أبقى بنك اليابان على أسعار الفائدة المنخفضة للغاية وسط دعم حكومي جديد، في مواجهة تكهنات مستمرة بالسوق بأنه سيعدّل سعر الفائدة، مع استمراره في توقع انخفاض التضخم إلى أقل من 2% العام المقبل.
اليوم الجمعة، أبقى المحافظ هاروهيكو كورودا ومجلس إدارته سعر الفائدة السلبي، وسقف العائد لسندات الخزانة لأجل 10 سنوات ومشتريات الأصول دون تغيير في نهاية اجتماع السياسة النقدية على مدار يومين.
جاءت خطوة بنك اليابان متوافقة مع آراء 49 من الخبراء الاقتصاديين الذين شملهم الاستطلاع الذي أجرته "بلومبرغ"، وكان لها تأثير ضئيل على السوق.
جاء الإبقاء على أسعار الفائدة السلبية بعد ساعات فقط من إعلان رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا عن حزمة إنفاق جديدة بنحو 200 مليار دولار، من المرجح أن تساعد بنك اليابان على التمسك بالسياسة النقدية لفترة أطول من خلال تخفيف بعض المتاعب الناجمة عن ارتفاع أسعار الطاقة، والتي تضخمت جزئياً بسبب ضعف الين.
تذبذبت العملة اليابانية بشكل طفيف صعوداً وهبوطاً بعد القرار، لكنها لم تتغير كثيراً اليوم حول مستوى 146.25 للدولار. ارتفع الين 4% تقريباً عن أدنى مستوى خلال ثلاثة عقود الذي سجله الأسبوع الماضي، ما أدى إلى تحفيز بنك اليابان على إجراء المزيد من التدخلات المشتبه بها.
يشير رد الفعل السلس نسبياً على قرار اليوم الجمعة حتى الآن إلى أن كلاً من الحكومة والبنك المركزي قد استعدا بشكل أفضل للتمسك بالقرار على عكس قرار الشهر السابق.
في سبتمبر، أدى الانخفاض الحاد في الين في أعقاب بيان السياسة النقدية والتعليقات المتساهلة الصادرة عن كورودا إلى دفع وزير المالية شونيتشي سوزوكي إلى اتخاذ قرار بدخول اليابان إلى الأسواق لدعم العملة لأول مرة منذ 24 عاماً.
موقف صعب
يواصل كورودا التمسك بموقفه، لتواصل اليابان تقديم أدنى معدلات الفائدة المنخفضة عالمياً، بعد يوم واحد فقط من قيام البنك المركزي الأوروبي برفع سعر الفائدة مرة أخرى. لكن المحافظ في موقف عصيب، إذ يخاطر بموقفه بتعريض الين للمزيد من الضغوط السلبية رغم مليارات الدولارات التي أنفقتها الحكومة لدعم العملة.
قال كيوهي موريتا، كبير الخبراء المتخصصين في الاقتصاد الياباني لدى "نومورا سيكيوريتيز" (Nomura Securities): "ما يزال احتمال تحوّل بنك اليابان نحو التشديد النقدي ضئيلاً، كون التضخم الياباني ليس واسع النطاق على الإطلاق ويرتفع بنحو ثلث الوتيرة المسجلة في أوروبا والولايات المتحدة".
في توقعاته الاقتصادية الفصلية، رفع بنك اليابان بشكل حاد توقعاته للتضخم إلى 2.9% للسنة المالية المنتهية في مارس 2023، بينما توقع أن يتباطأ نمو الأسعار إلى 1.6%، أي أقل بكثير من مستهدفه البالغ 2%، في الأشهر الـ12 التالية. هذه التوقعات تتناسب مع وجهة نظره القائلة إن التسارع الحالي للتضخم غير مستدام.
لكن محافظي البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم تراجعوا منذ فترة طويلة عن وجهة النظر القائلة إن ارتفاع الأسعار ظاهرة عابرة لا تتطلب تشديد السياسة النقدية.
أظهرت الأرقام الصادرة في وقت سابق يوم الجمعة أن التضخم في طوكيو سجل أسرع وتيرة منذ أواخر الثمانينيات في أكتوبر مع ارتفاعه بنسبة 3.4%، مما يرجح تسارعاً مماثلاً في الأسعار على مستوى البلاد.
