تشكّل مبادرة الشرق الأوسط الأخضر أول تحالف إقليمي من نوعه يهدف للتخفيف من تأثيرات تغير المناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من خلال وضع خارطة طريق طموحة وواضحة للعمل المناخي الإقليمي، مما يضمن تنسيق الجهود واتباع نهج موحّد لمواجهة تبعات تغير المناخ.
تسعى المبادرة إلى توفير فرص اقتصادية ضخمة في المنطقة، كما ستؤدي التنمية المستدامة الناجمة عنها إلى دفع عجلة التنويع الاقتصادي وتوفير فرص العمل وتحفيز استثمارات القطاع الخاص في عموم المنطقة، مما يعود بالنفع على الأجيال المقبلة ويفتح الآفاق أمام المستقبل الأخضر.
مشاركة واسعة
برئاسة مشتركة بين الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء في المملكة العربية السعودية، والرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية، شهدت النسخة الثانية من قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر التي عُقدت بالتزامن مع مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ (كوب 27) مشاركة واسعة من كبار القادة في العالم، الذين أكدوا التزامهم بتقديم إسهامات فاعلة للوصول إلى الأهداف المناخية العالمية في إطار الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وسلطوا الضوء على أولويات العمل المناخي في المنطقة التي تُعدُّ جزءاً أساسياً من الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ.
أهداف طموحة
وضعت مبادرة الشرق الأوسط الأخضر هدفين رئيسيين يقودان خارطة طريق العمل المناخي الإقليمي. ويركز الهدف الأول على خفض الانبعاثات من خلال حشد الجهود وتعزيز التعاون بين جميع دول المنطقة لخفض الانبعاثات وإزالتها بأكثر من 670 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، وهي الكمية التي تمثل الإسهامات الوطنية المحددة من جميع دول المنطقة، كما تمثل 10% من الإسهامات العالمية عند الإعلان عن هذا الهدف.
ويتمثل ثاني أهداف المبادرة بزراعة 50 مليار شجرة في جميع أنحاء المنطقة. وسيعمل هذا المشروع الطموح على استصلاح 200 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة، مما يساعد على تقليل الانبعاثات الكربونية بنسبة 2.5% من المستويات العالمية المسجلة في الوقت الحاضر. وستسهم زراعة 50 مليار شجرة في مكافحة التصحر والحد من العواصف الترابية وتوفير الحماية من الآثار البيئية والاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن تدهور الأراضي، وهي جوانب تعاني منها دول غرب ووسط وجنوب آسيا وشمال أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى. وتقود المملكة جهود التعاون الإقليمي لتحقيق هذا الهدف، مع موافقة الدول الأعضاء على الإطار الأولي للحوكمة خلال الاجتماع الوزاري الذي استضافته الرياض خلال شهر أكتوبر 2022.
استثمارات ضخمة
تقوم السعودية بدور ريادي في تأسيس مراكز وبرامج إقليمية لتنسيق الجهود بين دول المنطقة بهدف جذب الاستثمارات للمشروعات الخضراء، لاسيما في مجالات الاقتصاد الدائري للكربون والتشجير وخفض الانبعاثات، حيث يجري العمل حالياً على ستة برامج ومراكز تحت مظلّة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، تشمل منصة تعاونية لتسريع تنفيذ مفاهيم الاقتصاد الدائري للكربون، ومركزاً إقليمياً للتغير المناخي، وبرنامج بذر سحابي إقليمي، ومركزاً إقليمياً للإنذار المبكر بالعواصف، ومركز إقليمياً لاحتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه، ومركزاً إقليمياً للتنمية المستدامة لمصايد الأسماك. كما تقود المملكة مبادرة إقليمية لحلول الوقود النظيف لأغراض الطهي سيستفيد منها أكثر من 750 مليون شخص حول العالم، إلى جانب تأسيس صندوق استثمار إقليمي مخصص لتمويل الحلول التقنية للاقتصاد الدائري للكربون.
في إطار دعمها المستمر للجهود الإقليمية الرامية للحد من الانبعاثات الكربونية، قامت السعودية برفع إسهاماتها الوطنية المحددة والتزمت بخفض 278 طناً مترياً سنوياً من مكافئ غاز ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2030. وأعلن ولي العهد عن عزم المملكة إنشاء واحد من أكبر المراكز المتخصصة بالتقاط الكربون واستخدامه وتخزينه في العالم، بما يتماشى مع أهداف خفض الانبعاثات الوطنية في البلاد وجهودها الرامية لتطبيق نهج الاقتصاد الدائري للكربون. وسيسهم هذا المركز في التقاط 44 مليون طن متري من غاز ثاني أكسيد الكربون، أي ما يعادل 15% من الإسهامات الوطنية المحددة للمملكة، وذلك بحلول عام 2035.
من أجل تسريع وتيرة تنفيذ الأنشطة الرامية لتحقيق مستهدف التشجير لمبادرة الشرق الأوسط الأخضر، أعلن الأمير محمد بن سلمان عن استضافة الأمانة العامة لمبادرة الشرق الأوسط الأخضر في السعودية، وعن قرار تخصيص مبلغ 2.5 مليار دولار دعماً لمشروعات المبادرة وأنشطة الحوكمة.
التنمية الاقتصادية والعمل المناخي
ولي العهد الأمير محمد بن سلمان كشف عن استهداف صندوق الاستثمارات العامة السعودي الوصول إلى الحياد الصفري بحلول عام 2050، ليكون بذلك من أوائل صناديق الثروة السيادية عالمياً، والأول في منطقة الشرق الأوسط، في اتخاذ هذه الخطوة. وسيتم تحقيق هذا الهدف من خلال تمويل مشاريع تدعم الانتقال الأخضر وتشجع الابتكار. ويتماشى ذلك مع نهج الاقتصاد الدائري للكربون الذي تتبعه المملكة في العمل المناخي وتعزيز دور الصندوق كركيزة أساسية تدعم الجهود العالمية في التصدي للتحديات المناخية.
تُعدُّ قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر المنصة الاستراتيجية الإقليمية الأولى من نوعها والمصممة لتسريع وتيرة الانتقال الأخضر في المنطقة، وتحفيز التنمية الاقتصادية، وبناء مستقبل أكثر استدامة. ويؤكد انعقاد قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر بالتزامن مع الدورة الـ27 من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (كوب27) على التزام المملكة العربية السعودية بالتعاون مع كافة الدول من أجل ضمان مستقبل أكثر خضرة للجميع.