كان الروبل أحد أوائل ضحايا الاقتصاد الذين سقطوا بسبب الحرب التي شنتها موسكو على أوكرانيا. لكن بعد فترة قصيرة أصبح طوق النجاة للبنك المركزي الروسي.
مع بقاء الضوابط الرأسمالية القاسية دون تغيير؛ انهارت الواردات، وأصبحت العوائد المليارية الدولارية الناتجة عن بيع النفط تتدفق إلى داخل البلاد. وبدأت بوادر انتعاش العملة في الظهور بحلول مارس الماضي. لكن لم تقرر إلفيرا نابيولينا، محافظة البنك المركزي، تقوية العملة إلا في وقت لاحق بهدف ترويض التضخم وفقاً لمصادر مُطلعة على محادثات المركزي في تلك الفترة.
أضافت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها للتحدث بحرية عن المداولات، أنه بدلاً من التحرك بشكل أسرع لإزالة القيود المفروضة على تدفقات الأموال عبر الحدود، كان الخيار المُتخذ قبل 3 أشهر هو الصمود لأطول فترة ممكنة حتى لو جاء ذلك على حساب الميزانية، وبمجرد أن ترتفع قوة الروبل للدرجة التي تسمح له بالتأثير على التضخم؛ سيتحرك البنك المركزي بقوة لخفض أسعار الفائدة من أعلى مستوياتها في عقدين تقريباً.
اقرأ أيضاً: الروبل يواصل جموحه حتى بعد تخفيف روسيا ضوابط رأس المال
لحظة حاسمة
ربما تأتي أهم لحظة فيما يصفه المطلعون بـ"تلاعب نابيولينا التكتيكي"، اليوم الجمعة، إذ يعتقد بعض الاقتصاديين أن البنك المركزي قد يخفض اليوم سعر الفائدة المرجعي إلى مستوى أقل مما كان عليه قبل الحرب، حينما بلغ 9.5%. إذا حدث هذا؛ سيشكل خفض سعر الفائدة الجديد التراجع الرابع على التوالي في السلسلة التي بدأت مع محو الروبل للخسائر التي تكبدها بعد اندلاع الغزو.
قال أوليغ فيوجين، المسؤول الرفيع السابق في البنك المركزي ووزارة المالية: "الإستراتيجية المتبعة هنا واضحة، وهي أن تدع الروبل يزداد قوة أولاً حتى يحارب التضخم. لكن هناك مأخذ واحد عليها، وهو أن هذه التكتيكات تكون منطقية لو تعافت الواردات، ومن ثم حققت توازناً تجارياً نسبياً على الأقل. لكن الواردات لم تتعاف بعد، وهذه مشكلة". لم يستجب البنك المركزي لطلب التعليق.
قبل أيام قليلة من بداية فترة ولايتها الثالثة في وقت لاحق من هذا الشهر. قد تشعر نابيولينا بأنها حققت هدفها لأن التضخم تراجع كثيراً لدرجة أن روسيا شهدت انخفاضات أسبوعية في أسعار المستهلك، وهو أمر نادر الحدوث.
مخاطر مستقبلية
أيضاً، تتحول النظرة المستقبلية الأوسع نطاقاً لصالح روسيا بصورة أكبر، مع توقع بعض المتنبئين ركوداً أقل عمقاً بكثير هذا العام مما كان متوقعاً في وقت سابق. ودفعت أسعار الفائدة المرتفعة المزيد من الروس إلى إعادة الأموال للبنوك بعد عمليات السحب القياسية التي بدأت في فبراير الماضي.
لكن الأدوات الوفيرة في جعبة المركزي لمواجهة الأزمة أقل استعداداً بكثير عندما يتعلق الأمر بالمخاطر المستقبلية، التي تمتد من الانحدار الاقتصادي في ظل العقوبات، وحتى تهديد أزمات العجز الناجمة عن تناقص إمدادات البضائع المستوردة. ومع تجميد قرابة نصف الاحتياطات الدولية الروسية بفعل العقوبات، ما يزال واضعو السياسات غير قادرين على التدخل ودعم السوق.
سيُظهر قرار سعر الفائدة هذا الأسبوع بشكل كبير إلى أي مدى يرغب البنك المركزي في الاعتماد على الروبل القوي كنقطة ارتكاز سياسي، خاصة إذا قرر استكمال الحوافز النقدية مع خفض إضافي لضوابط رأس المال.
اقرأ أيضاً: روسيا قد تُخفف قيود العملات الأجنبية لتكبح جماح الروبل
تسهيل نقدي
على الرغم من أن بنك روسيا بدأ تدريجياً في تخفيف دفاعه المالي منذ أبريل الماضي، إلا أن بعض التدابير القاسية ما تزال باقية، بما في ذلك حظر بيع المستثمرين الأجانب للأوراق المالية الروسية.
توقع معظم المحللين الذين استطلعت "بلومبرغ" آراءهم خفض سعر الفائدة بواقع نقطة مئوية واحدة، اليوم، ليصل بذلك إلى 10%. كما تباطأ التضخم بأكثر من المتوقع في مايو الماضي، ليصل إلى نسبة سنوية تقدر بنحو 17.1%.
خبراء بنك "جيه بي مورغان تشيس آند كو" يتوقعون أن أداء الروبل سيحدد إلى مدى بعيد وتيرة وعمق دورة التسهيل النقدي. وقد تحتاج أسعار الفائدة إلى التدني عن المستوى الذي يُعتبر حيادياً -ويتراوح بين 6 إلى 8%- حتى ينتعش الإنفاق الاستهلاكي مجدداً وتتزن الصادرات المتزايدة، حسب قولهم.
لكن لو لم يحدث هذا؛ سيظل الروبل تحت رحمة الحساب الجاري.
كتب اقتصاديو "جيه بي مورغان"، بمن فيهم ياركن سيبيشي، في تقرير: "لتقليل فائض الحساب التجاري بشكل ملحوظ –من خلال رفع الواردات- ربما تكون هناك حاجة إلى تطبيق سياسة تسهيل نقدي كبيرة لتحفيز الطلب المحلي. وتؤدي وزارة المالية دورها في ذلك الصدد من خلال ضخ حوافز مالية هائلة، لكن ربما تكون هناك حاجة أيضاً إلى دفعة نقدية أقوى".