استمرار التيسير النقدي
قال تورو سوهيرو، كبير الاقتصاديين في "دايوا سيكوريتيز" (Daiwa Securities)، "يكشف بنك اليابان ببساطة عن الوضع الحالي للأسعار والاقتصاد من خلال تعزيز توقعاته بشأن التضخم والبقاء حذرا بشأن النمو".
أضاف أن بنك اليابان "سيواصل سياسة التيسير الحالية حتى تنتهي ولاية كورودا وستركز الحكومة على دعم النمو وتوفير بيئة تسهّل ارتفاع الأجور".
تُظهر إجراءات التحفيز التي اتخذها كيشيدا أنه يواصل دعم توجه كورودا لتحقيق نمو دائم في الأسعار والاقتصاد من خلال دورة رفع الأجور.
تكشف مسودة حجم حزمة الإنفاق، حصلت عليها "بلومبرغ"، أن العنصر الرئيسي عبارة عن مجموعة من التدابير المالية بقيمة 12 تريليون ين للتخفيف من متاعب ارتفاع أسعار الطاقة وتشجيع نمو الأجور.
تشير تقارير إعلامية محلية إلى أن الحكومة اليابانية تهدف إلى خفض فواتير الكهرباء للأسر بنحو 20% اعتباراً من يناير 2023.
تتجه الأنظار إلى المؤتمر الصحفي الذي سيعقده كورودا في الساعة 3:30 مساء بالتوقيت المحلي، في حين لا تزال ذكريات الشهر الماضي متقدة في الأذهان عندما دفعت تعليقات كورودا المتساهلة الين إلى الهبوط بشكل حاد.
منذ ذلك الحين، يُعتقد أن اليابان دخلت الأسواق مجدداً لدعم العملة دون تأكيد ذلك. من غير المرجح أن يؤدي الدفاع قصير المدى عن الين إلى عكس مسار الضغط الهبوطي الذي سيواجهه طالما أن الاحتياطي الفيدرالي يواصل رفع أسعار الفائدة ويوسع فجوة العائد بين الولايات المتحدة واليابان.
لكن التدخلات المشتبه بها توفر على الأقل الوقت لـ"بنك اليابان" للاقتراب من اللحظة التي يبطئ فيها بنك الاحتياطي الفيدرالي وتيرة التشديد النقدي. من المرتقب أن تعقد لجنة السياسة النقدية في بنك اليابان اجتماعها المقبل برئاسة كورودا وأعضاء فريقه خلال ديسمبر.
بحلول ذلك الوقت، قد تكون التوقعات العالمية أكثر كآبة وقد تحولت ديناميكيات السوق لصالح بنك اليابان، مما يؤدي إلى تخفيف الضغط عن التحكم في منحنى العائد والعملة.
فقدَ الين أكثر من خُمس قيمته مقابل الدولار منذ بداية 2022، ليُعدّ الأكثر تأثراً بين العملات الرئيسية، إذ ركز المتعاملون على فجوة معدل الفائدة مع الولايات المتحدة.
قال كورودا مرارا إن التعافي البطيء لليابان من الوباء يجعل تقديم الدعم عبر التسهيل النقدي ضرورياً، بينما يجب أن تكون مكاسب الأجور أقوى لجعل التضخم الناجم عن ارتفاع التكاليف في الوقت الحالي مستداماً.
على عكس الولايات المتحدة، عانت اليابان من موجات طويلة من التضخم المتراجع في التاريخ الحديث، وأمضى كورودا العقد الماضي في محاولة لإشعال دورة دائمة من التضخم والنمو.
في إشارة إلى قلق البنك بشأن مستقبل الاقتصاد، فقد خفض بنك اليابان توقعاته للنمو الاقتصادي بسبب الصعوبات المتوقعة من التباطؤ عالمياً.
يتوقع بنك اليابان حالياً أن ينمو الاقتصاد بنسبة 2% خلال السنة المالية الحالية مقارنة بتوقعه السابق عند 2.4%، وأن يتباطأ إلى 1.9% في السنة المالية المقبلة.
قال موريتا: "لم يشر بنك اليابان إلى أي قلق أكبر بشأن ضعف الين لأنه لا يوجد الكثير الذي يمكنه فعله حيال الدولار القوي.. مجرد تعديل التحكم في منحنى العائد لن يوقف ذلك".