تقاسم رئيسا البنكين المركزيين للولايات المتحدة ومنطقة اليورو شكوكهما في إمكانية عودة بيئة التضخم المتدني المشهودة قبيل فترة تفشي وباء كورونا؛ وهو تغير يجعلهما يقومان بالبحث عن إجابات في ظل صعود أسعار الفائدة.
قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول في جلسة أدارتها، فرانسين لاكوا، من تلفزيون بلومبرغ: "منذ تفشي وباء كورونا، نعيش وسط عالم كان الاقتصاد فيه مدفوعاً من خلال قوى متباينة للغاية".
إلى جانبه، اتفقت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، على أنها ليس لديها اعتقاد "بأننا سنرجع مجدداً إلى بيئة التضخم المتدني".
أثناء حديثها يوم الأربعاء في المنتدى السنوي لمؤسستها في مدنية سينترا، بالبرتغال، بيّن باول كيف أن القوى، بما فيها العولمة والتركيبة السكانية المتقدمة في العمر والإنتاجية المتدنية والتطورات التكنولوجية، لم تعد تسيطر على الأسعار. دفع توجيه بنك الاحتياطي الفيدرالي تحذيراً من التضخم المسؤولين مؤخراً إلى زيادة أسعار الفائدة دون إبطاء بأعلى مستوى منذ سنة 1994.
قال باول: "ما لا نعلمه هو ما إذا كنا سنرجع إلى أمر يشبه بدرجة أكثر أو يشبه بدرجة أقل ما كنا عليه من قبل. نحن نشك في أنه سيكون هناك نوعاً من الخليط" و"نتعلم طريقة التصدي للأمر".
أثر الأزمة
اجتمع مسؤولو البنوك المركزية من كافة أنحاء العالم في أول تجمع معزول من هذا القبيل للبنك المركزي الأوروبي على سفوح التلال منذ فترة ما قبل تفشي الوباء على خلفية صعود أسعار المستهلكين والتهديدات التي تواجه النمو الاقتصادي وإمكانية وقوع اضطرابات أكثر في قطاع الطاقة.
أشارت لاغارد، مع لمحة من الحنين إلى الماضي، إلى أن الأمور لن تكون هي ذاتها. وقالت: "يوجد قوى جرى إطلاق العنان لها نتيجة تفشي الجائحة على إثر هذه الأزمة الجيوسياسية الضخمة التي نتعرض لها في الوقت الحالي، والتي ستبدل الصورة والمشهد العام الذي نديره".
عدم اليقين
لدى حضوره أيضاً، أشار رئيس بنك إنجلترا المركزي، أندرو بيلي -الذي يواجه اقتصاد بلاده كذلك صعوبات جرّاء خروجه من الاتحاد الأوروبي- إلى أن التعاقب الحاد للتأثيرات التي تضرب بشدة المملكة المتحدة يشكل تحدياً في حد ذاته. وقال: "الأمر يعود للأسلوب الذي تتصدى به لسلسلة من أزمات الإمداد الهائلة في ظل عدم وجود فواصل بينها، والتي تعزز التوقعات قطعاً. فهي لا تعتبر مسألة عابرة بالمعنى التقليدي".
كررت لاغارد ما ذكره باول لتعطي قائمة مماثلة للقوى الهبوطية التي كانت تحتوي التضخم خلال السنوات العشرين الماضية، بما فيها التصنيع "في الوقت الملائم"، لافتة إلى أن العصر المتحول سينذر بحدوث اضطرابات أكثر. وقالت: "لقد تبدل ذلك، وعلى الأرجح سيتبدل بطريقة مستمرة ليتجه صوب نظام غير متأكدين بشأنه".
وجّه باول تحذيراً من أنه بينما يتوقع وجود إمكانية لزيادة أسعار الفائدة دون أن ينجم عن ذلك ركود اقتصادي، فإن ذلك "سيكون أمراً صعباً تماماً". وقالت لاغارد إن البنك المركزي الأوروبي -الذي يتحرك في المسار الصحيح لزيادة أسعار الفائدة مرتين خلال الفترة الربع سنوية المقبلة- لابد أن يكون على أهبة الاستعداد من أجل تكثيف التدابير في حال كان ذلك ضرورياً، في ظل الزيادة التدريجية مع الأخذ في الحسبان حالة عدم اليقين المرتفعة.
حذّر رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي من أنه ربما يكون من السابق لأوانه الحكم على ما إذا كانت معدلات التضخم العالية تعد خاصية ستدوم لفترة أطول بالنسبة للاقتصاد على مستوى العالم، مشيراً إلى أن نماذج خبراء الاقتصاد أخفقت في توقع حدوث أزمة هائلة في جانب العرض. وقال: "يمكن أن تتسبب هذه العملية في تأثيرات عكسية" و"أن يهبط معدل التضخم بطريقة أكثر سرعة".
في الوقت الراهن، لابد أن يتكيف رؤساء البنوك المركزية مع الأمر الواقع الجديد. وبحسب قول باول فقد "عشنا في ذلك العالم عندما لم يكن معدل التضخم يشكل معضلة"، و"لدى اعتقاد بأننا ندرك بطريقة أفضل مدى ضحالة فهمنا فيما يتعلق بالتضخم".