الهيئات واجهت اتهامات بالتقاعس عن تنظيم القطاع بعد أزماته الأخيرة

كيف تغيّر موقف الجهات التنظيمية بعد انهيار قطاع التشفير؟

مقر هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية في العاصمة واشنطن - المصدر: بلومبرغ
مقر هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية في العاصمة واشنطن - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

عندما تحطّم سيارتك، لن يكون من السهل إقناع والديك بأن يدعاك وشأنك.. هذا تماماً ما حصل في قطاع الأصول الرقمية، عندما خسر أكثر من تريليوني دولار من قيمته، وانهارت سلسلة مشروعات خلال 2022، أبرزها بورصة "إف تي إكس". حينها، اتخذ النقاش بشأن إخضاع قطاع العملات المشفرة لرقابة الجهات التنظيمية مساراً مختلفاً إلى حد كبير.

فاقمت الاضطرابات أيضاً المخاطر في معركة كانت تغلي تحت السطح بالفعل في الكونغرس الأميركي بشأن اختيار جهة تنظيم السوق الكبرى في البلاد التي يتوجب عليها قيادة مسيرة الإشراف على قطاع التشفير، سواء كان من الأفضل انتقاء هيئة الأوراق المالية والبورصات، أم لجنة تداول السلع الآجلة للعب هذا الدور.

العثور على 5 مليارات دولار من الأصول السائلة لدى "FTX"

على نحو منفصل، أوضحت هيئة الأوراق المالية والبورصات أنَّها تعتبر أغلب الأصول الرقمية أوراقاً مالية، وهو تصنيف يتطلب استيفاء مجموعة كبيرة من الشروط، فيما أصدرت أكبر الجهات التنظيمية المسؤولة عن القطاع المصرفي في الولايات المتحدة تعميماً عن مخاطر قطاع التشفير.

1) كيف تغيّر مسار النقاش؟

أدى انهيار "إف تي إكس" واتهامات الاحتيال الجنائي الموجهة لمؤسس البورصة المشارك، سام بنكمان فريد، إلى حرج واسع النطاق في الكونغرس وفي أوساط الهيئات التنظيمية، حيث قدّم بنكمان فريد -ومديرون آخرون كبار في "إف تي إكس"- تبرعات سخية لحملات الدعاية للديمقراطيين والجمهوريين، كما قاموا بدور رئيسي في محاولة لصنع إطار تنظيمي جديد يعكس أولويات بعضهم في مجتمع التشفير.

هيئة الأوراق المالية الأميركية تتهم بنكمان فريد بالاحتيال

برغم إشارة الجهات التنظيمية إلى حقيقة أنَّ أزمات قطاع التشفير لم تزعزع استقرار الأسواق المالية التقليدية؛ انتُقدت هذه الهيئات لتقاعسها عن اتخاذ إجراءات للتصدي لأسوأ الانتهاكات في القطاع.

2) ما الأهداف التي سعى لها قادة العملات المشفرة؟

انضم مديرو قطاع التشفير وعمالقة القطاع المالي، مثل شركة "سيتادل سيكيوريتيز" (Citadel Securities)، إلى مسعى القطاع خلال 2022 لدعم مشروع قانون بمجلس الشيوخ يمنح لجنة تداول السلع الآجلة -وهي الهيئة الرقابية الأميركية المخولة بتنظيم تداول العقود الآجلة والمشتقات- سلطة أكبر لتنظيم أصول قطاع التشفير.

"باول": هناك "حاجة حقيقية" لتنظيم أفضل للعملات المشفرة

في الوقت الراهن، تشرف اللجنة بصورة مبدئية على العقود الآجلة في قطاع التشفير. وقالت أكبر منصات تداول العملات المشفَّرة إنَّ الأصول المدرجة بها يجب أن تُعتبر سلعاً، مما يعني أنَّها أغراض ترتفع وتنخفض قيمتها بعيداً عن ربحية المشروع الذي ينتجها.

