تكثف بكين الضغط على الشركات الصينية لشراء رقائق الذكاء الاصطناعي المنتجة محلياً بدلاً من منتجات شركة "إنفيديا"، كجزء من جهود البلاد لتوسيع صناعة أشباه الموصلات ومواجهة العقوبات الأميركية.
يحث المنظمون الصينيون الشركات على تجنب شراء شرائح "إتش 20" (H20) التي تنتجها "إنفيديا"، والتي تُستخدم لتطوير وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر. وقال الأشخاص، الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم لخصوصية الأمر، إن هذه السياسة اتخذت شكل توجيه وليس حظراً تاماً، إذ تريد بكين تجنب إعاقة شركاتها الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي وتصعيد التوترات مع الولايات المتحدة.
وقال الأشخاص إن هذه الخطوة تهدف إلى مساعدة صانعي شرائح الذكاء الاصطناعي الصينيين المحليين على الحصول على المزيد من الحصة السوقية مع تجهيز شركات التكنولوجيا المحلية لأي قيود أميركية إضافية محتملة. ومن بين الشركات الرائدة في صناعة معالجات الذكاء الاصطناعي في البلاد شركة "كامبريكون تكنولوجيز كورب" (Cambricon Technologies Corp) وشركة "هواوي تكنولوجيز" (Huawei Technologies). وفي وقت سابق من هذا العام، طلبت بكين أيضاً من صانعي السيارات الكهربائية المحليين شراء المزيد من إمداداتهم من صانعي الرقائق المحليين، كجزء من حملتها للوصول إلى الاكتفاء الذاتي في التقنيات الحيوية.
منعت الحكومة الأميركية شركة "إنفيديا" من بيع معالجات الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدماً للعملاء الصينيين في 2022، كجزء من محاولة للحد من التقدم التكنولوجي في بكين. قامت شركة "إنفيديا"، ومقرها سانتا كلارا، كاليفورنيا، بتعديل الإصدارات اللاحقة من الرقائق حتى يمكن بيعها بموجب لوائح وزارة التجارة الأميركية. وتجدر الإشارة إلى أن إصدارات "إتش 20" (H20) تناسب تلك المعايير.
توجيهات غير ملزمة
في غضون الشهور الأخيرة، أصدر عدد من الجهات التنظيمية الصينية، بما فيها وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات ذات النفوذ القوي، ما يُعرف بتوجيهات غير ملزمة –لا تملك صفة القوانين الملزمة- لتقليل استخدام منتجات "إنفيديا"، وفق للأشخاص. أضاف الأشخاص أن هذا التوجيه يستهدف تشجيع الشركات على الاعتماد على شركات محلية مثل "هواوي" و"كامبريكون". عززت بكين نشر الرسالة عبر مجموعة تجارية محلية، وفق شخص آخر.
في غضون ذلك، يرغب المسؤولون الصينيون في أن تبني الشركات المحلية أفضل أنظمة ذكاء اصطناعي ممكنة. إذا تطلب الأمر شراء جزء من أشباه الموصلات الأجنبية بدلاً من البدائل المحلية، فإن بكين ستقبل ذلك، وفق أشخاص مطلعين على سياسة الذكاء الاصطناعي في الصين.
رفضت" إنفيديا" التعليق. لم تستجب وزارة التجارة الصينية ووزارة المعلومات والتكنولوجيا وإدارة الفضاء السيبراني لطلبات للتعليق على الأمر عبر الفاكس.
من جهة أخرى، قال الرئيس التنفيذي لـ" إنفيديا"، جنسن هوانغ، اليوم إنه يبذل قصارى جهده لخدمة العملاء في الصين والاستمرار في الالتزام بمتطلبات القيود الحكومية الأميركية. أوضح خلال مقابلة مع تلفزيون بلومبرغ: "أول شيء ينبغي علينا فعله الامتثال لأي سياسات أو لوائح تُفرض. في الوقت نفسه، نبذل قصارى جهدنا للتنافس في الأسواق التي نخدمها. نملك العديد من العملاء هناك الذين يعتمدون علينا، وسنقوم بأفضل ما يمكننا لدعمهم".
السوق الصينية
شهدت "إنفيديا"، التي تُعد أكبر شركة تصنيع رقائق حول العالم من حيث القيمة، زيادة كبيرة في المبيعات حيث يسارع مشغلو مراكز البيانات عبر كافة أنحاء العالم لشراء المزيد من واحدت المعالجة الخاصة بها. تبقى الصين جزءاً من هذا النمو، رغم تأثرها بقيود التجارة. خلال الربع الثاني من العام الجاري، جنت الشركة 12% من إيراداتها، أو 3.7 مليار دولار تقريباً، من البلاد متضمنة هونغ كونغ. يزيد ذلك 30% عن العام السابق.
قالت المديرة المالية، كوليت كريس، خلال مؤتمر أرباح عبر الهاتف أغسطس الماضي: "نمت إيرادات مراكزنا للبيانات في الصين بشكل تدريجي خلال الربع الثاني وتُعتبر مساهمة كبيرة في إيرادات مراكز البيانات الخاصة بنا. ما تزال نسبتها المئوية أقل من المستويات التي كانت قبل فرض قيود التصدير من إجمالي إيرادات مراكز البيانات. نتمسك بتوقعاتنا أن تحتدم المنافسة بقوة في السوق الصينية في المستقبل".
تُعتبر رقائق "إنفيديا" الأفضل في فئتها بالنسبة للشركات التي تسعى لتطوير خدمات الذكاء الاصطناعي. تسارع شركات مثل "ميتا بلاتفورمز" و"أوبن إيه آي" و"ألفابت" للحصول على أحدث منتجاتها الرائدة لبناء نماذج ذكاء اصطناعي متقدمة. خزنت عدة شركات تكنولوجيا صينية، بما فيه "بايت دانس" و"تينسنت" رقائق "إنفيديا" قبل بدء سريان قيود التصدير.
في هذه الأثناء، تعمل شركات تصميم وتصنيع الرقائق في الصين على توفير بدائل لمنتجات "إنفيديا". قدمت بكين مليارات الدولارات من الدعم لقطاع أشباه الموصلات، لكن رقائق الذكاء الاصطناعي المحلية ما زالت متخلفة كثيراً عن نظيراتها من صنع" إنفيديا".
استثمارات محلية كبيرة
رغم القيود الأميركية، فإن الصين تملك قطاع ذكاء اصطناعي مزدهر. تسثتمر "بايت دانس" وشركة "علي بابا غروب هولدينغز" بقوة في المجال، بينما تتنافس مجموعة من الشركات الناشئة على الريادة. تعمل 6 شركات تُعرف باسم "النمور" على تطوير نماذج لغوية كبيرة، وهي التقنية الأساسية وراء الذكاء الاصطناعي التوليدي وهي "إيه آي 01" (01.AI) و"بايتشوان" (Baichuan) و"مون شوت" (Moonshot) و"ميني ماكس" (MiniMax) و"ستيب فان" (Stepfun) و"زيبو" (Zhipu).
كشف أحد الأشخاص أن بعض الشركات تتجاهل قرار الحكومة الصينية بتجنب رقائق "إتش 20" أو (H20) وتسارع إلى شراء المزيد منها قبل فرض عقوبات متوقعة من الولايات المتحدة الأميركية مع حلول نهاية السنة الحالية، وذلك رغم أنها تشتري أيضاً رقائق "هواوي" المحلية إرضاءً لبكين.