يشهد استخدام المغاربة لـ"الكاش" ارتفاعاً كبيراً رغم سعي السلطات إلى تشجيع المعاملات المالية إلكترونياً، إذ بلغ حجم النقود المتداولة خلال العام الماضي رقماً قياسياً عند 354.8 مليار درهم (34.2 مليار دولار)، بنسبة نمو تناهز 10.8% على أساس سنوي، وفق بيانات بنك المغرب المركزي.
حسب مركز "التجاري" للأبحاث، التابع للمجموعة المصرفية "التجاري وفا"، فإن هذا المستوى هو الأعلى على الإطلاق، ويمثل نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي.
كان حجم النقد المتداول في نهاية 2019 قد بلغ 250 مليار درهم، وقفز بـ50 مليار درهم عام 2020 الذي شهد جائحة كورونا. فُسِّر هذا الارتفاع الكبير آنذاك بالمساعدات المالية التي حوّلتها الدولة للفئات الهشة ولجوء المواطنين إلى التبضع بشكل أكبر من المعتاد خلال فترة الحجر الصحي.
وفي العادة، يسجل المغرب ذروة ارتفاع النقد المتداول خلال عطلة الصيف وعيد الأضحى وشهر رمضان، وهي الفترات التي تشهد ارتفاعاً في الاستهلاك ورواجاً اقتصادياً أكبر.
أسباب الارتفاع
خلال مؤتمر صحفي نظمه بنك المغرب المركزي في يناير الماضي، قال يونس عصامي، نائب مدير العمليات النقدية والصرف، إنّ هناك 3 أسباب تظهر ارتفاع تداول النقود من قبل المغاربة، وهي ارتفاع الأسعار، وقفزة تحويلات المغتربين، ونمو الإيرادات السياحية.
في العام الماضي سجلت المملكة معدل تضخم يناهز 6.6%، وهو الأعلى منذ ثلاثة عقود، وبلغت تحويلات المغتربين رقماً قياسياً عند 10.5 مليار دولار، فيما ضخت السياحة عملة صعبة بـ8,8 مليار دولار.
ارتفاع النقد المتداول يخلق ضغوطاً كبيرة على البنوك ويزيد حاجتها من السيولة التي بلغت العام الماضي نحو 90 مليار درهم، وهو ما يؤثر في قدرة القطاع على تمويل الاقتصاد بصفة عامة.
الثقة والقطاع غير المهيكل
الخبير الاقتصادي محمد شيكر يرى أن تفضيل المغاربة للتعامل بالنقد يفسر بعدة عوامل، منها كون التعامل مع البنوك يشترط أن يكون لدى الفرد دخل شهري ثابت، وهو ما ليس متاحاً للجميع، إضافة إلى أن ارتفاع مستوى الأمية يحول دون لجوء فئة كبيرة إلى فتح حساب بنكي.
حسب بيانات بنك المغرب التي تعود إلى عام 2021، بلغ عدد الحسابات البنكية للمغاربة 31.2 مليون حساب، بارتفاع قدره 5% مقارنة بسنة 2020. ويتوفر نحو 7.7 مليون مغربي على حساب بنكي واحد، فيما يحوز 4.3 مليون منهم حسابين، أما أكثر من 3 حسابات بنكية فهي من نصيب أكثر من 3.5 مليون مغربي ومغربية، فيما 552 ألفاً لديهم 5 حسابات وأكثر.
الخبير الاقتصادي شيكر أشار في تصريح لـ"اقتصاد الشرق" إلى أن تفضيل نسبة كبيرة من المغاربة التعامل نقداً يعود أيضاً إلى ضعف ثقة المواطن بالدولة، خصوصاً إدارة الجبايات، ناهيك بعامل آخر له أهمية كبرى وهو حجم القطاع غير الرسمي، إذ تؤدى فيه الأجور نقداً وليس عن طريق التحويل البنكي.
الأداء عبر الهاتف
لمواجهة إشكالية ظاهرة تداول النقد بين المغاربة، أطلق بنك المغرب عام 2018 خدمة دفع وتحويل الأموال عبر الهاتف المحمول تعتمد على محفظة إلكترونية مرتبطة برقم الهاتف يجري إنشاؤها لدى مؤسسة متخصصة في هذا الأمر أو مؤسسة بنكية.
ورغم مرور خمس سنوات فإن الإحصائيات الرسمية تفيد بأن عدد المحافظ الإلكترونية في السوق في نهاية عام 2022 لم يتجاوز 6.3 مليون، ويبقى استعمالها محدوداً للغاية مقارنة بالتعامل بالنقد، وذلك بالنظر إلى ضعف استعمال الخدمة من قِبل محال البقالة الذين يستحوذون على حصة كبيرة من المعاملات المالية اليومية للمغاربة.
كان عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، قد دعا الحكومة إلى إقرار تحفيزات ضريبية للتجار المنخرطين في خدمة الدفع عبر الهاتف لتشجيعهم بشكل أكبر ولتسريع تحقيق الشمول المالي الذي تسعى إليه البلاد.