التضخم لم يعد مستورداً من خارج المملكة فقط بل تسرب لخدمات ومنتجات محلية

أول رفع للفائدة منذ 14 عاماً.. هذه مبررات بنك المغرب المركزي

مقر بنك المغرب في العاصمة الرباط. المملكة المغربية - المصدر: بلومبرغ
مقر بنك المغرب في العاصمة الرباط. المملكة المغربية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

الشرق

اضطر بنك المغرب لمسايرة البنوك المركزية عبر العالم عبر رفع سعر الفائدة 50 نقطة أساس إلى 2%، بعد تريث دام شهوراً عديدة، بسبب وصول التضخم لمستويات قياسية لم تشهدها المملكة المغربية منذ عقود.

خلال اجتماعه، الثلاثاء، ناقش أعضاء مجلس بنك المغرب رفع الفائدة بمقدار 50 نقطة أو 75 نقطة، وتمّ اعتماد الخيار الأول بالإجماع، في ظل استمرار عدم اليقين داخلياً وخارجياً، والرغبة في مواجهة التضخم بأقل كلفة من ناحية التأثير في النمو الاقتصادي.

بدأت وتيرة ارتفاع التضخم في البلاد منذ سبتمبر 2021 لتصل 8% في أغسطس، على أساس سنوي، وهو أعلى مستوى منذ مارس 1992، في حين بلغ متوسط معدل التضخم للشهور الثمانية الأولى من العام الحالي 5.8%.

لم يرفع "المركزي" المغربي سعر الفائدة الرئيسي منذ عام 2008، كما لم يحرّكها منذ شهر يونيو 2020 عندما خفّضها بمقدار 50 نقطة إلى 1.5%.

من شأن رفع سعر الفائدة إلى 2% أن يؤثر في النمو في العام الجاري بـ0.1% إلى 0.2%، حيث سيتباطأ بشكل ملموس إلى 0.8% مع نهاية السنة، من 1% كما في توقُّعات يونيو، على أن يتسارع إلى 3.6% في 2023، بحسب والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري، خلال مؤتمر صحفي مساء البارحة الثلاثاء لشرح أسباب رفع الفائدة.

المصدر: الشرق
المصدر: الشرق

مبررات الرفع

في آخر اجتماع له في يونيو، أبقى "المركزي" الفائدة دون تغيير عند 1.5%، بناءً على توقُّعات بتسجيل التضخم 5.7% في العام الحالي، وانخفاضه إلى 2% العام المقبل، وهي تقديرات لم تعد قائمة، حيث يُتوقَّع أن يرتفع التضخم إلى 6.3% هذا العام و2.4% العام المقبل، وهو المبرر الأول الذي اعتمده بنك المغرب لرفع الفائدة.

من المرتقب أن تشهد معظم الأسواق عبر العالم استمراراً في ارتفاع معدلات التضخم لغاية عام 2024، خصوصاً بلدان الاتحاد الأوروبي التي تُمثّل الشريك التجاري الأول للمملكة.

المبرر الثاني الذي كان حاسماً في رفع الفائدة، يتمثل في كون التضخم لم يعد مستورداً من الخارج فقط؛ بل تسرّب إلى سلع وخدمات داخلية، وهو ما دفع بنك المغرب للخروج من سياسة التريث لاتخاذ خطوة لكبح انتشار التضخم لتفادي الوصول إلى تضخم مرتفع ومستدام.

يرى يوسف كراوي الفيلالي، المحلل الاقتصادي ورئيس المركز المغربي للحوكمة والتسيير، في حديث لـ"الشرق"، أنَّ رفع الفائدة "كان ضرورياً لأنَّ التضخم المستورد تدفق إلى المنتجات المغربية من خلال استيراد المواد الأولية من الخارج بأثمنة مرتفعة، مما أثّر في السعر النهائي حتى للمنتج المصنّع محلياً".

في المقابل، يَعتبر رشيد أوراز، باحث رئيسي في المعهد المغربي لتحليل السياسات، أنَّ "الأغلبية تُقرّ أنَّ التضخم مستورد، وبالتالي؛ فإنَّ رفع معدل الفائدة من قِبل البنك المركزي لن يؤدي لخفض معدل التضخم". مُرجّحاً في حديث لـ"الشرق" أن يكون هدف بنك المغرب هو "دفع الحرج عنه حتى لا يُلقى اللوم عليه بعدم اتخاذ أي خطوة أمام التضخم المرتفع".

ويتابع: "لو كانت السياسة النقدية المحلّية لبنك المغرب هي التي أدّت للتضخم، فقد نفهم أن تكون مهمة كبح التضخم ملقاة على عاتقه، لكنَّ الأمور مختلفة شيئاً ما".

خطوة غير كافية

يُقرُّ والي بنك المغرب أنَّ زيادة 50 نقطة أساس في سعر الفائدة الرئيسي غير كافٍ لمواجهة التضخم. ويشدّد الجواهري على أنَّ الأمر يحتاج إجراءات تكميلية من قِبل الحكومة كمراقبة الأسعار، ومنع الاحتكار، وحسن إنفاق إعانات الدولة لبعض القطاعات المتضررة من موجة ارتفاع أسعار المحروقات.

كانت الحكومة أقرّت، في وقتٍ سابق من هذا العام، دعماً مباشراً للعاملين في قطاع نقل المسافرين والبضائع، وبلغ إجمالي هذا الدعم حوالي 2.7 مليار درهم مغربي (245 مليون دولار)، ويرتقب أن يصل إلى 5 مليارات درهم مع نهاية العام.

يوسف الفيلالي يرى أنَّ الحكومة بإمكانها اتخاذ خطوات من جانبها لمواجهة معدل التضخم المرتفع، من خلال خفض الضرائب أو تقديم إعانات لبعض الشركات المنتجة لمواد أو خدمات أساسية في الحياة اليومية للمواطنين.

من جهته، لفت رشيد أوراز إلى أنَّ "التضخم لا يُحارب حين يصل إلى هذه المستويات إلاّ بشكل تدريجي ولسنوات، عبر القيام بخطوات لخفض الضغط على القدرة الشرائية للمواطنين وعلى كلفة الإنتاج بالنسبة للشركات".

بدأ المغرب مطلع سبتمبر تطبيق زيادة على الحد الأدنى للأجور في القطاعين العام والخاص، بواقع 6% و10% على التوالي، بعد اتفاق وُقِّع شهر مايو الماضي مع النقابات الكبرى واتحاد أصحاب العمل.

يشدّد أوراز على أنَّ "الاستثمار، وخلق فرص العمل، وتحسين الإنتاجية، هي الحلول الممكنة في حالة المغرب. لكنَّ الإشارة التي تُرسل للسوق برفع معدل الفائدة لا تسير في هذا الاتجاه".

تنادي النقابات حالياً بإقرار زيادة جديدة على الأجور، تشمل القطاعين العام والخاص، لدعم القدرة الشرائية للمواطنين بمواجهة التضخم. وكبديل عن ذلك؛ تفضل الحكومة مناقشة إمكانية خفض الضرائب المفروضة على الأجور.

سجّلت ميزانية المغرب عجزاً بقيمة 30.4 مليار درهم (نحو 3 مليارات دولار) بنهاية أغسطس، وفقاً لوزارة الاقتصاد والمالية، إذ شهدت النفقات ارتفاعاً بقيمة 22 مليار درهم، نجمت بشكل أساسي عن الدعم المخصص للعاملين في قطاع نقل المسافرين لمواجهة ارتفاع أسعار المحروقات وزيادة الإنفاق العام.

تصنيفات

قصص قد تهمك