كابيتال" (Confluente Capital)، : "نرى الآن أخيراً المعاناة الناتجة عن التشديد النقدي، وانهيار المصرف عجٌل بدخول الولايات المتحدة في الركود".
على الجانب الآخر، هبط مؤشر بلومبرغ للأوضاع المالية في الولايات المتحدة إلى أقل مستوياته التي شهدها العام الماضي، مع ترجيح حدوث انخفاض آخر.
مايكل شاول، المدير التنفيذي لشركة "ماركت فيلد أسيت مانجمنت" (Marketfield Asset Management)، أوضح: "أخشى أن ندخل في فترة طويلة من تشديد معايير الإقراض؛ لأن هذا هو ما سيضر فعلاً بالاقتصاد".
اتفق معه أيضاً يان هاتسيوس، كبير الاقتصاديين لدى "غولدمان ساكس"، قائلاً: "من الصعب أن نثق تماماً في حل الأزمة على المدى القريب بعد التدخل الذي شهدناه يوم الأحد الماضي. وأن هذا التدخل سيوقف الضغط على البنوك الصغيرة التي تضطلع بدور كبير في الاقتصاد الكلي، وقد تصبح أكثر تشدداً في إقراضها".
سحب الاعتمادات الائتمانية للشركات
يحتمل أن يتسبب ذلك أيضاً في مشكلة كبيرة للشركات، إذ قد يفقدون الاعتمادات الائتمانية التي لم يجر تسلُمها بعد، فيما يكافحون في الوقت ذاته للحصول على اعتمادات جديدة. أضاف شاول: "نصيحتي للعاملين في عالم الأعمال هو الحصول على اعتمادات ائتمانية من بنوك عالية الجودة مباشرة وقبل أن تحتاجها، لأن تلك الاعتمادات قد لا تتاح لهم بعد ذلك".
في الإطار ذاته، وصف تشارلي مكيليغوت، المخطط الاستراتيجي في "نومورا" (Nomura)، الأحداث الأخيرة بأنها "صدمة غير متعمدة نتجت عن تشديد الأوضاع المالية، ومن شأنها أن تمنع النظام المصرفي من العمل باعتباره آلية لتحويل الأموال على المدى الطويل، ما سيكون له أثر أوضح مما نراه الآن على الاقتصاد".
تشير حركة المراكز الاستثمارية في الأسواق إلى اتخاذ إجراءات لحماية الاستثمارات تتخطى الخطر الموجود على المدى القصير والناتج عن انهيار "سليكيون فالي".
مخاطر السياسة النقدية تتزايد
يتضح ذلك في بيع الأسهم التي تركز على النمو والقيمة، فيما يزداد الإقبال على أسهم الشركات ذات الميزانيات الجيدة والرسملة السوقية القوية باعتبارها ملاذاً مما يحدث. كما يزداد التحوط ضد مخاطر الخسارة في ظل سيناريوهات ذات احتمالية منخفضة للغاية، وبلغ عدد العقود المفتوحة في خيارات الشراء على مؤشر التقلب (VIX) في بورصة شيكاغو أعلى مستوياته منذ 2019.
ليس هذا وحسب، حيث تزايدت المخاطر الناتجة عن السياسة النقدية، ويجب على "الاحتياطي الفيدرالي" الآن إنقاذ موقفين بإجراء واحد. كما تتراجع ذروة أسعار الفائدة التي يقررها "الاحتياطي الفيدرالي" بسرعة مع توقع انخفاضها من 5.5% منذ أسبوع إلى 4% بنهاية العام، رغم أن مشكلة التضخم لم تنتهِ بعد.
اختتم هاتسيوس: "بينما نتفق على احتمال الحاجة لمزيد من التشديد لمعالجة مشكلة التضخم إذا لم تخف حدة مخاوف الاستقرار المالي؛ نعتقد أن مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي سيعطون الأولوية الآن للاستقرار المالي، حيث يعتبرونه مشكلة ملحة، فيما ينظرون إلى ارتفاع التضخم على أنه عقبة متوسطة الأجل".