هل يجب أن ننحني لثورة جديدة؟ بالكاد اجتاز رجل المال الياباني الجديد اختباره الأول، حتى قبل أن يدخل مكتبه. كان في ظهوره الأول أمام المشرعين يناسب الجميع. لكن قد يتطلب الأمر حدوث أزمة للكشف عن مقدار الأموال السهلة التي منحها سلفه والتي يرغب الحاكم الجديد بوقفها.
أي شخص يبحث عن رؤى حول كيف سيقود كازو أويدا ثالث أكبر اقتصاد في العالم كان لابد أن يشعر بخيبة أمل بعد أول نظرة على تفكيره، عندما تحدث بإسهاب لأول مرة منذ ظهوره كالاختيار المفاجئ لقيادة "بنك اليابان".
نهج مألوف
خلال جلسة الاستماع البرلمانية التي عقدت يوم الجمعة، واستمرت قرابة ثلاث ساعات، تمسك أويدا بنص كان من الممكن أن يكون قد كتبه سلفه هاروهيكو كورودا. في حين أنه قبل 10 سنوات في جلسة الاستماع الخاصة به، انتقد كورودا سياسة "بنك اليابان" في ذلك الوقت باعتبارها غير كافية لعلاج الانكماش، فإن أويدا أشار بأكبر قدر ممكن من القوة، إلى أنه في الوقت الراهن سيستمر في هذا المسار.
تخلل الخطاب سطور قليلة لم نسمعها من كورودا نفسه. لكن صوت أويدا الخاص سيأتي بالوقت المناسب. فمن المرجح أن تتبلور ولاية محافظ بنك اليابان القادم من خلال الأحداث أكثر من أي نزعة فلسفية قد يجلبها إلى المنصب. مهمته -على الأرجح في المستقبل المنظور- هي ألا يهز القارب. على الأقل في الوقت الحالي، ستستمر ماركة كورودا، لكنها مع بائع جديد فحسب.
خفض التضخم في اليابان
ركز المتداولون في البداية على تعليقات أويدا حول احتمال خروج "بنك اليابان" من التيسير، مع تأكيداته بأن المركزي يمكن أن يعيد الوضع إلى طبيعته إذا تحقق هدف التضخم الخاص به. من الخطأ المبالغة في تحليل ذلك– إذ كان يُسأل في معظم الحالات عن الشروط التي يجب أن تتواجد حتى يتمكن البنك من التراجع عن التحفيز، وهذه إجابة واضحة. بمجرد أن يصل "بنك اليابان" إلى لحظة "المهمة أُنجزت"، فإن الحرب تكون قد كُسبت، ويمكنك وضع "قاذفات الصواريخ" بعيداً.
يجب أن ينصب التركيز أكثر على تعليقاته حول التضخم: إذ ثبّت أويدا نفسه كعضو في "فريق المرحلة الانتقالية"، بالتزامه بقوة بسيناريو أن التضخم بلغ ذروته بالفعل في اليابان. قال: "في حين أن الأسعار ستستمر في الارتفاع، كانت بيانات اليوم بالفعل ذروة معدل التضخم حالياً، وسيكون المعدل اعتباراً من الإصدار التالي أقل بكثير". جاءت هذه التصريحات بعد الإعلان عن أعلى نسبة تضخم في 41 عاماً.
أضاف: "يُرجح أن ينخفض التضخم إلى أقل من 2% في منتصف العام المالي المقبل". يُذكر أن السنة المالية اليابانية تبدأ في أبريل. والرقم الحقيقي الذي يجب مراقبته هو إصدار 3 مارس للتضخم في طوكيو لشهر فبراير، الذي يُعد مؤشراً رئيسياً لبقية البلاد. تشير التقديرات حالياً إلى أن التضخم الأساسي سيتباطأ بشكل كبير مع بدء الإجراءات الحكومية لخفض فواتير الغاز والكهرباء.
