البنوك المركزية ترفع أسعار الفائدة وتشدد سياسات الإقراض وسط تضخم قياسي

عصر الأموال السهلة انتهى.. ما الذي سيتغير؟

أوراق نقدية أمريكية و صينية - المصدر: بلومبرغ
أوراق نقدية أمريكية و صينية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

حقبة "الأموال السهلة" التي لم يُشهد لها مثيل، انتهت بالكامل في 2022، بعدما استخدمت البنوك المركزية استراتيجيات مختلفة لمكافحة التضخم. رفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سعر الفائدة القياسي من قرابة الصفر إلى 4%، في غضون ستة أشهر فقط.

ضغوط جديدة تنتظر الشركات والدول والمستهلكين الذين اقترضوا بكثافة عندما كان الأمر رخيصاً، في وقت عادت البنوك إلى توخي الحذر عند الإقراض. لم يؤدِّ هذا التشدد المفاجئ في شروط الائتمان إلى زيادة مخاطر الركود الاقتصادي والتخلف عن السداد وحسب، بل رفع أيضاً المخاوف بشأن الضعف المالي الذي سبق تغطيته بالاقتراض.

1- لماذا كانت الأموال رخيصة؟

فتحت البنوك المركزية صنابير السيولة على نطاق واسع، للحيلولة دون تسبب الأزمة المالية العالمية في إحداث كساد. واستخدمت أسعار الفائدة المنخفضة وإجراءات أخرى، في محاولة لتحفيز النشاط التجاري. كما أبقت البنوك المركزية أسعار الفائدة منخفضة لسنوات، في وجه التعافي الاقتصادي الذي بدا هزيلاً بشكل ملحوظ، ثم فتحت الصنابير مرة أخرى بعد انتشار الوباء: خفّض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة إلى الصفر تقريباً، ولم يرفعها حتى مارس 2022.

2- ما نتائج ذلك؟

ساعدت الأموال السهلة في تغذية فترة من النمو الاستثنائي في الأسواق المالية الأميركية، من دون اعتبار الهبوط قصير المدة والحاد الذي سببه الوباء في 2020.

ارتفعت سوق الأسهم الأميركية أكثر من 580% بعد الأزمة المالية (2008)، محققة مكاسب في الأسعار وتوزيعات الأرباح.

أدت الأموال السهلة أيضاً إلى زيادة هائلة في ديون تتحملها الشركات والدول. فبين عامي 2007 و2020 قفزت نسبة الدين العام للحكومات من 58% إلى 98% من الناتج الإجمالي العالمي، أما دين الشركات غير المالية كحصة من الناتج المحلي الإجمالي، فارتفع من 77% إلى 97%، وفق البيانات التي جمعها إيد ألتمان، الأستاذ الفخري في "كلية ستيرن لإدارة الأعمال" التابعة لـ"جامعة نيويورك".

أغرق المستثمرون الشركات بالنقد، بحثاً عن عوائد أفضل من أصول الديون الآمنة، مثل سندات الخزينة. وجازفوا بشراء سندات في مشاريع محفوفة بالمخاطر دفعت عوائد عالية، من دون النظر إلى جودتها الائتمانية المنخفضة. ومع ذلك، وعلى الرغم من تراكم الديون، ظل التضخم ضعيفاً في معظم الاقتصادات المتقدمة، إذ بالكاد وصلت نسبته إلى هدف الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة، والتي تبلغ 2%.

3- ما الذي تغير؟

وصلت نسبة التضخم إلى مستويات عالية في 2021، مع تراجع القيود المفروضة بسبب الوباء، بينما بقيت سلاسل التوريد معطلة. ثم تفاقمت في 2022 بسبب نقص الطاقة وغزو روسيا لأوكرانيا، ووصلت إلى 9% في الولايات المتحدة، و10% في المنطقة الأوروبية. مقتفية أثر "الاحتياطي الفيدرالي" الأميركي، بدأت البنوك المركزية برفع أسعار الفائدة بأسرع وتيرة منذ أكثر من أربعة عقود، ووضعت هدفاً يتمثل في إبطاء النمو من خلال تقليل طلب المستهلكين، على أمل أن تنخفض الأسعار هي الأخرى.

بين مارس ونوفمبر، رفع "الاحتياطي الفيدرالي" سقف السعر الذي يستخدمه لإدارة الاقتصاد، والمعروف باسم سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية، من 0.25% إلى 4%. ويتوقع الاقتصاديون أن البنك المركزي سيرفع المعدل حتى 5% بحلول مارس 2023، ويبقيه عند تلك النسبة معظم العام.

