ديون المستهلكين لا تضغط حتى الآن على البنوك

عامل يحسب الأوراق النقدية بالدولار الأمريكي في مكتب صرف العملات في جاكرتا، إندونيسيا. - المصدر: بلومبرغ
عامل يحسب الأوراق النقدية بالدولار الأمريكي في مكتب صرف العملات في جاكرتا، إندونيسيا. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

يشعر الجميع بالقلق من ديون المستهلكين. وتخلى المستثمرون مؤخراً عن أسهم البنوك الكبرى وشركات البطاقات الائتمانية المتخصصة، ومؤسسات التكنولوجيا المالية الأحدث عهداً بسبب مخاوفهم بشأن انعكاس المعاناة من ارتفاع تكاليف المعيشة وأسعار الفائدة على المقترضين. لكن الشيء الغريب هو أن الأُسَر في أميركا والمملكة المتحدة ومعظم أوروبا في حالة جيدة للغاية، ويظهرون علامات ضئيلة على وجود ضغوط مالية.

السبب الكامن وراء هذا القلق واضح، إذ يسرّح بنك "جيه بي مورغان تشيس آند كو" مئات الموظفين العاملين في قطاع قروض المنازل بالولايات المتحدة بسبب انهيار الطلب على الرهن العقاري مع تزايد أسعار فائدة الإقراض الرئيسية إلى 6%. على الجانب الآخر، تراجعت تقييمات شركات الإقراض التي تعمل بنظام "اشترِ الآن وادفع لاحقاً" مثل "بلوك" (Block)، المعروفة سابقاً باسم "سكوير"، أو "كلارنا بنك إيه بي" (Klarna Bank AB) المملوكة لعدد محدود من الأشخاص والمؤسسات، إذ يخشى المستثمرون من تباطؤ الإنفاق وارتفاع المخاطر، حتى إنّ المساهمين في بنك "غولدمان ساكس" استجابوا بشكل سيئ لتقرير نشرته "بلومبرغ نيوز" الأسبوع الماضي الذي أشار إلى أن بنك "ماركوس" الإلكتروني التابع لـ"غولدمان" سيتكبد خسارة أخرى بقيمة 1.2 مليار دولار هذا العام، رغم أن ذلك يعزى إلى استثماره الضخم في تقوية أعماله، بدلاً من زيادة معدلات إقراضه.

سيولة فائضة

يبدو الوضع سيئاً، خصوصاً إذا حدقت مطولاً إلى الأسواق المالية، كما تراجعت معنويات المستهلكين. لكن إعانات الأُسَر -وربما الاقتصادات الغربية بأسرها على نطاق واسع- أدت إلى كمّ هائل من المدخرات وخفض الديون خلال أزمة كوفيد. بدأ الناس العام الجاري وفي حوزتهم سيولة فائضة تعادل أكثر من 13% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2019 في المملكة المتحدة، ونحو 11.5% من نظيره في الولايات المتحدة، وما بين 5.5% إلى 7.5% في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا.

ماثيو ميش، المحلل الاستراتيجي للائتمان في بنك "يو بي إس"، يرى أن ميزانيات الأُسَر أصبحت أقوى بكثير مما كانت عليه قبل الوباء. في الولايات المتحدة، كان عدد قروض السيارات ذات التقييم الائتماني الضعيف (عالية المخاطر) والمقترضين ببطاقات الائتمان أقل بكثير مما كان عليه في الماضي. قد يكون الاتجاه نحو زيادة قوة الأوضاع المالية للأُسَر تسارع بسبب القيود التي فُرضت على نمط الحياة، إضافة إلى دعم الدخل خلال عمليات إغلاق "كوفيد"، لكن تحسين هذه الأوضاع كان جارياً منذ عام 2013.

في الأشهر الأخيرة، تزايدت نسبة المقترضين الذين عجزوا عن سداد الديون في مواعيدها، لكنها لا تزال عند مستويات 2019 أو أقل منها. ويقول ميش: "لا أتوقع أننا سنشهد مستوى من التدهور المقلق في الأشهُر القليلة المقبلة، رغم أن ذلك قد يحدث في الفصول القليلة القادمة. أشعر بالقلق من استعداد المستهلكين للإنفاق أكثر من قدرتهم على الإنفاق".