مسار مألوف لرؤساء البنوك المركزية
سلك أويدا مساراً مألوفاً إلى حد كبير لرؤساء مجلس "الاحتياطي الفيدرالي" بن برنانكي، وجانيت يلين، وجيروم باول في مراحل مماثلة في حياتهم المهنية: التأكيد على الاستمرارية والتدرج. وعدم ارتكاب أي خطأ جسيم قبل أن يبدأ عمله في المنصب الجديد. لكن، بغض النظر عما يقوله أويدا قبل شهور من توليه الدور، فإن الأحداث ستتسارع. رغم ذلك، ما هو واضح أنه: من غير المرجح أن يشدد السياسة بأي طريقة ملموسة في أي وقت قريب. تذكّر، على عكس معظم البنوك المركزية في الوقت الحالي، اليابان تريد التضخم. من الصعب حتى معرفة السياسة النقدية العادية في اليابان. إذ كان "بنك اليابان" في نوع من أنواع التسهيلات خلال الجزء الأكبر من ثلاثة عقود.
لا ينبغي قراءة تحذير أويدا كدليل لكيف سيضع بصمته على المؤسسة. إذ إن الأمر يتعلق أكثر بعدم المخاطرة بتاتاً لغاية أبريل، حيث سيرأس أول اجتماع لمجلس إدارة "بنك اليابان". ففي عام 2005، كانت جلسة استماع بيرنانكي بمثابة ترنيمة شكر لإرث شاغل الوظيفة المنتهية ولايته، آلان غرينسبان. في عام 2013، شددت جانيت يلين على ضرورة الحفاظ على التيسير، لكنها أقرت بأهمية العمل للوصول إلى نهج أكثر طبيعية. بينما أشار باول بعد أربع سنوات إلى أن سياسة التشديد التدريجي التي ورثها ستستمر.
لم يُعرّف أي من رؤساء "الاحتياطي الفيدرالي" هؤلاء من خلال أي من تلك التصريحات السطحية: حارب برنانكي الانهيار المالي العالمي، وأنهت يلين التيسير الكمي وبدأت في رفع أسعار الفائدة، بينما أطلق باول التيسير الجريء لمكافحة كوفيد ، ويحاول الآن التعامل مع تداعيات التضخم. النقطة المهمة هي أن الفلسفة دليل مغلوط لما سيفعله شخص ما عند مواجهة حدث حاسم.
أويدا يفتقر إلى الكاريزما
كان أحد المخاوف التي لم يسع أويدا إلى تبديدها أبداً هو كيف سيتعامل مع الاتصال العالمي الذي برع فيه قادة "الاحتياطي الفيدرالي". يبدو أنه يفتقر إلى الكاريزما؛ إذ كانت شهادته كفؤة ولكنها لم تكن آسرة، ولا يزال من الصعب تخيله وهو يحتك بالنخبة العالمية في دافوس. ربما كان التعليق الأكثر إثارة للاهتمام هو الكشف عن أنه يأكل -مثل المواطن الياباني الذي يعيش على مرتبه- وجبات صناديق "بِنتو" من المتاجر الصغيرة بما يناهز 3.30 دولاراً رغم أنه اشتكى، أن الوجبة باتت أغلى قليلاً هذه الأيام.
لكن قد يكون النهج الهادئ والعملي مفيداً لبنك اليابان لبعض الوقت- لأنه بخلاف ما حدث قبل عقد مضى، لن يضطر أويدا لاتخاذ تحركات جذرية كالتي اتبعها سلفه كورودا عندما تولى منصبه لأول مرة.
بالتأكيد، ستواجه أويدا اختبارات مستقبلية. دعونا نصلي أنها لن تكون على مستوى "ليمان براذرز" أو "كوفيد-19". لن يخبرنا إلا الوقت ما الذي سيعنيه أويدا بالنسبة للاقتصاد الياباني.