4- ماذا يعني ذلك للمستثمرين والأسواق؟

هبطت سوق الأسهم الأميركية من ذروتها بنسبة 25%، بعد البدء برفع أسعار الفائدة، في وقت استعد المستثمرون للتباطؤ المدفوع بأسعار فائدة مرتفعة. سجلت أسعار السندات أكبر انخفاض لها منذ عقود، إذ قلّت قيمة السندات الحالية منخفضة العائد، بسبب توقع طرح إصدارات جديدة تدفع معدلات أعلى. وقللت كل من الشركات ذات الدرجة الاستثمارية وشركات العائد المرتفع، من الاقتراض.

تباطأت عمليات البيع في سوق الإسكان بشكل ملحوظ، وهي أحد أكثر المجالات حساسية لأسعار الفائدة في الاقتصاد الأميركي. المستثمرون الذين أصبحوا أكثر حذراً في الآونة الأخيرة، باتوا يتجنبون الأصول الأكثر خطورة، مثل القروض عالية المخاطر.

5- ماذا يعني ذلك للمستهلكين والشركات؟

في الشركات الأميركية، قفز متوسط العائدات على الديون ذات الدرجة الاستثمارية الصادرة حديثاً، إلى نحو 6%، كما قفز الدين عالي العائد إلى قرابة 10% بحلول نوفمبر. يأتي ذلك بالإضافة إلى كلفة عمالة مرتفعة، خصوصاً في قطاعات مثل الرعاية الصحية. يواجه مشترو المنازل مدفوعات شهرية ترتفع بشكل حاد، إذ تجاوز معدل الرهن العقاري الثابت لمدة 30 عاماً، نسبة 7%، وهي الأعلى منذ عقدين.

وعلى الرغم من المكاسب الكبيرة في أجور العمال الأميركيين خلال العامين الماضيين، إلا أن نسبة التضخم القياسية بدأت تؤثر على الرواتب.

وخارج الولايات المتحدة، ساهمت الزيادات في أسعار الفائدة الفيدرالية الأميركية، في تعزيز قوة الدولار أمام العملات الأخرى، ما يعني أن كلفة سداد الديون السيادية المقوّمة بالدولار، وديون الشركات في الأسواق الناشئة، أصبحت أعلى بكثير.

6- ما المخاطر؟

أدى الوصول السهل إلى الأموال في الولايات المتحدة إلى مستويات أعلى من الديون وسط الشركات المقترضة المخاطرة، ولا سيما تلك التي تملكها شركات الأسهم الخاصة.

ظهر مقياس شائع يحسب نسبة الدين للأرباح في سوق القروض عالية المخاطر، على مدى السنوات العشر الماضية. هذا يعني أيضاً خطراً أكبر تتعرض له محافظ التزامات القروض المضمونة، وهي قروض مجمعة في سندات. وعلى صعيد عالمي، أصبحت شركات "الزومبي"، وهي الشركات التي لا تكسب ما يكفي لتغطية نفقات الفوائد، أكثر شيوعاً.

أدى ارتفاع التكاليف في شتى المجالات، مثل رأس المال والعمالة والسلع، إلى خلق توقعات تفيد بأن معدل التخلف عن السداد سيرتفع، خاصةً وسط الشركات المثقلة بالديون.

7- هل هناك أزمة مالية أخرى محتملة؟

تم تشديد قواعد الإقراض بعد انهيار الأسواق الائتمانية في 2008، ومع ذلك، فإن سرعة رفع أسعار الفائدة تزيد من مخاوف انهيار شيء ما في النظام المالي.

وفي سبتمبر، جاءت استراتيجية التحوّط، التي تستخدمها عادةً صناديق التقاعد البريطانية، بنتائج عكسية، إذ قفزت عائدات السندات الحكومية بشكل أسرع من النماذج التي سمحت بها الأموال المستخدمة. فكان تدخل المركزي البريطاني ضرورياً لتهدئة اضطراب السوق.

8- هل ثمة ما يدعو للتفاؤل؟

نعم، وعلى عدة جبهات. فقد تمتع المستهلكون والشركات المقترضة الأميركية بالمرونة على نطاق واسع. الوصول السهل للأسواق في أعقاب الوباء، مكّن العديد من الشركات من إعادة تمويل ديونها بأسعار فائدة منخفضة، ما يعني أنها لن تضطر إلى العودة الفورية للسوق. كما أن مدفوعات التحفيز التي صرفت خلال الوباء، وما تلاها من ارتفاع الأجور، خففت على الأسر، نوعاً ما، وطأة التباطؤ الاقتصادي.

بحسب تقرير مجموعة "يو بي إس"، وبشكل عام، فإن حصة المخاطر في التزامات المستهلك، مثل الرهون العقارية وقروض السيارات، انخفضت منذ 2006.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
تصنيفات

قصص قد تهمك