توتر العلاقة بين الرئيس والمحافظ بسبب انتقاده العلني لمستهدفات التضخم وأسعار الفائدة

ما أسباب خلاف لولا دا سيلفا مع "المركزي" البرازيلي؟

محافظ البنك المركزي البرازيلي روبرتو كامبوس نيتو - المصدر: بلومبرغ
محافظ البنك المركزي البرازيلي روبرتو كامبوس نيتو - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

عندما تولى لويس إيناسيو لولا دا سيلفا رئاسة البرازيل بين عامي 2003 و2011، لم يضطر لخوض صراع مع البنك المركزي المستقل، لكن بعد إعادة انتخابه رئيساً للبلاد في أكتوبر الماضي، فإنه يقاوم الواقع الجديد الذي يمليه قانون صدر في 2021، ويهدف إلى الحفاظ على استقلالية سلطة البنك المركزي في تحديد مسار السياسة النقدية.

وصف لولا دا سيلفا القانون بأنه غير منطقي، كما وجه انتقادات علانيةً لمستويات البنك المستهدفة فيما يتعلق بالتضخم وأسعار الفائدة، ما أدى إلى توترات بينه وبين محافظ البنك، روبرتو كامبوس نيتو.

وحدد البنك سعر الفائدة القياسي عند أعلى مستوى في 6 سنوات، كما أبدى استعداده للحفاظ على ذلك المستوى من أجل مكافحة التضخم. من جانبه، يود لولا – الذي ينتمى لتيار اليسار – خفض تكلفة الاقتراض لتعزيز النمو الاقتصادي، والوفاء بوعود حملته الانتخابية بتوفير المأكل والمشرب للجميع.

1) ما استراتيجية البنك المركزي البرازيلي؟

قبل عام، كان المصرف المركزي البرازيلي أحد أوائل البنوك المركزية في العالم التي شرعت في دورة رفع أسعار الفائدة بقوة، إذ قفز بسعر الفائدة الأساسي المعياري من مستويات قياسية منخفضة تبلغ 2% إلى 13.75% في سبتمبر الماضي. وحافظ صنّاع السياسات على ثبات تكلفة الاقتراض منذ ذلك الحين. تراجع سعر الفائدة العام الماضي من ذروة فاقت 12% إلى 5.87% في البرازيل، وهو أكبر انخفاض من نوعه على صعيد الاقتصادات الناشئة.

لكن في ظل مستهدف التضخم عند نحو 3%، لم ينتهِ صنّاع السياسات في البنك بعد من مكافحة ارتفاع الأسعار.

يعود تراجع التضخم بالأساس إلى التخفيضات الضريبية التي أُقرّت خلال عهد الرئيس السابق، جايير بولسونارو. لكن بعد 3 أشهر متتالية من انكماش الأسعار – في يوليو وأغسطس وسبتمبر – يختفي أثر هذه التخفيضات، كما ترتفع أسعار المواصلات والغذاء من جديد.

أشار صناع القرار في البنك المركزي إلى أنهم قد يبقون على أسعار الفائدة على مستوياتها الحالية خلال معظم 2024، وذلك لتحقيق هدفهم بتهدئة وتيرة النشاط الاقتصادي في أكبر اقتصادات أميركا اللاتينية، والوصول بالتضخم السنوي إلى مستوى يقترب من 3.25% العام الجاري، و3% العام المقبل.

2) هل تنجح استراتيجية البنك؟

قد يتطلب الأمر فترة طويلة نسبياً لتؤدي أسعار الفائدة إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي في البرازيل. وذلك لأن السياسة النقدية في النظام البنكي تعمل من خلال إما خفض تكلفة الاقتراض أو رفعها، وعدد من يملكون حسابات بنكية في البرازيل أقل من نظيره في الاقتصادات المتقدمة.

بعد عام من ارتفاع أسعار الفائدة، بدأت تدفقات الائتمان تتباطأ في البلاد منذ فترة قريبة فقط. رغم ذلك، يعتقد المحللون أن مسؤولي البنك المركزي سينجحون في إبطاء النشاط الاقتصادي، كما يتوقعون أن يبلغ النمو أقل من 1% العام الجاري، مقارنةً بتقديرات للنمو في 2022 تبلغ 3%.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

3) ما شكوى لولا دا سيلفا من سياسة البنك المركزي؟

بعد تقلده المنصب في يناير، اشتكى الرئيس بشكل متكرر من السياسة النقدية خلال مقابلات تلفزيونية وخُطَب عامة. كما وصف أسعار الفائدة الحالية بأنها "مدعاة للإحراج" وقال إنه لا يوجد "مبرر" لإبقائها عالية لتلك الدرجة.