حتى بعد انهيار "إف تي إكس"، أشار رئيس مجلس إدارة اللجنة، روستين بِنمان، إلى أنَّ الانهيار كان مثالاً على الأسباب التي تجعل وكالته بحاجة إلى المزيد من السلطة في الإشراف على تداول العملات المشفَّرة.

3) ما هي الانتقادات الموجهة إلى هيئة الأوراق المالية والبورصات؟

قال العديد من معارضي مشروع القانون في مجلس الشيوخ إنَّ قواعد هيئة الأوراق المالية والبورصات تحمي صغار المستثمرين أكثر. تم إنشاء هيئة الأوراق المالية والبورصات عقب انهيار السوق عام 1929، وترى الهيئة أنَّ مهمتها الأساسية هي حماية المستثمرين من خلال طلب الكثير من الإفصاحات من الكيانات المالية.

تقرير أميركي يحذر من عمق التشابكات بين قطاع التشفير و"وول ستريت"

رئيس مجلس إدارة الهيئة، غاري غنسلر، وهو رئيس سابق للجنة تداول السلع الآجلة، رد على الانتقادات بأنَّ القواعد التنظيمية التقليدية لا تضاهي واقع العملات المشفَّرة، وأضاف أنَّ الهيئة قد تتخلى عن بعض قواعدها لتتناسب مع الأصول الرقمية بشكل أفضل، وفي الوقت ذاته، تضمن حماية المستثمرين أيضاً، إذا عملت البورصات مع الهيئة للتسجيل.

4) ما هي الإجراءات التي اتخذتها الهيئة؟

أعلنت الهيئة رأيها بوضوح في الأصول الرقمية، وذكرت أنَّها تشبه المشروعات المموّلة من قبل المستثمرين التي تُصنّف كأوراق مالية، وبالتالي؛ تندرج تحت مظلة قواعدها. وظهرت المخاوف بين متداولي العملات المشفَّرة، عندما قامت الهيئة بخطوة غير معتادة في قضية تداول بناءً على معلومات داخلية في منتصف 2022، وميّزت 9 أصول مشفَّرة على أنَّها أوراق مالية.

5) ماذا يعني تصنيف الأصل كورقة مالية؟

بالنسبة إلى الهيئة؛ يكون المعيار الأهم لإطلاق هذا التصنيف، هو ما إذا كان هذا الأصل يشبه السهم الذي تبيعه شركة لجمع المال. وتسأل الهيئة عما إذا كان أي مشروع يشمل استثماراً للأموال في شركة تأتي أرباحها من مشاركات أشخاص آخرين – وهو تقييم يتكون من 4 تشعبات، ويُعرف باسم اختبار "هاوي" (Howey)، ويستند إلى حكم للمحكمة العليا عام 1946.

على سبيل المثال، أقامت الهيئة في 2020 دعوى ضد "ريبل لابس" (Ripple Labs)، التي زعمت أنَّ الشركة موّلت نموها من خلال إصدار رموز "إكس آر بي" (XRP) الرقمية للمستثمرين المراهنين على ارتفاع قيمتها.

وإذا اعتُبِر رمزٌ ما ورقة مالية؛ فإنَّ أولئك الذين يصمّمونه سيكونون عرضة للخضوع لقواعد كثيرة تشبه شروط الطروح العامة الأولية في البورصة، مثل التسجيل ومتطلبات نشر التقارير.

نيويورك تقر قانوناً يحظر تعدين العملات المشفرة مؤقتاً

بالنسبة إلى بورصات قطاع التشفير؛ تعني التسمية أنَّها لا تستطيع طرح أي رمز لا يفي بهذه المتطلبات للبيع لعامة الناس، بالإضافة إلى فرض متطلبات صارمة على المنصات لحماية المستثمرين.