إنفاق قوي

لا يزال مستوى الإنفاق قوياً في الوقت الراهن، وتراجعت نفقات الاستهلاك الشخصي بالولايات المتحدة في مايو الماضي للمرة الأولى هذا العام، ولكن بشكل طفيف فقط. ولم يحدث انهيار في الطلب، كما استمر الإنفاق على الخدمات في النمو حتى لو انخفضت مشتريات السلع. وإلى جانب المدخرات المرتفعة والديون المنخفضة، تلقّى المستهلكون دعماً قوياً أيضاً بفضل معدلات التوظيف المرتفعة للغاية ونقص العمالة اللذين يساعدان على دفع نمو الأجور، كما أنه في الولايات المتحدة لم ترتفع حتى أسعار الغاز بالقدر السيئ الذي تبدو عليه.

مع ذلك فإن وتيرة التضخم تفوق نمو الأجور بالنسبة إلى كثيرين، ويخشى الاقتصاديون من أن الناس سيضطرون إلى إنفاق أموالهم الفائضة سريعاً للتكيف. يمكن التنبؤ بما سيحدث تالياً من الاسترشاد بفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ففي ذلك الوقت دخل الناس في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في زمن السلم مع مدخرات عالية وطلب مكبوت، مما أدى بدوره أيضاً إلى تأجيج التضخم لسنوات. لكن داريو بيركنز، الخبير الاستراتيجي للاقتصاد الكلي في شركة الأبحاث المستقلة "تي إس لومبارد" (TS Lombard)، عندما درس هذه الفترة وجد أن المستهلكين لم يهدروا مدخراتهم، كما لم ينفقوا بشكل مجمع أكثر مما كسبوا، إلا خلال فترة وجيزة بالمملكة المتحدة، مما سمح لهم بتحصين مدخراتهم.

حالياً، تقع الأموال الفائضة في الغالب بين أيدي الأثرياء، الذين هم أقل احتمالاً لإنفاقها على أي حال. لكنّ ذوي الدخل الأدنى لا يزالون أقوى مالياً الآن مما كانوا عليه منذ فترة ليست بقصيرة. وهناك بعض المؤشرات في الولايات المتحدة على أن الناس يستدينون بصورة أكبر لدعم أنماط الحياة. كما قفز النمو في الائتمان المتجدد كنسبة من الإنفاق الاستهلاكي نحو مستويات لم نشهدها منذ 2007، وفقاً لبيانات من بنك الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس. ووصل نمو الائتمان الاستهلاكي إلى معدل سنوي يقارب 13% في مارس، وهو أسرع نمو له منذ أكثر من عقدين.

ديون منخفضة

لا تزال المديونية منخفضة نسبياً، ومع ذلك انخفض إجمالي الائتمان الاستهلاكي الأميركي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 18.5% تقريباً، وهو نفس المستوى الذي كان عليه في أواخر 2015. وحتى بين مجموعة المقترضين الأميركيين من غير الحاصلين على شهادة جامعية، ممن حللت شركة "يو بي إس إفيدنس لاب" (UBS Evidence Lab) بياناتهم كمؤشر على المجموعات الأقل دخلاً، بلغت الديون دون ضمانات بالكاد 20% من الدخل السنوي، وكانت النسبة آخذة في الانخفاض منذ 2015.

إذا كان في هذا الصدد أي شيء ملحوظ فهو أن البنوك وشركات بطاقات الائتمان تتوق إلى اقتراض المستهلكين بصورة أكبر. ويقول معظمهم للمستثمرين منذ عدة أشهر إن أرباح فوائد أرصدة بطاقات الائتمان سترتفع قريباً مرة أخرى، لكن العملاء حافظوا على مدفوعات شهرية عالية بثبات شديد.

مما لا شك فيه أن الحياة تزداد صعوبة وكلفة بالنسبة إلى البعض، لكن يبدو أن مستثمري البنوك بالغوا في رد فعلهم حتى الآن. وستكون مراقبة معدلات التوظيف أمراً أساسياً، فإذا بدأ الناس في فقدان وظائفهم وتراجع نمو الأجور كذلك، عندها ستنتشر الديون المعدومة.

اضغط هنا لقراءة المقال الأصلي
هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

الآراء الأكثر قراءة