وجادل لولا أن مستهدف التضخم للبنك، البالغ نحو 3%، ليس ملائماً لسوق ناشئة مثل البرازيل، ولابد أن يكون 4.5% بدلاً من ذلك، على غرار النسبة التي سادت تقريباً خلال فترتي ولايتيه السابقتين.

وكان أيضاً النطاق المسموح لمصرفيي البنك المركزي بعدم تحقيق المستوى المستهدف، المعروف باسم "نطاق السماح:، أعلى سابقاً مما هو عليه الآن.

يؤدي طموح البنك في إبطاء النمو الاقتصادي إلى تعقيد قدرة لولا دا سيلفا على الوفاء بوعود حملته برفع مستوى المعيشة لكل البرازيليين، وتعزيز إيرادات الحكومة لتحسين المالية العامة.

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ

4) كيف كان رد البنك؟

أطلق صنّاع السياسة، وعلى رأسهم المحافظ كامبوس نيتو، جرس الإنذار بشأن مخاطر التضخم، كما أكدوا من جديد التزامهم بمهمتهم. بعدما كشف لولا دا سيلفا لأول مرة عن انتقاداته للبنك المركزي، عزز المحللون – الذين توقعوا بالفعل ارتفاع أسعار الفائدة فوق مستوى 3% حتى عام 2026 – تقديراتهم أكثر من ذي قبل.

بعد ذلك بفترة وجيزة، عبّر مصرفيو البنك المركزي، في أول تصريحات عامة لهم هذا العام، عن التزامهم المستمر بتحقيق المستويات المستهدفة. كما حذروا أيضاً من نظرة مستقبلية مالية "ضبابية"على نحو خاص، بعدما حصل لولا دا سيلفا على موافقة الكونغرس بإنفاق إضافي خارج الميزانية قيمته 168 مليار ريال برازيلي (32.4 مليار دولار).

يعتقد بعض أعضاء لجنة السياسة النقدية في البنك أن التعهدات بخفض عجز موازنة الحكومة عليها تخفيف حدة ذلك الخطر، وفقاً لتصريحات مصرفيي البنك المركزي.

5) هل استقلالية البنك المركزي في خطر؟

يبدو إلغاء قانون استقلالية البنك المركزي أمراً بعيد الاحتمال، نظراً لتأكيد العديد من أعضاء الكونغرس الوطني البرازيلي التزامهم به. السيناريو الأكثر ترجيحاً هو إدارة نقاش حول تغيير مستويات البنك المستهدفة للتضخم في يونيو المقبل، وهو الموعد المتوقع فيه تحديد مجلس النقد الوطني المستوى المستهدف لعام 2026.

يمثل اثنان من أعضاء حكومة لولا دا سيلفا، وهما وزير المالية فرناندو حداد ووزيرة التخطيط سيمون تيبيت، أغلبية في المجلس، ويُعد كامبوس نيتو العضو الثالث. كان بولسونارو قد عيّن كامبوس نيتو محافظاً للبنك المركزي، وتعهد كامبوس نيتو بالبقاء في منصبه حتى نهاية فترة تفويضه في ديسمبر 2024.

في تلك المرحلة، سيُرشِّح لولا دا سيلفا خليفة للمحافظ الحالي، وسيكون على ذلك المرشح الحصول على موافقة الكونغرس. خلال فترتي حكمه السابقتين، منح لولا دا سيلفا البنك المركزي مساحة من الحرية لتحديد أسعار الفائدة، لكنه اختار محافظ البنك حينها هنريك ميريليس.

ينتهي تفويض أعضاء لجنة السياسة النقدية والمديرين المشرفين بنهاية فبراير، ويُرشِّح لولا دا سيلفا خلفائهم للكونغرس في خضم ذلك الخلاف القائم بينه وبين البنك المركزي.

6) ما الحجج المؤيدة لاستقلال البنك المركزي؟

هناك ورقة بحثية للمحلل الاقتصادي ألبرتو أليسينا ووزير الخزانة الأميركي لورانس سامرز، نُشرت في 1993 وجرى الاستشهاد بها على نطاق واسع، استنتجت أن البنوك المركزية المستقلة أفضل أداءً فيما يتعلق بالتحكم في التضخم، مقارنةً بالبنوك المركزية الخاضعة للسيطرة السياسية.

ذكرت الورقة أن تلك البنوك المستقلة ستتمكن من تكوين نظرة مستقبلية أطول أجلاً واتخاذ إجراءات لا تحظى بتأييد شعبي لتحقيق أهدافها، نظراً لابتعادها عن الضغوط السياسية المتواصلة.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك