بعيداً عن النزاعات التي نشأت من نزاعات سياسية أو دينية مراراً، تشتعل اليوم حروب ثقافية من نوع آخر، وقد تدور هذه الحروب أحيانًا بين محبي النباتات الحزازية و مستخدمي جزازة العشب في وقتنا الحالي، وإن لم تلاحظ ذلك بعدُ، فهذا يعني على الأرجح أنَّك لا تُمضي وقتاً كافياً في تصفُّح منصَّة "تيك توك".
في زوايا الإنترنت الأكثر استخداماً من قِبل مواليد هذا القرن، تثير المروج المشذّبة امتعاض الكثيرين منهم، ممن يرون أن هذه المروج غير عمليَّة ومكلفة، إذ لا يمكن السير عليها، وتتطلَّب كثيراً من الأسمدة والماء، فضلاً عن أنها مملَّة وبشعة (عذراً حدائق فيرساي). وباختصار، لقد أصبحت تنتمي إلى جيل سابق، أو "دقَّة قديمة".
حدائق النباتات المتنوعة بيولوجياً
وعلى الجهةٍ الأخرى، تُعَدُّ الحدائق ذات النباتات المتنوعة بيولوجياً خياراً رائعاً لتوفير المياه ومنع انجراف التربة، وهي لا تحتاج إلى مبيدات وأسمدة، وتسحب ثاني أوكسيد الكربون من الهواء، وتشكِّل بيئة مثالية لأنواع من الزواحف والنحل.
وعلى منصَّة "تيك توك" الأكثر تفضيلاً لدى المراهقين، كانت تلك من المواضيع التي تحدَّث عنها لمتابعيها، كل من @emptyskullmode (مليون إعجاب)، بالإضافة إلى نصائح عن الجمال أو الخُبز.
هذا ما ستجده إذا نظرت إلى ما هو أبعد من التحدِّيات، والرقصات السخيفة على هذه الحسابات. فسترى أنَّ هذا الجيل (المناصر للنباتات الحزازية)، المعروف بالجيل "Z"، يُعيد صياغة السياسة المناخية، والتمويل المستدام، والعمل النشط لهذه الأهداف، بمقدار يتفوَّق على أيِّ جيل سابق.
وفي عصر البيانات الكبيرة والسرَّية القليلة، دُرِسَت بيانات هؤلاء المراهقين، وحُلِّلَت، وتمَّ استطلاع آرائهم لعدد لا يحصى من المرات. فعلى سبيل المثال، سنعرف أنَّ معظم الذين وُلِدوا بين 1995 و2000؛ يُعَدّ التغيُّر المناخي بالنسبة إليهم، القضية الأكثر أهمية في زمنهم، وفقاً لاستطلاع أجرته منظمة العفو الدولية العام الماضي
ومؤخراً جعلت جائحة "كوفيد-19" هذا الجيل، يشعر بالتفاؤل، وأنَّ الأوان لم يفُت على إصلاح الضرر الذي أُلحِق بالبيئة، وهي قناعة يتشاركونها مع جيل الألفية، وذلك وفقاً لاستطلاع "ديلويت" العالمي الخاص بجيل الألفية لعام 2020، الذي أفاد أَنَّ أربعة من أصل خمسة ممن شملهم الاستطلاع، يعتقدون أنَّ على الشركات والحكومات القيام بجهود أكبر لحماية البيئة.
هذه التوجهات البيئية لا تظهر فقط على "تيك توك"، فهناك قطاع ألعاب الفيديو أيضاً، الذي حقَّق إيرادات بقيمة 120.1 مليار دولار في عام 2019، الذي شهد انضمام 28 شركة، بجمهور مشترك يتخطَّى 970 مليون لاعب، إلى ائتلاف اللعب من أجل الكوكب (Playing for the Planet Alliance) الخاص بالأمم المتحدة، الذي تعهَّد بالتقليل من انبعاثات الكربون، وإدخال بعض العناصر الداعمة للقضايا البيئية في الألعاب.
وكانت شركات كبرى في المجال، قد اتخذت مبادرات جدَّية للتماهي مع هذه المواقف، ومنها "مايكروسوفت"، التي وعدت بإزالة كمية كربون من البيئة أكثر من تلك التي تبعثها مع حلول 2050. وتصمِّم حالياً، وتصنِّع جهازها "إكس بوكس" دون أي انبعاثات كربون أيضاً، في حين حسَّنت منافستها الشهيرة "سوني" كفاءة الطاقة الخاصة بجهازها "بلاي ستيشن 5" المرتقب.
ولسنوات عدَّة، كان لاعبو ألعاب الفيديو يقودون الجهود نحو هذا التحوُّل الأخضر، ففي 2018 ابتكر المطوِّر نيكولاس بوريلو "ملحقاً بيئياً" للعبة "ماين كرافت" الشهيرة التي تضم 131 مليون مستخدم، يُمضون ساعات طويلة في بناء عوالم ثلاثية الأبعاد، مستخدمين كتلاً افتراضيةً، تعبر عن مواد عضوية مختلفة.
وبموجب التعديل الذي أضافه المصمم بوريلو على اللعبة، أصبحت الحيوانات تطلق غازات الميثان، والأفران تطلق غاز ثاني أوكسيد الكربون، وتمتصُّ الأشجار بعضاً منها. وعندما ترتفع مستويات الغازات الدفيئة في هذه البيئة الرقمية، ترتفع درجات الحرارة، ومستويات البحر، وتزيد الفيضانات أيضاً. ويمكن للاعبين ضبط حساسية كل عنصر من هذه العناصر، فمثلاً يمكن ضبط كمِّيَّة انبعاثات الكربون. ويحوِّل هذا التصميم الجديد اللعبة إلى نموذج بيئيٍّ علميٍّ.
وفي قسم الآراء الخاص بالملحق، سأل المستخدم "FlatoutDude": "هذا رائع، ولكن قد يخرج الأمر عن السيطرة بالنسبة إلى الأفران، هل هناك طريقة لإلغاء التغيرات على مستويات البحر؟"، فأجابه بوريلو: "ازرع الأشجار".
ألعاب تحاكي الواقع المناخي
في ظلِّ هذه التغيُّرات، يبقى الراشدون يعانون مع الشركات لمواكبة هذا المزيج المتغيِّر من الأفكار الوجودية، والطرق الحديثة للتعبير عنها. وبعضهم يسخر منها، تماماً كما يفعل كل جيلٍ مع الجيل الذي يلحق به، إلا أنَّ عالمنا اليوم، بسبب جائحة كورونا، وحرارة الكوكب المرتفعة جداً ، وذوبان الجليد غير المسبوق، والحرائق الوخيمة، يبدو مألوفاً بشكلٍ مخيف لأولئك الذين يُمضون ساعاتٍ منغمسين في العوالم الرقمية لما بعد الكارثة، التي تطلقها بسيناريوهات مختلفة للألعاب، مثل "The Last of Us" و"Horizon Zero Dawn" و"Fallout".
وخلال وقتٍ سابق هذا العام، أطلق اللاعب المحترف لانان إيكوت، المعروف أيضاً باسم "LazarBeam"، تحديَّ التغيُّر المناخي على لعبة "فورت نايت". وكان على شخصيته، وهي على شكل رجل ثلج مسلح بسلاح من كعك الزنجبيل، القيام بدورة كاملة حول جزيرة اللعبة، وهو يجتاز الجليد الذائب.
وبهدف إكمال هذا التحدي، يحتاج "LazarBeam" إلى قطع الأشجار لبناء الجسور بين القطع الجليدية، ويجبره ذلك على اتخاذ قراراتٍ، قال عنها: "تدمِّر البيئة من أجل إنقاذها". ويعدُّ إيكوت الأمر بمثابة فكرة "حمقاء للغاية"، ولكنها نجحت. وحصل الفيديو الذي يُظهِر قيامه بالتحدي على 8.7 مليون مشاهدة على "يوتيوب".
وسأل إيكوت ـ17 مليون متابع لديه على "يوتيوب": "قد تجلسون، وتقولون: إنَّّ هذا كان تحديَّاً تافهاً، لماذا قمت بذلك يا LazarBeam؟"، ولكنه يحاول إرسال رسالة من خلال هذا التحدي، مفادها أنَّّ "التغيُّر المناخي مسألة جِدِّية".