من بين آلاف الشاحنات المتوقِّفة في دنفر في الشهر الماضي، التي تحاول عبور القناة، كانت واحدة منها تحمل لوحات لهنري ماتيس. كما كانت هناك لوحة للفنان الأرجنتيني المولد لوسيو فونتانا في الطابور أيضاً، إلى جانب أعمال فنية أخرى بقيمة ملايين الدولارات.
أراد أصحابها إعادة هذه اللوحات الفنية إلى القارة قبل أن تغادر بريطانيا السوق الواحد للاتحاد الأوروبي.
قبل 31 ديسمبر، يمكن للأعمال الفنية الأوروبية، مثل باقي السلع الأخرى، أن تتحرك بحرية بين الاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة ضمن تقييدات بسيطة، ودون ضريبة مرهقة، وإجراءات جمركية. في نهاية الفترة الانتقالية للبريكست، سيكون على المعارض الفنية، وأصحاب المجموعات الفنية في لندن أن يقرروا ما إذا كانوا سيبقون في المملكة المتحدة أو يشحنوا أعمالهم إلى أوروبا قبل الموعد النهائي. وقد قرَّر العديد منهم أنَّ الخيار الثاني هو الرهان الأفضل.
معضلة الرسوم
تكمن المخاطر بالنسبة لتجار اللوحات الفنية في كونهم قد يخضعون لرسوم الاستيراد عند إحضار أعمالهم إلى الإتحاد الأوروبي في المستقبل، وفقاً لكريس إيفانز المدير العام لشركة الشحن "كادوغان تات" (Cadogan Tate). وفي مقابلة معه، قال إنَّ المعارض الفنية متوسطة الحجم، وتجار اللوحات الفنية الذين يبيعون بشكل دوري للمشترين في أوروبا تأثروا بشكل خاص.
نقلت شركته حوالي 500 قطعة لصالح عميل واحد، قام بنقل ثلثي مخزونه من اللوحات الفنية تقريباً إلى الاتحاد الأوروبي. ونقل عميل آخر ربع مجموعته -أعمال فنية تبلغ قيمتها 5 مليون دولار- ونقل عميل ثالث كميات أصغر في وقت سابق من العام.
إنَّ معرفة الكمية الإجمالية للأعمال الفنية التي تمَّ شحنها إلى خارج المملكة المتحدة، قبل دخول العام الجديد ليس أمراً سهلاً، لأنَّه بسبب قلة البيانات في السوق التي تفخر بنفسها من ناحية الخصوصية والسرية. لكنَّ الأدلة الشفهية تدعم انطباع إيفانز بشأن أكثر المشغِّلين المتوسطي الحجم، والجيوب التخصصية للسوق هي الأكثر تأثراً.
وقال مدير شركة شحن متخصصة أخرى، إنَّ حجم الأعمال الفنية التي تمَّ نقلها إلى الاتحاد الأوروبي في ديسمبر، قفز بنسبة 75% عن العام الماضي. هذه الشركة التي طلبت عدم التعريف عنها بسبب الطبيعة الحساسة لأعمالها، حصلت على 34 حجزاً منفصلاً في الشهر الماضي، ونقلت حوالي 125 عملاً فنياً إلى القارة الأوروبية.
كما تمَّ تغليف وحزم كل لوحة ضمن إطار خاص لحمايتها من المطبَّات، والتغييرات الحرارية، والرطوبة أو الغبار. وأحياناً تحتاج أكثر اللوحات قيمة وحساسية لحاويات مصنوعة خصيصاً أو حتى وحدات يتمُّ التحكم بحرارتها.
من المحتمل ألا يكون أثر تطبيق "بريكست" أكثر من مجرد موجة في سوق المملكة المتحدة الذي قُدِّر في عام 2019 بأنَّه وصل إلى 12.7 مليار دولار في المبيعات، وفقاً لتقرير "آرت باسيل ويو بي إس غلوبال آرت مارت" (Art Basel and UBS Global Art Market Report) الموثوق، مما جعله ثاني أضخم سوق في العالم.