6) ما هي العملات التي تعتبر/ أو لا تعتبر أوراقاً مالية؟

هناك الكثير من الغموض في هذا السؤال. تتفق الهيئات التنظيمية الأميركية على أنَّ "بتكوين"، التي تُعتبر أكبر الأصول الرقمية بفارق كبير عمّا يليها، ليست ورقة مالية. اخترع شخص أو أشخاص غير معروفين عملة " بتكوين"، تحت الاسم المستعار "ساتوشي ناكاموتو"، وهي ليست وسيلة لجمع المال لمشروع بعينه.

في عام 2018، تَقرر أنَّ "إيثريوم"، ثاني أكبر الرموز الرقمية، لا تُعد ورقة مالية. قال مسؤول رفيع المستوى في هيئة الأوراق المالية والبورصات إنَّه برغم إصدار مؤسسة "إيثريوم فاونديشن" (Ethereum Foundation) عملة "إيثريوم" في البداية لجمع الأموال؛ أصبحت العملة تتمتع بما يكفي من اللامركزية، لدرجة أنَّها لم تكتسب على الأرجح صفة الورقة المالية، وهو موقف رفض غنسلر تأييده.

عندما انتقلت "إيثريوم" في سبتمبر إلى نظام جديد لتسجيل المعاملات يعتمد على تجميع العملات أو "إيداعها"، سأل غنسلر ما إذا كانت الفائدة على مثل هذه الإيداعات قد تجعل هذه العملات المودعة أوراقاً مالية.

7) ماذا قالت الجهات المنظمة المسؤولة عن القطاع المصرفي؟

أصدرت أكبر الجهات المنظمة للقطاع المصرفي في الولايات المتحدة، وهي بنك الاحتياطي الفيدرالي ومكتب المراقب المالي للعملة، بياناً مشتركاً في 3 يناير تثير فيه عدة مخاوف بشأن المخاطر التي تمثلها الأصول الرقمية، مثل عمليات الاحتيال والجوانب القانونية غير الواضحة بشأن شركات التشفير والبيانات المضللة الصادرة عنها.

ثلاث هيئات تنظيمية أميركية تحذر البنوك من أنشطة التشفير

كما حذّرت هذه الجهات البنوك من انتقال المخاطر غير القابلة للاحتواء إلى النظام المصرفي.

8) هل ظهرت هذه المشكلة في مناطق أخرى؟

نعم، فالقواعد التي تبنّاها الاتحاد الأوروبي، ولم تدخل حيز التنفيذ بعد، تسعى إلى تنظيم الرموز التي ترتبط بنوع آخر من الأصول أو تعمل كنسخة رقمية من النقود الفعلية، مثل العملات المستقرة.

كما تنظم هيئة السلوك المالي في المملكة المتحدة أيضاً الأصول الرقمية التي تعتبرها استثمارات مصحوبة بحق السداد أو نسبة من الأرباح. لكنَّ "رموز الدفع"، مثل "بتكوين"، أو "رموز الخدمات"، التي تتيح إمكانية الحصول على خدمة؛ ما تزال غير خاضعة للتنظيم في المنطقتين.

تنظم سنغافورة النوعين، لكن بموجب قوانين مختلفة؛ إذ تعتبر العملات التي تُعد ممثلاً رقمياً لأصول أخرى، مثل الأسهم غير المدرجة، أوراقاً مالية، طالما أنَّها مطروحة من قبل بورصة معتمدة. في 2022، أعلنت سلطة النقد في سنغافورة عن مقترحات لتشديد قواعد تداول المتعاملين الأفراد للعملات الرقمية بعد الانهيار الذي شهدته سوق الرموز الرقمية.

في البرازيل، أسس قانون جديد، دخل حيز التنفيذ في ديسمبر، أول إطار عمل للعملات المشفَّرة في الدولة، إذ وضع قواعد أساسية للبورصات التي تطرح العملات المشفَّرة بالإضافة إلى الاستخدام اليومي للأصول. وجاءت خطوة الكونغرس البرازيلي بعدما زاد انهيار "إف تي إكس" من الاهتمام بوضع قواعد تنظيمية.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك