بعد جهود على مدار عدة شهور لدعم اليوان، كرر بنك الشعب الصيني استخدام معظم أدوات سياسته النقدية ليواجه بعض الخيارات الصعبة.
في حين تحوم العملة الصينية بالقرب من النهاية الضعيفة لنطاق تداول يومي بنسبة 2% مقابل الدولار؛ فإنَّ شبح الإجراءات القاسية- وإن كان غير مرجح - آخذ في الازدياد. هناك بالفعل دلائل على أنَّ الصين تتدخل في سوق الصرف الأجنبي، مثلما فعلت اليابان. وتشمل الخيارات الرئيسية الأخرى إعادة التقييم لمرة واحدة، وتقييد نطاق اليوان.
سيكون لهذه الإجراءات تأثير سلبي كبير في حال تطبيقها، لكونها تستنزف احتياطيات الصين من العملات الأجنبية، وتزيد المخاوف من وجود ضوابط أقوى على حركة رأس المال، في حين يخشى المستثمرون من التوجهات السياسية لدى الرئيس شي جين بينغ.
بالنظر إلى خطورة هذه الخيارات؛ فإنَّ المحللين يقولون إنَّها من المحتمل أن تكون الملاذ الأخير، إذ قال المسؤولون يوم الثلاثاء إنَّهم سيعملون على تعميق إصلاحات الصرف الأجنبي وفق آليات السوق.
قال مينجز وو، وسيط تداول العملات الأجنبية في "ستونكس غروب" (StoneX Group) في سنغافورة: "هناك أدوات أكثر قوة يمكن لبنك الشعب الصيني الاستفادة منها إذا أراد زيادة قوة اليوان، وقد فعل ذلك من قبل".
أضاف: "من الملائم لبنك الشعب الصيني أن يقدم على تلك الخطوات، لكنَّها ذات تكلفة. تريد الصين تدويل اليوان ليصبح عملة دولية، بما في ذلك عدم السيطرة عليه بقوة".
في حين أنَّه من المستحيل إقامة دفاع مستدام ضد الدولار الأقوى الذي يتفوق على كل العملات الأخرى، فقد طرح بنك الشعب الصيني مجموعة من الإجراءات، مما حدّ من انخفاض العملة الصينية هذا العام إلى 12% فقط - وهو أداء أفضل من الين والوون الكوري الجنوبي.
دفع ارتفاع الدولار بنسبة 13% منذ بداية 2022 اليوان إلى الاقتراب من النهاية الضعيفة لنطاق تداوله، مما أثار شبح تكرار تجربة عام 2012. في ذلك الوقت؛ كانت العملة الصينية في كثير من الأحيان تصل إلى الحد الأقصى للنطاق المحدد، مما غذَّى انخفاض السيولة، وأدى إلى توقف فعلي للتداول في سوق الصرف الأجنبي، وفقاً للمتعاملين بالسوق حينذاك.
فيما يلي نظرة على الإجراءات التي يمكن أن يتخذها بنك الشعب الصيني لدعم اليوان:
التدخل
هناك دلائل على أنَّ الصين تكثف بالفعل الدفاع عن عملتها، إذ قال متعاملون إنَّ البنوك المملوكة للدولة باعت الدولارات مؤخراً. واستفادت البنوك من موجة بيع واسعة بالدولار يوم الأربعاء عندما ارتفع اليوان في التعاملات الخارجية بمقدار قياسي.
يمثل التدخل بهذا الشكل الخيار الأكثر احتمالاً بالنسبة للمسؤولين، وفقاً للمحللين والمتعاملين. قال ستيفن تشيو، المحلل لدى "بلومبرغ إنتليجنس" إنَّ التدخل سيبطئ انخفاض اليوان حتى تتحسن أساسيات الاقتصاد الكلي في الصين.
يكمن الجانب السلبي لمثل هذه الخطوة في أنَّها ستؤدي إلى تآكل احتياطيات الصين من النقد الأجنبي. بعد أن خفّض البنك المركزي قيمة اليوان في أغسطس 2015 - وهي صدمة تردد صداها في الأسواق العالمية- انخفضت احتياطياته من العملات الأجنبية بأكثر من 15% في الفترة حتى يناير 2017، وهذا ما يشير إلى تدخله في سوق الصرف الأجنبي. وانخفضت حيازات بنك الشعب الصيني من العملات الأجنبية بنسبة 7% إلى 3.03 تريليون دولار في الأشهر التسعة الأولى من 2022.
هناك طريقة أخرى أقل وضوحاً للتدخل؛ وهي زيادة تكلفة المتداولين بشكل كبير لبيع اليوان على المكشوف. يمكن لبكين إحداث ارتفاع كبير في تكاليف التمويل عن طريق سحب السيولة في هونغ كونغ، وهو مقياس استخدمته في أوائل 2016 و2017. في حين أنَّ من شأن هذه الخطوة أن تؤدي إلى تكبيد المضاربين خسائر فادحة؛ لكنَّها قد تؤدي أيضاً إلى حدوث تقلّبات حادة في سوق العملات.
تضييق النطاق
من الناحية النظرية، يمكن للسلطات أيضاً تضييق نطاق التداول اليومي لليوان. قام بنك الشعب الصيني آخر مرة بتعديله في عام 2014 عندما وسّع النطاق إلى 2% من 1% للسماح للأسواق بلعب دور أكبر.
مع ذلك؛ من غير المرجح أن يقوم البنك المركزي بتقييد النطاق، لكونه سيتعارض مع هدفه المعلن للسماح بمزيد من حركة الأسعار وفق آليات السوق وإثارة الشكوك حول جهود الصين لتدويل اليوان، وفقاً لألفين تان، رئيس قسم استراتيجية العملات الآسيوية لدى "أر بي سي كابيتال ماركتس" (RBC Capital Markets).
ضبط تثبيت سعر الصرف
أخيراً، يمكن لبنك الشعب الصيني الشروع في التعديل لمرة واحدة لتعزيز تثبيت سعر صرف اليوان، على الرغم من أنَّ هذا سيُفسر مرة أخرى على أنَّه عدول عن إصلاحاته وفق آليات السوق. وكانت آخر مرة عدّلت فيها السلطات الصينية تثبيت سعر الصرف في عام 2015 عندما خفّضت قيمة العملة الصينية.
مع ذلك، يعتقد بعض المحللين أنَّ بنك الشعب الصيني قد يمتنع عن اتخاذ أي خطوات شديدة في المدى القريب.
قال ليمون تشانغ، محلل العملات الأجنبية لدى بنك "باركليز": "التقييمات المرتفعة لسعر الصرف المرجح لليوان من الناحية التجارية؛ تشير إلى أنَّ احتمال ضعف اليوان قد يكون قوياً في الوقت الحالي".
هبط اليوان في التعاملات المحلية بالصين 0.3% إلى 7.2440 للدولار أمس الجمعة بعد أن تراجع إلى أضعف مستوى منذ 2007 خلال أسبوع.