لكنَّه لا يزال مجرد مثال آخر عن كيفية إحضار "بريكست" للاختلافات التي لم تكن موجودة إلى الأسواق. وبما أنَّ تجارة الاتحاد الأوروبي تعادل حوالي 20% فقط من قيمة سوق الفن في سوق المملكة المتحدة، يجادل بعض الخبراء في أنَّ أثر البريكسيت سيكون محدوداً، خاصة عند النهاية العليا للسوق، إذ ستقوم الشركات العالمية مثل دور المزادات الضخمة في لندن بتوسيع إجراءاتها التي تستخدمها بالفعل للتعاملات مع غير الاتحاد الأوروبي إلى عملياتها منطقة اليورو.
وقال أنثوني براون، رئيس مجلس إدارة اتحاد سوق الفن البريطاني: "كلما كان السوق أعلى، ارتفع السوق العالمي أيضاً. وأكبر المتأثرين سيكونون أصحاب المعارض الصغيرة، والتجار، والوسطاء الذين لديهم مشترون في الاتحاد الأوروبي".
وأضاف أنَّه قد كان لوباء كوفيد 19 حتى الآن أثر أكبر بكثير من "بريكست" على السوق، فقد كانت هناك حاجة لإلغاء المعارض الفنية الرئيسية، مثل "فريز لندن" (Frieze London).
مبررات نقل الأعمال الفنية في الاتجاهين
يدير ستيوارت هوبكيرك فريق الشحن البري الأوروبي في شركة "مارتنسبيد" (Martinspeed)، وهي شركة تركِّز على كبار العملاء. وقال، إنَّ لدى شركته شحنة واحدة ضخمة نقلت بضع مئات من الأعمال الفنية قبل تطبيق "بريكست" في نهاية العام، لكنَّها لا تمثِّل "نمطاً حقيقياً يمكن ملاحظته" في قطاع السوق الذي يعمل فيه.
وتختلف الأسباب التي دفعت بعض المعارض والتجار لنقل مجموعاتهم، وفقاً لأشخاص مطَّلعين على هذه القرارات. بعضهم استند إلى حسابات تقول إنَّه من المحتمل أنَّ غالبية المشترين النهائيين سيكونون مواطنين في الاتحاد الأوروبي، وليسوا بريطانيين. وبعض القطع ستعود في النهاية إلى الاتحاد الأوروبي على أساس مؤقت على أي حال، وباستخدام الترتيبات المعروفة باسم "سند القبول المؤقت"، الذي يسمح للمالكين بتأجيل ضريبة المبيعات حتى سنتين.
كما قرر بعض أصحاب المجموعات الآخرين أنَّ الحفاظ على المكانة الأوروبية لهذه القطع سيدعم بشكل أفضل قيمتها المالية على المدى الطويل. وترى الأقلية أنَّها ستحافظ على وهج الأعمال الفنية التي أتت بالأصل من أوروبا.
هناك جزء بسيط من المعارض التي تعمل غالباً في المملكة المتحدة قامت بالرحلة في الاتجاه المعاكس. إذ قال ماتيا مارتينيلي، مالك معرض "روبيرتايباستا" (Robertaebasta) الذي يقع مقره في لندن، إنَّه نقل حوالي 60 قطعة فنية إلى المملكة المتحدة من ميلانو، لأنَّ غالبية زبائن المعرض موجودون في لندن. لكنَّه أضاف أنَّ العديد من زبائنه أصحاب الثروات الكبيرة، إلى جانب المعارض الأخرى، نقلت مجموعاتها في الاتجاه المعاكس. وقال: "لدي حالياً شاحنات عالقة في كلٍّ من بريطانيا وإيطاليا، إذ لا تزال القواعد غير واضحة. إنَّه وضع فوضوي".