تدرس روسيا خطة لشراء ما قيمته 70 مليار دولار من اليوان وعملات الدول "الصديقة" الأخرى خلال 2022 لإبطاء ارتفاع الروبل، قبل التحول إلى استراتيجية طويلة الأجل لبيع ما تحوزه من العملة الصينية إلى صندوق استثمار.
بوتين: روسيا ستتغلب على العقوبات.. والغرب سيعاني أكثر
يمثل الاقتراح أحد الإجراءات التي من شأنها أن ترقى إلى التنصل فعلياً من السياسة الاقتصادية المطبقة على مدار أكثر من 10 سنوات، إذ يُصلِح الكرملين استراتيجيته وسط العقوبات الشاملة التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها إزاء غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا.
نالت الخطة دعماً أولياً في اجتماع تخطيط "استراتيجي" خاص لكبار مسؤولي الحكومة والبنك المركزي الروسي، بينهم المحافِظة إلفيرا نابيولينا، في 30 أغسطس، وفقاً لأشخاص مطلعين على المداولات، تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هوياتهم لمناقشة المسائل غير المعلنة على الرأي العام.
بنك روسيا المركزي قاد انتعاش الروبل بعدما قلصت الحرب الخيارات المتاحة
يسلط هذا النهج الضوء على الكيفية التي أدت بها العقوبات إلى تغيير الاستراتيجية الاقتصادية لروسيا رأساً على عقب، مع تجميد نحو نصف احتياطياتها من العملات الأجنبية البالغة 640 مليار دولار بعد بدء غزو أوكرانيا في فبراير 2022، مما أدى إلى عدم وصول الكرملين إلى الأموال التي أمضى سنوات في توفيرها للاستفادة منها في أوقات الضرورة. كما يبرز كيف أن الجهود المبذولة لتنويع تلك الحيازات من الدولارات واليورو للحد من مخاطر المصادرة كان لها تأثير محدود فقط.
إحدى الوثائق المعدة للمناقشة خلال الاجتماع تشير إلى أنه "في ظل الوضع الجديد فإن تكديس احتياطيات النقد الأجنبي السائلة لمواجهة الأزمات المستقبلية أمر بالغ الصعوبة وغير ملائم".
على مدار سنوات، سيطر الكرملين على عمليات الإنفاق ووفر مئات المليارات من الدولارات واليوروات والعملات الأجنبية الأخرى كوسيلة لحماية الاقتصاد من تقلبات أسعار النفط بين الصعود والهبوط.
"الـ300 مليار دولار المجمدة لم تساعد روسيا، على العكس من ذلك، أصبحت نقطة ضعف ورمزاً للفرص الضائعة"، كما جاء في الوثيقة، في اعتراف رسمي نادر بالتأثير الحقيقي للعقوبات.
اطلعت "بلومبرغ" على نسخة من الوثيقة، وهي ليست متاحة للرأي العام، وأكد الأشخاص المطلعون على الاجتماع صحتها. لم تردّ الحكومة والبنك المركزي في روسيا فوراً على طلبات التعليق بشأن الخطة.
قالت الوثيقة إن توفير هذه الأموال "هو تخفيض مباشر للاستثمارات في روسيا لصالح الاستثمارات في دول أخرى". لم تستجِب الدائرة الصحفية للحكومة والبنك المركزي فوراً على طلبات التعليق بشأن الخطة.
عملات الدول " الصديقة"
قالت الوثيقة إنّ شراء عملات الدول "الصديقة" يمثل مشكلة، مشيرة إلى أن بيع حيازات اليوان "يتطلب اتفاقية منفصلة مع الصين، التي سيكون من الصعب للغاية الدخول في أزمة بشأنها".
أوضحت الوثيقة أن عملات أخرى مثل الدرهم الإماراتي معرضة "لمخاطر سياسية كبيرة" لأن تلك الحكومات قد تغير سياساتها، في حين تواجه الليرة التركية مخاطر كبيرة لخفض قيمتها.
لكن على المدى القصير، مع تدفق عائدات صادرات النفط والغاز، ما دفع فائض الحساب الجاري إلى مستوى قياسي خلال 2022 ودفع الروبل للصعود، يدعو الاقتراح إلى إنفاق 4.4 تريليون روبل (70 مليار دولار) لشراء عملات الدول "الصديقة"، معظمها باليوان.
تشير الخطة إلى إغراق البنوك بالعملات "ذات القيمة المتقلبة" في الوقت الحالي لأن الجهود المبذولة لتحويل التجارة بعيداً عن الدولار واليورو حتى الآن حققت تقدماً محدوداً، وشركاء روسيا التجاريون ليسوا متحمسين لتسوية المدفوعات بعملاتهم الخاصة.
طرح المسؤولون لأول مرة فكرة شراء عملات من الدول "الصديقة" لإبطاء ارتفاع الروبل في يونيو 2022. في ذلك الوقت، انتقد وزير الاقتصاد مكسيم ريشيتنيكوف الفكرة، قائلاً إنها لن تكون كافية لتحريك سعر الروبل كثيراً، ولكنها ستجبر الحكومة على خفض الإنفاق بشكل حادّ.
لم تذكر الوثيقة تراجع اليوان مقابل الدولار منذ بداية 2022، الأمر الذي أدى إلى تآكل قيمة احتياطيات روسيا، التي يجري حسابها بالعملة الأميركية.
هزيمة بوتين تتطلب مزيداً من العقوبات وقدرة على التحمل
قبل الحرب في أوكرانيا، زادت روسيا بشكل مطرد استثماراتها باليوان في إطار حملة التنويع، لتصبح من أكبر مالكي الاحتياطيات الدولية بالعملة الصينية في العالم. لكن بينما لم تُجمَّد هذه الأصول بسبب العقوبات الأميركية والأوروبية، يظل وصول روسيا إليها محدوداً.
تقول الوثيقة إن حيازات اليوان قد تصل إلى ما قيمته 180 مليار دولار، بما في ذلك مشتريات إضافية غير محددة جرت هذا العام. توقف البنك المركزي الروسي عن الإعلان بشأن توزيع العملات في الاحتياطيات الدولية بعد فرض العقوبات. في الأول من يناير 2022، قال البنك المركزي الروسي إن اليوان يمثل 17.1% من الاحتياطيات الدولية، ما يزيد قليلاً على ما يعادل 100 مليار دولار.
هل يمكن استخدام احتياطيات روسيا الخارجية لدفع تعويضات الحرب؟
تدعو الخطة إلى إنفاق تلك الأموال على مدى السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة للمساعدة في تغطية التكلفة الهائلة للاستبدال بالتكنولوجيا الأجنبية، وتحويل البنية التحتية للنقل نحو أسواق جديدة في آسيا.
لا توضح الوثيقة كيفية التعامل مع مبيعات الروبل، مع الإشارة فقط إلى أنها ستعزز الروبل، مما يساعد على تعويض التأثير التضخمي للإنفاق الاستثماري.